الديمقراطية الأمريكية ما بعد عمدة نيويورك زهران ممداني

9 نوفمبر 2025

حسن حلحول 

المحامي بهيئة الرباط

 

المقدمة :

تاريخ 2025/11/5 بالنسبة لولاية نيويورك و ناخبيها يعني الشيء الكثير،لأن الناخب نيويوركي ليس من السهل أن يستمال أو يستقطب، حتى يتم اقناع الناخب في هذه المدينة المعقدة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وماليا، يجب أن يكون المرشح بصفته ملقي الخطاب انتخابي مقنع صنديد وقوي،  قريب من الناخب المتلقي سالبا للوجدان ، مخترقا للفكر المضاد الذي كان يحاول حط من قيمة برنامجه الانتخابي.

كثير من المحللين اعتبروا أن نتائج هذه الانتخابات ليس فيها ما يستدعي إلى الاستغراب ، لأن الشعب الأمريكي كائن انتخابي يعرف كيف يختار المرشح القوي و الضعيف والهزيل والمرشح الصادق وغير الصادق في أقواله.

انتخابات نيويورك تحول جذري في القاعدة الانتخابية

من الأهداف الأسمى القاعدة الانتخابية ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ضمان المشاركة في العملية الانتخابية ،تعزيز الديمقراطية من خلال تمويل الحملات الانتخابية، نعلم جيدا أهمية تمويل الانتخابات في أمريكا التي تكلف الملايير، إذن السؤال المطروح كيف دخل عمدة نيويورك زهران ممداني غمار الانتخابات كشاب  من شباب نيويورك؟ وكيف مول حملته الانتخابية ؟ وكيف قفز كل العراقيل و تخطى كل الحواجز ؟.

في الحقيقة أن ما حققه من اختراقات يرجع أساسا إلى كاريزما  القوية لهذا الشاب، الذي كرس القاعدة الأساسية أن لا مستحيل على إصرار الشباب، من أجل تحقيق حلمه ، فليس بالتمني والاتكالية تحقيق الأماني،  بل بالعمل الجاد المثابر يمكن أن يقرب المسافات.

قد يقال إنه ليس الأول من الأصول الأفريقية وصل إلى هذا المنصب العالي في أمريكا،بل سبق السيد زهران ممداني  باراك أوباما من نفس  الحزب الذي ينتمي إليه هذا الأخير إلى سلطة الرئاسية ، بيد أن الفرق بينهما شاسع،لا قياس مع وجود الفارق.

أولا : من الخطأ ربط فوز زهران ممداني بالطوفان الأقصى، حتى لا يمكن إفراغ نجاحه الباهر، لأنه هذا الرابط الميتافزيقي غير سليم لا يمكن قبوله، أي علاقة للانتخابات مع ما جرى في غزة حتى يكسب عطف الناخب الأمريكي إنها المبالغة في ربط بين الأحداث يفتقد إلى العلاقة السببية التي هي علة كل معلول، ووجوده كل موجود وجودي المبني على الواقع الخارجي الانتخابي.

ثانيا: في نظري التحول الجذري في هذه الانتخابات هو أنه من المعلوم أن المجتمع الأمريكي في الظاهر يبدو أنه علماني ولكن هو مجتمع ديني ، ودولة الأمريكية دولة دينية  لم تكن قط لائكية جميع رؤسائها إلى اليوم كاثوليكيون، حتى أوباما الذي قيل عنه الكثير عن ديانته، ولكن أمر مختلف

بالنسبة لزهران ممداني فهو مسلم محض يتقن اللغة العربية اتقانا، فليس من السهل أن ينال ثقة الشعب النيويوركي الذي تألم كثيرا من الهجمات الإرهابية على ناطحات مركز التجارة العالمية بنيويورك سنة 2001/9/11.

