محمد أومليل
له مكانة علمية بارزة ومحترمة مشهود له بذلك حتى من قبل نقاده لبعض آرائه الصادمة، فضلا عن المنصفين في مجال التقييم المعرفي والأخلاقي ومدى الجمع بين المجالين؛ ليس هينا الجمع بينهما.
هو من ضمن التوجه “العلمانية الجزئية” مثل الوردي وشريعتي، يعتبر سروش تلميذا لهذا الأخير؛ غير أنه تجاوزه كون سروش يجتهد في الأصول وشريعتي اقتصر اجتهاده على الفروع، بالإضافة إلى أن سروش توصل إلى مجموعة نظريات جد صادمة وأثارت جدلا واسعا؛ بحيث صدرت عدة كتب تناقش تلك الآراء الصادمة بلغ عددها ثلاثين كتابا منها المؤيدة والمعارضة على السواء.
الذين ناقشوا آراءه كثر، منهم إيرانيون وعرب من الشيعة والسنة؛ محمد محمد علي مطر، كمال الحيدري، أحمد القابنجي، عبد الجبار الرفاعي..، إلى غير ذلك من أهل العلم في المواقع التواصل الاجتماعي.
عبد الكريم سروش إيراني شيعي من مواليد سنة 1945 أحد أبرز المثقفين في إيران وخارجها حيث أصبحت له مكانة عالميا كرس اهتمامه في عدة مجالات المعرفة؛ الإبستمولوجيا، فلسفة الدين، علوم الدين، علم الكلام، أصول الفقه، التفسير، والتصوف، والعرفان..، فضلا عن تخصصه في الكيمياء حاصل على شهادة الدكتوراه بجامعة لندن في الكيمياء، فترك تخصصه واتجه إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية من ضمن ذلك؛ فلسفة العلم ودراسة تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية والتحليل النفسي والمذاهب الفكرية الغربية لا سيما المناهج الحديثة وآليات تحليل الخطاب والنصوص بما في ذلك الهرمينوطيقا.
أستاذ جامعي درس في عدة جامعات غربية؛ جامعة هارفارد وجامعة جورجتاون، مقيم بالولايات المتحدة.
انصب اهتمامه كثيرا على الإبستمولوجيا (جد مهم في هذا التخصص)، ألف حولها عدة كتب، حتى أصبح كارل بوبر المسلمين!
له عدة مؤلفات أغلبها كتبها باللغة الفارسية وترجمت إلى اللغة العربية. من ضمن تلك المؤلفات:
– ما هو العلم؟
– العلم والقيمة
– ما هي الفلسفة
– العقل والحرية
– الدين العلماني
– الصراطات المستقيمة
– بسط التجربة النبوية
– القبض والبسط في الشريعة.
هذان الكتابان الأخيران أثارا جدلا واسعا داخل إيران وخارجها؛ مرد ذلك إلى ما طرحه من آراء صادمة حول الوحي واللغة والعلم!
منهجه المعتمد متعدد ومركب من الدراسات الإسلامية القديمة والحديثة، بالإضافة إلى مناهج غربية حديثة؛ نقدية، تاريخية، لغوية..، إلى غير ذلك من المناهج والمعارف.
اشتهر بنظرية الوحي ونظرية القبض والبسط.
ناقش تلك النظريتين كمال الحيدري بقدر عال من العلمية والموضوعية وبشيء من التفصيل والتفسير اليسيرين!
من ضمن ما قاله: أن هناك عدة نظريات حول الوحي، لن أصرح بمجملها في الظروف الحالية إلى أن يأتي الوقت المناسب، من ضمنها نظرية سروش، مفادها، باختصار شديد، أنه يؤمن بالقرآن شكل من ضمن أشكال الوحي المتعددة، بمعزل عن وساطة جبريل، إنما هي تجربة نبوية خالصة من خلال روحانية عالية ونفسية صافية ينتج عن ذلك؛ رؤى ومشاهدات (صور) فينقلها النبي إلى الناس بلسان قومه.
وتحدث كذلك، كمال الحيدري، عن نظرية القبض والبسط وعلاقتهما باللغة، حسب سورش، مفادها أن “اللغة كائن حي” لها قابلية التغيير، عبر الأزمنة والأمكنة، وغير جامدة من حيث الكلمات والجمل على حد سواء. ينطبق ذلك على اللغة المتداولة بشكل عام، وعلى القرآن بشكل خاص، وذكر مجموعة أمثلة من القرآن، مثل قوله تعالى:
” رب المشارق والمغارب” فهم الآية وفق سقفنا المعرفي المعاصر مخالف لفهم أهل العلم المتقدمين قبل اكتشاف دوران الأرض.(1)
من ضمن آراء سروش الصادمة؛ ليس هناك ثوابت في العلم عموما ولا في التدين خصوصا، كونه تجربة بشرية تتحول بتحول الأشخاص والظروف والأزمنة، بخلاف الدين، الذي مصدره القرآن، بمجمله ثابت إلى يوم القيامة، ولا يمكن لأي كان أن يحدد الثوابت ويفرضها على غيره، بل هو اجتهاده الخاص يلزمه ولا يلزم غيره، الاختلاف في التدين سيبقى مستمرا إلى يوم القيامة، آنذاك سيتم حسم الخلاف من قبل الله العليم الخبير: “الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون”.
