قدم الدكتور سعد الدين العثماني، الطبيب النفسي ورئيس الحكومة المغربية الأسبق، عرضا بعنوان “أثر الأمراض النفسية على الأهلية في الشريعة الإسلامية”، خلال أشغال الدورة السادسة والعشرين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقدة بالدوحة في الفترة من 3 إلى 7 ماي 2025.
واستعرض العرض أثر تطور الطب النفسي الحديث على المفاهيم الفقهية المرتبطة بالأهلية، داعيا إلى تجاوز المقاربات التقليدية التي تعتمد على مصطلحات غير دقيقة، والعمل على اعتماد مفاهيم علمية حديثة مثل “الاضطرابات النفسية” و”الاعتلالات العقلية”، بما ينسجم مع التصنيفات الدولية المعتمدة.
وركز الدكتور العثماني على أهمية التمييز بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء، وبين الأمراض النفسية المُنقصة للأهلية وتلك المُعدِمة لها، مؤكدا أن الأهلية لا تسقط لمجرد وجود تشخيص طبي، بل يشترط قيام اضطراب حقيقي يؤثر فعليا على التمييز والإدراك والإرادة وقت صدور الفعل موضوع التقييم.
وأشار كذلك إلى ضرورة مراعاة تغير النظرة الطبية والعلمية للأمراض النفسية، التي لم تعد مرتبطة دوما بفقدان العقل أو فقدان السيطرة، بل باتت تُفهم ضمن طيف واسع من الحالات التي تتفاوت في درجات تأثيرها على قدرة الإنسان على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية.
ودعا العرض إلى اعتماد الخبرة النفسية الشرعية كوسيلة إثبات علمية معتبرة في تحديد الأهلية، مع التنبيه إلى خطورة التسرع في نزع الأهلية عن الأفراد بناء على أحكام نمطية أو مصطلحات فضفاضة.
وأبرز الحاجة إلى بناء فقه متجدد للأهلية، يعكس التكامل بين المقاصد الشرعية والمعطيات الطبية، ويصون حقوق الأفراد المصابين باضطرابات نفسية دون أن يظلمهم أو يرفع عنهم المسؤولية الشرعية دون بيّنة.
واختتم الدكتور العثماني عرضه بمقترحات عملية تدعو المجمع إلى تبني رؤية فقهية جديدة تُميز بدقة بين الحالات المؤثرة على الأهلية وتلك غير المؤثرة، وتُلزم الهيئات القضائية والمؤسسات الشرعية بالتعامل مع التقارير النفسية وفق معايير علمية صارمة.
وحظي العرض باهتمام من جانب المشاركين في الدورة، واعتُبر من بين المساهمات العلمية التي تواكب تطورات العلوم الإنسانية والطبية في معالجة القضايا الفقهية المعاصرة.