6 أكتوبر 2025 / 10:30

العدل والإحسان، رياح الانتهازية تهب من داخل الجماعة.

تحرير: دين بريس

في سابقة غير معزولة عن السياق الإقليمي والداخلي وعلى وقع ما بات يعرف باحتجاجات جيل Z، بدأ جناح من داخل جماعة العدل والإحسان المغربية يلوّح بإمكانية الانخراط في العمل السياسي المنظم، بما يحمله من مغازلة ناعمة للمؤسسات الرسمية التي لطالما كانت محل رفض عقائدي وسياسي من قبل التنظيم. هذه التلميحات التي تأتي بعد عقود من “الانتظارية” والشعارات الكبرى حول “الخلافة” و”القومة”، تكشف عن بوادر تصدع داخلي في صفوف الجماعة التي تعاني من تصلب القيادة واحتكار القرار من قبل الحرس القديم.

من الانتظارية إلى الواقعية الانتهازية؟

التحركات الأخيرة لبعض القيادات والوجوه الشابة في التنظيم، وتكثيف ظهورهم في الحوارات الإعلامية التي لا تخلو من رسائل ملتبسة، توحي بأن جزءاً من الجسم العدلاوي بدأ يُدرك أن الوقت لا يرحم الانتظاريين. بعد أكثر من أربعة عقود من الترقب والمراوحة في خطاب المظلومية والرفض، يبدو أن الاستراتيجية العقائدية التي وضعها الراحل عبد السلام ياسين وصلت إلى مداها، ولم تعد قادرة على مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية في المغرب.

لكن اللافت أن هذا التحول لا يأتي في سياق مراجعة فكرية واضحة أو مكاشفة سياسية مسؤولة، بل في إطار محاولة انتهاز نافذة سياسية قد تفتح، بحثاً عن تموقع ما في مشهد يعاد تشكيله بعيداً عن منطق الاستقطاب الحاد.

الوثيقة التي تجاهلتها القيادة

في خضم هذا الحراك الداخلي، تعود إلى الواجهة وثيقة سياسية مهمة كان قد قدمها الباحث والقيادي في الجماعة منار باسك والتي دعت، ولو بمواربة، إلى إعادة النظر في العلاقة مع الدولة ومؤسساتها، وطرحت بشكل غير مباشرة مسألة جدوى الاستمرار في العزلة والانتظارية. غير أن القيادة الحالية للجماعة تعاملت مع الوثيقة بتجاهل تام، بل وجابهتها بصمت مريب، في تجسيد صارخ لمنهج الإقصاء الداخلي والجمود الفكري واقصاء الوجوه الشابة داخل الجماعة، المتعطشة بدورها لممارسة أدوار قيادية، بعد سنوات من الأدلجة والتأطير وانتظار “الفرصة السانحة”.

هذا التجاهل يكشف عن رفض بنيوي لأي انفتاح ديمقراطي داخلي، ويكرس عقلية المركزية الصارمة التي تدير بها الجماعة شؤونها، حيث لا مكان لأي اجتهاد يتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها المؤسس، ولا لأي محاولة لمساءلة الاختيارات الكبرى.

أزمة شرعية داخلية وصراع أجيال.

تواجه الجماعة اليوم إذن، أزمة شرعية داخلية غير مسبوقة. فالأجيال الجديدة التي نشأت في ظل انفتاح نسبي على وسائل الإعلام والتواصل، واحتكت بتجارب الإسلاميين ممن مروا بتجربة العمل السياسي وظفروا بالمناصب، بدأت تتساءل عن جدوى الانغلاق التنظيمي، والتمسك بشعارات كبرى لا تترجم إلى مشاريع عملية. في المقابل، ما زال الحرس القديم، الذي رافق عبد السلام ياسين في مسيرته، يتحصن خلف جدران التنظيم العقائدي، ويحتكر القرار السياسي والتنظيمي، مانعاً أي انتقال فعلي نحو مرحلة جديدة، في إطار منطق الحجر على الفئات الشابة…

هذا التوتر بين الجناح الشاب المتطلع للانفتاح، وقيادة مشدودة إلى الماضي، قد يكون نذير تشقق داخلي أو انقسامات تنظيمية، خاصة إذا استمر رفض القيادة لمطالب الإصلاح الداخلي، التي لم تعد خافتة كما في السابق.

اللعب على كل الحبال

محاولة فصيل شبابي من جماعة العدل والإحسان إظهار مرونة سياسية اليوم لا تنبع من مراجعة فكرية صادقة، بل من حسابات انتهازية ظرفية. فمن جهة، تُبقي الجماعة على خطابها الراديكالي أمام قواعدها لتضمن تماسك التنظيم، ومن جهة أخرى، تختبر فرص الدخول إلى المؤسسات إن توفرت الشروط المناسبة، دون أن تتحمل تبعات خطابها السابق أو تقدم نقداً ذاتياً لمواقفها المتشددة.

في النهاية، يبقى السؤال مطروحا، هل نحن أمام تحول استراتيجي حقيقي داخل الجماعة، أم مجرد تكتيك ظرفي يعكس أزمة داخلية وفقدان البوصلة؟