إلى غير ذلك من شروحات التي ذكرها الدكتور عبد الكريم سروش حول كتابه (القبض والبسط) في إحدى حواراته(2).
نظريات الوحي، كما قال السيد كمال الحيدري، متعددة ضمن الإيمان بالقرآن أنه من عند الله من حيث المضمون، وضمن من ينكرون أن القرآن من عند الله مضمونا وتعبيرا إنما هو من صنع محمد شكلا ومضمونا كنتاج حالات استثنائية من ضمنها “الصرع”.
تيودور نولدكه وتلامذته من الصنف الأخير.
يقابله الإيمان بالسردية التقليدية؛ القرآن من عند الله مضمونا وتعبيرا نزل إلى النبي بواسطة جبريل.
وأصناف أخرى تندرج ضمن نظرية أشكال الوحي من حيث التعبير، والمضمون من قبل الله. ومسألة الوحي، في نظر سروش، غير مقتصرة على الأنبياء فقط، بل تشمل كل التجارب الروحية الشخصية الصادقة (العزلة والتعبد والزهد والتأمل وقلة الأكل والنوم والكلام)؛ يترتب عن ذلك روحانية عالية ونفسية صافية؛ يساهم في جلب آراء وأفكار وخواطر في غاية الجدة والروعة والأساليب التعبيرية. يعبر عن ذلك سروش بالصيغة التالية: “لذا فإن فإن الوحي لا يختص بالأنبياء فقط، بل ينزل على جميع الناس مع الفرق بين وحي الأنبياء ووحي الناس العاديين (يقصد أصحاب التجربة الروحية الشخصية والفردية. ولا يقصد عموم الناس) “(3).
يرى سروش أن “للوحي حالتين:
– الناحية غير المصورة من الوحي
– الناحية المصورة من الوحي”.
شرح ذلك:
“إن مهمة الأنبياء لا تعدو إلقاء الصورة (التي تلقاها الذهن) على الحقائق المفتقرة إلى الصورة، وعلى هذا الأساس فإن مفاهيم وتعاليم الإسلام على ما هو موجود في القرآن الكريم؛ إنما هي الصور التي ألقاها النبي الأكرم على الأمر المصور، وبطبيعة الحال فإن النبي قد سعى، من خلال توظيف اللغة العربية وآداب وعلوم عصره، إلى إلقاء هذا النوع من الصور “التي تلقاها ذهنه) على الأمر غير المصور بلسان قومه “(4).
عموما ما طرحه سورش قد تم تداوله قديما ضمن علم الكلام وفق السقف المعرفي لذلك الزمن، وتناوله سورش وفق علوم حديثة ومناهج جديدة مصدرها الغرب.
وهكذا سيبقى أهل العلم مستمرين، بلا ملل ولا كلل، في الاشتغال على “الدراسات الدينية”؛ تاريخ الأديان، الدين المقارن، فلسفة الدين، علم الاجتماع الديني، علم النفس الديني، أنثروبولوجيا الدين، علم المخطوطات، علم الخطاطة، دراسات الكتب المقدسة، الدراسات القرآنية..، إلى غير ذلك مما يندرج ضمن “الدراسات الدينية”؛ مما يفيد أن الدين لصيقا بالبشرية عامة ونخبة؛ مؤمنون وملاحدة..، وعلى اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم العقدية والأيديولوجية.
و”دين الفطرة” سوف ينتصر وينتشر..
بالنسبة لي، أهم نظرية من ضمن النظريات الثلاث التي أعجبت بها ومشتغل عليها سلفا وإلى الآن؛ “نظرية نسبية المعرفة” كونها “قابلة للتفنيد”؛ أخذها عن كارل بوبر واستأنف الاستغال عليها في علوم الدين وعلوم الدنيا على السواء.
روعتها تكمن، في نظريي، علاجها لداء الدوغمائية والانغلاق المعرفي والتعصب للرأس الناتج عن القصور العقلي والمبالغة في الانبهار بالأشخاص والأفكار وضعف الشخصية!
في نظر سورش وبوبر؛ كل العلوم قابلة للتفنيد، إن لم تفند عاجلا سوف تفند آجلا؛ تاريخ العلم يؤكد ذلك.
للتذكير، ما تقدم ذكره قد يكون خارج ما ألفناه، لذا أنصح القراء الأعزاء بقراءة عمودية نزولا وصعودا مرارا وتكرارا كيف يحصل الفهم السليم، حتى إذا كان هناك نقد، وهو حق مشروع، سيكون نقدا بناء أساسه استيعاب المنقود جيدا؛ كون “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”.
المراجع:
-1، نظرية عبد الكريم سروش في الوحي، السيد كمال الحيدري، اليوتيوب.
-2، لقاء المفكر عبد الكريم سروش حول كتاب القبض والبسط في الشريعة، اليوتيوب.
-3، عبد الكريم سروش، بسط التجربة النبوية، ص 28.
-4، علاقة الوحي بالتجربة الدينية: ملاحظات حول نظرية عبد الكريم سروش، محمد محمد علي مطر، نصوص معاصرة.