سعيد الكحل
لا يوجد إنسان يحمل في داخله ذرة إنسانية لا يحب أن يشيع السلم والسلام كل العالم ، دولا وشعوبا ، وتختفي كل أسباب الفتن والحروب. حقا الفلسطينيون عانوا ويعانون من التهجير والاستعمار لعقود دون أن تجد قضيتهم حلا يضمن لهم إقامة وطن مستقل يمارسون عليه سيادتهم ويتمتعون داخله بكرامتهم. إلا أن عوامل دولية وداخلية تحول دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
وقد اختبر الفلسطينيون كل الوسائل لمقاومة الاحتلال بدءا بالعمليات الفدائية وخطف الطائرات لإثارة انتباه دول وشعوب العالم إلى قضيتهم ، ثم العمل المسلح ، فانتفاضة الحجارة التي قصرت المسافة حتى عاد الوطن “على مرمى حجر”، بحيث تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية كنواة أولى للدولة والوطن. نواة لم توفر لها الصراعات الفلسطينية الداخلية المناخ السياسي السليم والظروف الطبيعية للنمو والإثمار. إذ يعود لأطفال الحجارة الفضل في انتزاع الاعتراف الأممي والإسرائيلي بمنظمة التحرير كممثل وحيد وشرعي للفلسطينيين ؛ وإليهم كذلك يعود الفضل في إنشاء السلطة الفلسطينية بمؤسساتها الإدارية والتشريعية والأمنية بمختلف عناصرها من حملة السلاح بعدما كان حمله أو امتلاكه مجرَّما.
إنجاز لم يكن ليرضي تيار الإسلام السياسي الذي لم يكن له شرف إطلاق الرصاصة الأولى للمقاومة ، فسعى إلى السطو عليها وسرقة تضحيات وتاريخ النضال الفلسطيني. لهذا خطط لإرباك السلطة الفلسطينية وقطع الطريق أمام دعاة السلام تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية. كانت أولى قرارات هذا التيار هي “عسكرة” الانتفاضة وإلغاء طابعها السلمي عبر زرع العبوات الناسفة والعمليات الاستشهادية التي كانت تستهدف ، في أغلب الأحيان، المدنيين الإسرائيليين في وسائل النقل العمومية والساحات العامة.
الأمر الذي جعل غالبية دول وشعوب العالم تتعاطف مع إسرائيل. لم يستوعب حينها الفلسطينيون أنهم بتلك العمليات يعطون كل الذرائع لإسرائيل لوقف مسلسل السلام والانقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية ومصادرة مزيد من الأراضي واستنبات المستوطنات ، فضلا عن إقامة الجدار العازل الذي حول غزة إلى سجن جماعي. كان من الممكن استثمار اتفاق أوسلو لتوسيع مناطق السلطة الفلسطينية لتشمل المناطق الثلاث “أ” و “ب” و”ج”. غير أن أجندات تيار الإسلام السياسي ، الرامية إلى احتكار القضية الفلسطينية بالسطو عليها سرعان ما أفشلت جهود السلام .
من ضمن ما ترمي إليه أجندة هذا التيار إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية من تمثيلية الشعب الفلسطيني والنطق باسمه، ومن ثم تكريس الانقسام الداخلي الذي أضعف وحدة الصف. فحماس تترجم برامج قيادتها دون تطلعات الشعب الفلسطيني الذي صار شعبين: شعب الضفة وشعب غزة. وكلما لاحت فرص المصالحة التي تسعى إليها منظمة التحرير/السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وقبله ياسر عرفات، إلا وأقبرتها حماس التي تناهض اتفاق أوسلو وتشتغل في إطاره وتقيم سلطتها في غزة وفق بنوده. إذ لم يكن اعتباطا أن تحوّل حماس الانتفاضة السلمية التي حققت مكاسب سياسية للفلسطينيين ،إلى انتفاضة مسلحة أجهزت على كل المكتسبات.