ثالثا : تلقى حربا شراسة من قبل الحزب الجمهوري وعلى رأسها الرئيس الأمريكي دلان ترامب، الذي وصفه  بأنه شيوعي الذي لن يتقن تدبير شؤون نيويورك ،وأنه أكثر وسامة منه …، كما حرب من الحزب الديموقراطي الذي  ينتمي إليه لأن خصمه الرئيسي في هذه الانتخابات هو ديمقراطي من نفس الحزب هو أندرو كومو ومرشح الجمهوري كورتيس سليو.

رابعا : التحول الذي طرأ كطفرة في المجتمع الأمريكي يمكن استنتاجه هو الطموح إلى التجديد في بنية الخطاب المرشح من أجل استمالة منتخبين جد اذكياء خبروا لعبة  الانتخابات العريقة في هذا البلد ، في الوقت الذي سئم من الخطاب الانتخابي الكلاسيكي الذي بقي ضيق الأفق لا يحمل أي جدة  منذ سنين، استطاع هذا الشاب أن يغير مجرى الانتخابات باستعماله للفكر والثقافة مختلفة ملقحة بالثقافة والفكر الأمريكية، فهو لم يحصل على الجنسية الأمريكية إلا في سنة 2018 .فهم بالتواصل مع المواطنين حاجياتهم.

– تميز تجديد الخطاب عند زهران ممداني

إن الرائع والجميل في فوز هذا الشاب ذي الثقافة المختلطة المشرقية،  مغايرة للثقافة الأمريكية هو أنه استعمل خطاب يظهر من خلال صياغته المرونة والانفتاح على كل الثقافات المكونة للمجتمع نيويوركي ذي القابلية تغيير المجتمع إلى الأحسن وفاعليته إلى تحسين الأوضاع المادية، ،وترك كل ما يثير الصراع الديني  بين اليهود والمسلمين وكذلك المسلمين والمسيحيين وطالب إلى كلمة سواء بين جميع أطياف الدينية تجمعهم مدينة واحدة جميلة ورائعة للتعاون من أجل بناء مجتمع يسود فيه الإخاء والرخاء والمساواة والعيش الكريم،  أن يتحدوا من أجل الوصول الى المدينة التي تحتضن جميع الفئة الاجتماعية الكل يعيش في كرامة وشفافية ، خصوصا ان نيويورك

يعيش فيه الجالية اليهودية والإسلامية الهندوسية والبوذية.

هذه الثقافة الاجتماعية والتواصل الشعبي التي اعتمادها جعلت الناس أن تقتنع بخطابه وأن يخترق كل الطبقات الاجتماعية على اختلاف مستوياتهم.

إن التحول الجذري في المجتمع الأمريكي الذي يختلف عن المجتمع الأوروبي  هو أن الجالية الإسلامية جد حديثة في مجتمع لا يعرف الكثير عنها معرفيا  الشخصية المسلم زهران ممداني.

الرئيس الأمريكي خرج علنا ليعلن أن زهران ممداني شيوعي من أجل الضغط على كتلة الناخبة والابتعاد عن دعمه ، ما لم استوعبه هو هل مازالت الشيوعية تشكل بالنسبة للسيد الرئيس تهديد للنظام الرأسمالي؟  الكلام عن الشيوعية هو خارج السياق التاريخي وخارج النسق الفكري الذي قاد بها المرشح الفائز انتخاباته ،الشيئ الجديد الذي استطاع أن يجعله ان يفوز بهذه الانتخابات هو اسلوب الذي نهجه في حملته الانتخابية مختلف أسلوب سابقيه، يفهم من ذلك المجتمع الأمريكي على ما يبدو بدأ يرفض الأسماء المعروفة وينبذ العائلات الأمريكية ذات النفوذ الاقتصادي والمالي،وهو اعلان عن عقاب انتخابي لهذه العائلات ، وانتفاضة ضدها ، لهذا نجد الشعب الأمريكي النيويوركي وما أدراك ما الشعب النيويورك ، أيده بقوة بل دعمته وهذا بمثابة إعلان  عن التحول الذي يشهده المجتمع الأمريكي باطني وبطيء ينبئ عن تغيير ستشهده الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ، خصوصا أمام تنامي في كثير من الخطابات الرسمية لدونالد ترامب إقصاء غير أصول الأمريكية عندما هدد بسحب الجنسية الأمريكية منهم.

