دين بريس ـ سعيد الزياني
يشكل التوجيه الملكي الصادر عن الملك محمد السادس بإعداد فتوى شاملة حول أحكام الزكاة منعطفا حاسما في مسار تجديد الفقه المالي بالمغرب، وإعادة الاعتبار لركن أساسي من أركان الإسلام ضمن السياق الاقتصادي والاجتماعي الراهن.
ويتخطى الأمر حدود البيان الشرعي ليؤسس لرؤية مؤسسية تروم إدماج الزكاة ضمن السياسات العمومية، بما يجعلها أداة محورية لتحقيق التوازن الاجتماعي وتعزيز مسار التنمية الوطنية.
ويأتي هذا القرار الملكي في سياق تزايد التساؤلات حول كيفية تنزيل أحكام الزكاة على أنشطة مالية مستحدثة كالأجور، والخدمات، والاستثمارات، والمعاملات المصرفية.
وهو ما يستدعي اجتهادا جماعيا يجمع بين المرجعية الفقهية الأصيلة التي يمثلها المذهب المالكي، والخبرة الاقتصادية والمالية المعاصرة، من أجل بلورة فتوى رصينة قابلة للتنزيل.
وتكشف التجربة التاريخية للمغرب أن الزكاة كانت على امتداد قرون موردا رئيسيا لبيت المال منذ العهد الإدريسي، وظلت جزء من النظام المالي للدولة عبر المرابطين والموحدين والعلويين، إلا أن بداية القرن العشرين شهدت تحولات ضريبية وإدارية سنة 1901 في سياق الضغوط الأوروبية التي سبقت مرحلة الحماية، وهو ما أدى إلى توقف جمعها رسميا، رغم استمرارها كممارسة فردية واجتماعية.
وبرزت مع الاستقلال محاولات لإحياء مؤسسة الزكاة خلال السبعينيات والتسعينيات، لكنها ظلت محدودة ولم تترجم إلى واقع مؤسسي فعلي.
ويحمل التوجيه الملكي الأخير قيمة استراتيجية كبرى، إذ يعيد إدماج الزكاة ضمن الأجندة الوطنية في انسجام مع رهانات العدالة الاجتماعية.
وتشكل الفتوى الشاملة المرتقبة في هذا الإطار رهانا استراتيجيا لإدماج قيم الإسلام في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، وتجديدا لتأكيد دور إمارة المؤمنين كضامن للأمن الروحي وحامٍ لقيم الدين، وفاعل مؤسساتي يسعى إلى توجيه الفقه لخدمة الصالح العام.
وبذلك، يقدم المغرب نفسه من جديد كنموذج متفرد في التوفيق بين الشرعية الدينية ومقتضيات التنمية الحديثة، جامعا بين الوفاء للتقاليد الفقهية والانفتاح على رهانات العصر.
ويظل الرهان الأكبر أن تكون هذه الفتوى منطلقا لإرساء إطار مؤسسي متكامل يتطور إلى صندوق وطني للزكاة، يزاوج بين المرجعية الشرعية وآليات التدبير الحديثة، ويمنح هذه الفريضة موقعها كأداة مركزية للتكافل الاجتماعي ووسيلة فعالة لتعزيز العدالة والتنمية في المغرب المعاصر.