فحماس لا تريد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن ينتهي لما يحققه من أهداف سياسية ومكاسب مالية حوّل القضية الفلسطينية، من جهة إلى أصل تجاري يدرّ الأموال من مصادر شتى ، ويضمن الرفاه والغنى لقياداتها ، ومن أخرى ، يحول المقاومة إلى ورقة ضغط بيد إيران تستغلها في صراعها مع الغرب لرفع العقوبات عنها بسبب برنامجها النووي.
لهذا، وأيا كانت نتيجة المواجهة المسلحة مع إسرائيل ، فإن حماس لن تعلن الهزيمة ؛ بل ستجعل منها انتصارا حتى وان احتفلت به بين الأنقاض والنعوش. فكلما زاد القتل والدمار زادت مداخيل حماس من الدعم الخارجي الذي يملأ خزائنها بينما يبقى الفلسطينيون يعانون من الحصار والفقر. ولا عجب أن ترفض حماس إشراف السلطة الفلسطينية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
والأدهى أن تنظيمات الإسلام السياسي ، في العالمين العربي والإسلامي ، تتغنى بالانتصار الوهمي الذي حققته حماس على إسرائيل التي قتلت خيرة شباب فلسطين ودمت المساكن والبنى التحتية. لم يسأل أحد من هذه التنظيمات عن طبيعة هذا الانتصار ومكاسبه لفائدة الفلسطينيين وقضيتهم: كم تحرر من الأرض ، وكم أُلغي من قرار، وكم أطلق من أسير، وكم عاد من لاجئ ..؟
لا شيء من هذا تحقق، ولن يتحقق طالما تحكّمت حماس في القرار الفلسطيني ووفرت الذرائع لمزيد من القصف الإسرائيلي. حرب كلفت الفلسطينيين عشرات القتلى وآلاف الجرحى والمعطوبين مقابل وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل.
لقد بات الدم الفلسطيني رخيصا عند حماس كما عند التيار الإسلامي الذي سارع قادته إلى تهنئة قيادة حماس “بالنصر المبين”.
ومن هؤلاء أمين عام حزب العدالة والتنمية ، سعد الدين العثماني،الذي بعث برسالة تهنئة إلى إسماعيل هنية ، حاكم إمارة غزة ، يحاول فيها رفع الحرج عن نفسه وعن حزبه إثر توقيعه على البيان المشترك بين المغرب وأمريكا وإسرائيل ، والذي بموجبه يستأنف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل.
موقف لا يحسد عليه حزب العدالة والتنمية وأمينه العام الذي وقّع بيمينه وتنكّر بلسانه، فانخرط راقصا لانتصار وهمي لن يزيد إسرائيل إلا إصرارا على إعدام الحلم الفلسطيني في إقامة وطن لهم.
إن الفلسطينيين اليوم بحاجة إلى من يوحّد صفوفهم ويحقن دماءهم ويدعوهم إلى خيار السلم الذي يُكسبهم دعم وتعاطف العالم. فما لا يدرك كله لا يُترك جله.
يكفي ما أضاعه الفلسطينيون من فرص ومن أجزاء من وطنهم حتى عادت مساحته لا تتجاوز 25 % ، وقد تتآكل إلى ما دونها إذا استمرت حماس على نهجها ووهمها . رحم الله نزار قباني الذي نظَم ناصحا/ساخرا :
إيَّاكَ أن تقرأ حرفاً من كتابات العَرَبْ
فحربُهُمْ إشاعةٌ..
وسيفُهُمْ خَشَبْ..
وعشقهمْ خيانةٌ
ووعْدُهُمْ كَذِبْ
إياكَ أن تسمع حرفاً من خطابات العَرَبْ
فكلُّها نَحْوٌ.. وصَرْفٌ، وأَدَبْ
وكلُّها أضغاثُ أحلامٍ، وَوَصْلاتُ طَرَبْ
لا تَسْتَغِثْ بمازنِ، أو وائلٍ، أو تَغْلبٍ
قومٌ اسْمُهُمْ عَرَبْ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14617