إن ذكاء عمدة نيويورك عندما بنى حملته على وعود اجتماعية محضة للمنتخبين كالنقل والكل يعلم مدى غلاء وسائل النقل في أمريكا،  الإيجار الذي يعد قاصم ظهر الأمريكيين. وغلاء المواد المعيشة  التي تمر بثلاث مراحل أو أربع حتى تستقر بسعرها الأخير إلى المواطن، إن فهمه الثاقب لهذا الوضع الاقتصادي للإنسان الأمريكي ،وما تقديمه للحلول الناجعة هو في حد ذاته وضع حد لسلطة المحتكرين لهذه المجالات الاقتصادية ،هو في ذات الوقت فتح مجال للمواطن الأمريكي لمناقشة السياسة الاقتصادية التي تسيطر عليها الطبقة الغنية من الأسر البرجوازية المسيطرة على المؤسسات المالية والخدماتية التكنولوجية الحديثة.

إن انتصار زهران ممداني في هذه الانتخابات يضاهي انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية ،لأنه حدث يجب قراءته من عدة جوانب موضوعية وذاتية.

أولا الجوانب الموضوعية:

وهي أنه انتصر في خضم ولاية الرئاسية دونالد ترامب ، وهذا ليس من السهل خصوصا ونعرف مدى تأثير شخصية ترامب إعلاميا على الشعب الأمريكي ، وهذا هو عنصر المفاجأة في هذه الانتخابات، ثم إن حرب إعلاميا ومن المؤسسات الحزبية التي تتمتع بنفوذ قوي وتأثير واسع على شباب المنتمين لها،بالرغم من ذلك صمد في الساحة السياسية وذلك بدعم من قبل الشعب الذي على ما يبدو من خلال هذه الانتخابات بدأ يعلن رفضه لسياسة القطيع التي تنهجها الأحزاب التقليدية،

يستفاد من ذلك أن مستقبل الانتخابات الأمريكية ستشهده تحولات بنيوية مفتوحة على كل الاحتمالات التغيير مستقبلا، لن يعد فيها الحزب الجمهوري والديمقراطي أصحاب الحل والعقد فيها .

ثانيا الجوانب الذاتية:

إن جيل زهران ممداني غير جيل أوباما وغير جيل بايدن وغير جيل ترامب، بالمناسبة أن باراك أوباما لم يقدم أي دعم علنا لعمدة نيويورك الفائز ذات الأصول هندية من أسرة مسلمة شيعية ، بالرغم من كونهما ليسا من الأصول الأمريكية، كما يقال الشبيه يحن إلى الشبيه  غير أن هذا لم يشفع له من أن  يتلقى الدعم من أوباما.

إن جيل الشباب الذي يعتمد على التواصل الاجتماعي الافتراضي، استطاع أن يحقق الانتصارات في جميع الميادين، حتى السياسة لم تنجو من توظيف تكنولوجيا المعلوماتية، هكذا هو الشباب المثابر الصبور الطموح ، إن الصمود الذي أظهره زهران ممداني في المعارك السياسية الانتخابية التي فتحت في وجهه من كل جبهات، برهن بحق أن عقيدة النجاح عندما يؤمن بها الإنسان لا شك أن النتيجة ستكون لصالحه في كل الأحوال فإذا لم تتوج بالنجاح تتوج باكتساب الخبرة والتجربة .

لا شك أن هذا النموذج الشبابي الذي أبان عن قدرة تحقيق الهدف قد يعد مستحيل تحقيقه، سيغير مجرى الانتخابات الأمريكية في المستقبل القريب.

 

 

 

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...