4 مايو 2025 / 12:00

الدرس التاريخي المغربي بين أسر التقليد وطموح التجديد

سليمة عبد الجليل بنجلون

مشكلة تجديد الدرس التاريخي وعقلية القدماء الذين يريدون ان ينظروا لأساتذة اليوم كيف يدرسون التاريخ ويعلمونه
في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية، وتتشكل فيه أجيال جديدة تتنفس لغة التكنولوجيا وتتفاعل مع العالم عبر منصات ذكية، يظل الدرس التاريخي في الجامعة المغربية يعاني من أزمة هوية ومنهجية عميقة. ليس من المعقول، بل ولا من المقبول، أن يستمر الحديث عن تجديد هذا الدرس بأصوات وأسماء كرست لسنوات طويلة نمطًا تقليديًا من التفكير، وأسلوبًا أكاديميًا متجاوزًا لم يعد قادرًا على مواكبة حاجات الطلبة الجدد ولا طموحات الجامعة المغربية نحو الرقمنة والحداثة البيداغوجية.
إن المشهد الحالي لتدريس التاريخ في جامعاتنا يعكس بوضوح هيمنة جيل أكاديمي متقاعد أو شبه متقاعد، لا يزال يبحث عن الظهور والتأثير، رغم مغادرته للساحة الفعلية للتدريس، ورغم الفشل الواضح للمناهج والتصورات التي ساهم في صياغتها. يكفي أن ننظر إلى مخرجات هذا الجيل: أجيال من الطلبة تخرجوا على أيدي هؤلاء الأساتذة، لكن قلة قليلة منهم أظهرت تفوقًا أو تميزًا أو نبوغًا يمكن أن يقاس به تأثير هذا التدريس. بالمقارنة، نجد أن أساتذة التاريخ الشباب، الذين تكونوا في سياقات بيداغوجية حديثة وتخصصوا في ديداكتيك التاريخ، يقدمون نماذج ملهمة لتدريس تفاعلي يخاطب عقول الطلبة بلغة عصرهم، ويستثمر التكنولوجيا كأداة لإحياء التاريخ وجعله مادة حية ذات صلة بقضايا اليوم.
إن إسناد الحديث عن تجديد الدرس التاريخي إلى أسماء ارتبطت بمنظومة عطلت التجديد في الماضي هو إهدار للفرص وتكريس للجمود. لقد شهدنا في السابق، على سبيل المثال، اجتماعات رؤساء شعب التاريخ بالجامعات المغربية التي أنتجت تصورات معلبة ومستوردة من وثائق قديمة، متجاهلة تمامًا الرؤى المتقدمة التي قدمتها كليات علوم التربية. تلك الرؤى، التي طرحت مفاهيم جديدة في التكوين البيداغوجي والديداكتيكي، قوبلت بالتهميش لأنها تجرأت على تجاوز المألوف وتحدي منطق “الورق الأصفر” الذي لا يزال يهيمن على قاعات المحاضرات.
اليوم، الدرس التاريخي لم يعد يحتمل مزيدًا من التنظير العقيم أو العروض الأكاديمية التي تنتهي بالتصفيق وصور السيلفي. الدرس التاريخي في حاجة ماسة إلى الفعل، إلى الممارسة الحية داخل الفصول، إلى خطاب يتوجه إلى الطالب المغربي بلغة قضاياه وهمومه، لا بلغة الهواجس النظرية المغلقة. إنه في حاجة إلى أن يكون رافعة لتنمية حس الانتماء، وتعزيز الوعي بالهوية، وتثمين التراث المغربي المادي واللامادي، لا مجرد مادة تقليدية تُلقن ليُعاد إنتاجها في الامتحانات.
صناعة الدرس التاريخي اليوم تمر عبر خلق محتوى تفاعلي يستثمر لغة العصر وأدواته. الشباب المغربي يصنع يوميًا تاريخًا رقميًا عبر منصات مثل يوتيوب، تيك توك، والبودكاست، بوسائل جديدة لا يفهمها إلا من غاص في لغتها وتمرس على أدواتها. لكن بدلاً من الاستفادة من هذه الدينامية، نجد أن اللقاءات الأكاديمية لا تزال تستدعي أسماء تكونت في زمن آخر، ولا تزال تفكر وتكتب بمنطق الحلول القديمة، عاجزة عن استيعاب أن محتوى التاريخ لم يعد يُلقن، بل يُنتج ويُبث ويُشارك ويُتداول ضمن منطق رقمي جديد.
إننا ندعو، بكل احترام وتقدير، إلى إعادة النظر في طريقة تنظيم هذه اللقاءات الأكاديمية، وفتح المجال فعليًا لأصوات الجيل الجديد من أساتذة التاريخ. هناك نماذج شابة ومبدعة تستحق الدعوة والتقدير: أساتذة ديداكتيك التاريخ بكليات علوم التربية، طلبة الماستر والدكتوراه الذين طوروا منصات رقمية لتدريس التاريخ المغربي بالعربية، الفرنسية، والأمازيغية، ومبدعو محتوى التاريخ على يوتيوب الذين تجاوزت قنواتهم مئات الآلاف من المتابعين. هؤلاء هم من يملكون القدرة على بلورة رؤية تجديدية للدرس التاريخي، لأنهم يعيشون نبض الطالب المغربي ويتحدثون لغته.
أما الاستمرار في الاعتماد على نفس الأسماء والأساليب التقليدية، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستنزاف، مزيد من التكرار، واتساع الهوة بين ما يجري في الجامعة وما يعيشه الطالب المغربي في عصر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. إن الدرس التاريخي ليس مجرد مادة دراسية، بل هو أداة لبناء الوعي وتشكيل الهوية. فهل سنظل نتركه رهينة لمنطق الماضي، أم سنفتح الباب لجيل جديد يحمل رؤية المستقبل؟