شهدت ساحة الجمهورية بباريس، يوم السبت 19 يوليوز 2025، تجمعا علنيا لأتباع الطريقة الصوفية السنغالية “المريدية”، استمر من الساعة الثالثة بعد الزوال إلى الثامنة مساء.
الحدث، الذي تم تنظيمه بتصريح مسبق من شرطة باريس، وصف بأنه يوم ثقافي وروحي للاحتفال بذكرى عودة مؤسس الطريقة، الشيخ أحمدو بمبا، من منفاه في الغابون الذي امتد من 1895 إلى 1902 خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
وشارك في التجمع نحو مئة شخص من المريدين، نظّموا حلقات تقليدية تُعرف بـ”كوريل”، تخللتها تلاوة قصائد صوفية وأناشيد دينية تمجّد تعاليم الشيخ بمبا، الذي يُعرف بدعوته إلى الإسلام السلمي وتقديس العمل وقيم التضامن المجتمعي، ضمن رؤية صوفية هرمية تُشكّل أحد أبرز التيارات الدينية في السنغال.
وقد أكدت شرطة باريس في تصريح لصحيفة لوفيغارو أن التجمع تم في إطار سلمي، ولم تُسجّل خلاله أية صلوات جماعية أو مخالفات، مشيرة إلى أن الحدث أُعلن عنه سلفا كفعالية ثقافية ذات طابع روحي من قبل أفراد من الجالية السنغالية المعارضة لنظام بلادهم.
غير أن التجمع أثار ردود فعل متباينة، وفتح الباب أمام نقاش واسع حول مدى ملاءمته للفضاء العام، خاصة لما تحمله ساحة الجمهورية من رمزية متصلة بقيم الدولة والعلمانية الفرنسية.
ففي حين رأى البعض أن الحدث يعكس تنوع التعبير الثقافي والديني في المجتمع الفرنسي، اعتبره آخرون مظهرا من مظاهر التديّن غير المنضبط في المجال العمومي.
الشيخ محمد مهدي زاده، المدير الأوروبي للمجلس العالمي للأئمة، كان من أبرز المنتقدين، حيث صرّح على منصة “إكس” أن تحويل ساحة الجمهورية إلى “مسجد مفتوح” لا يُعد ممارسة دينية مشروعة، خاصة مع توفر مساجد قريبة تُتيح التعبير الديني ضمن الضوابط القانونية.
وأضاف أن مثل هذه التصرفات تُضر بصورة الإسلام، وتغذي المخاوف من عدم احترام المسلمين لقيم الجمهورية والفضاءات المشتركة.
وأثارت هذه المواقف ردودا أخرى من شخصيات سياسية، من بينها النائب عن حزب “التجمع الوطني”، غيوم بيغو، الذي هاجم ما وصفه بـ”العلمانية الماكرونية البديلة”، معتبرا أن السماح بمثل هذه الممارسات في ساحة الجمهورية يعكس ازدواجية في تطبيق مبدأ العلمانية، خاصة في ظل الجدل المستمر حول منع الرموز الدينية في الفضاء العام، مثل تماثيل المهد خلال الاحتفالات المسيحية.
وتساءلت النائبة هيلين لابورت (التجمع الوطني) عن أسباب “تساهل السلطات مع الطقوس الإسلامية في الفضاء العام، بينما يُلاحق رؤساء البلديات بسبب تثبيتهم لرموز دينية مسيحية كتماثيل المهد في زمن عيد الميلاد”.
ويأتي هذا الحدث في سياق دقيق تعيشه فرنسا، يتسم بتصاعد الجدل حول التديّن في الحياة العامة، وتنامي الحساسيات المحيطة بالإسلام والمجتمعات المسلمة، ما يجعل من كل مبادرة علنية ذات طابع ديني موضوع نقاش محتدم حول العلاقة بين حرية المعتقد واحترام الأسس الجمهورية.