محمد أكعبور ـ مرشد ديني، اشتوكة آيت باها
الدبلوماسية أشكال وألوان، تحتكم إلى سياقات ظرفية وآلية واستراتيجيات متجددة. ترى، ما الدبلوماسية الجديدة؟ وما عوامل التغيير الدبلوماسي؟ وما النتائج التي أفضت إليه؟
رصد لعوامل التغيير الدبلوماسي: وقد تجلت في النقط التالي:
1- تغيير القيادات التي كانت عايشت الحروب العالمية الأولى والثانية والثالثة في صيغة الحرب الباردة بثوب العولمة.
2- ظهور قيادات مدنية أفرزتها صناديق شعبية انتخابية ديمقراطية بمضامينها الفلسفية والتربوية.
3- عودة الطلبة وأهل الفكر الخريجين إلى بلدانهم الأصلية وتحمل مسؤوليات مدنية وعسكرية بها وبإفريقيا كثير من هؤلاء تخرجوا من المدرسة والجامعة والمعهد والأكاديمية المغربية، في إطار التضامن الدبلوماسي ، وهم أعضاء نافذون في مركز صناعة القرار السياسي والاقتصادي والتنموي والتخطيط الاجتماعي.
4- إدراك هذه القيادات القوي ووعيها لأهمية الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية بدل الدبلوماسية السياسية وحدها، لذلك عزموا على قلب الهرم الدبلوماسي طوعا أو كرها والذي كانت قاعدته السياسة، ورأسه الاقتصاد والتنمية، فكانت السياسة قوية بأن وجهت الاقتصاد الوجهة الظلماء ، فضاع أو أضاعوا قصدا أو خطأ زمنا تاريخيا ودبلوماسيا في دهاليز السياسة العنصرية المشكلة لأقطاب دبلوماسية أحادية الترئيس والفكر الذكوري العقيم.
ومع التتالي الزمني،أصبح هذا الهرم منقلبا تلقائيا أو بفعل فاعل ، والفاعل ليس إلا النظام الليبرالي الرأسمالي المتقوى يوما عن يوم ،الهادف إلى الإنتاج ، وسيلة للربح ، المؤشر الناجح للاقتصاد الناجح ، فأصبح الاقتصاد في السياق الجديد المتجدد ، والمؤسف جدا أن البعض ما يزال محتفظا بمذهبه السياسي العقيم الذي ورثه ممن تولى الوصاية والحجر السياسي عليه، فيما الهالك تعقل ووعى وتطور وأعلن توبته الدبلوماسية أمام الملأ ضيفا علينا في قمة الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي وشهد شاهد من أهلها ، وإن عليكم كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، وإنا لسنا من دعاة مذهب سياسي وفكري ودبلوماسي ، وإن عدتم عدنا ، لما راكمناه -والتاريخ يشهد – من الاقتدار السياسي المفضي إلى ما تبصره بعين الرضا كرها وبعين السخط طوعا، موجها للسياسة لذلك تجد دولا متحالفة لا يجمعها مذهب سياسي قديم ولا حديث ولا مبتدع ، لكن يجمعها مذهب الربح وقد استطاع المذهب الدبلوماسي الاقتصادي تغيير مواقف كبرى لدول عظمى في كثير من القضايا الداخلية والمشترك المصيري لهذه الدول.
لذا ، أمكن القول : إن الدبلوماسية الاقتصادية والدينية –والمملكة المغربية نموذج في الباب- هي الجيل الجديد من الفعل الدبلوماسي الذي يستشرف آفاقا مستقبلية واعدة للدول، لأن الاقتصاد سبيل للتنمية المادية والقضاء على الفوارق المجالية والاجتماعية والطبقية في إطار التوزيع العادل للثروات واستفادة الشعوب منها عن طريق تطوير قدراتها ومكتسباتها العملية في بناء الأوطان ، أما الدبلوماسية الدينية فتنمية للروح المعنوية والقيمية الأخلاقية للإنسان في حب الأوطان والأديان والتشبع بالقيم الكونية والإنسانية المفضية إلى التسامح والاعتدال والانفتاح والوحدة بدل خطاب العنف والتطرف والكراهية والدماء والقتل والتشهي للأفعال الشيطانية ولعلني صادق في القول تأكيدا على ما سبق أن المستقبل هنا يبدأ : الاقتصاد والدين.
5- الالتفاف حول مواجهة الحرب الحمراء –الإرهاب-،العدو الجديد للقيادات والشعوب ، الإرهاب والتطرف ولنا قول مستفيض وسبل ونماذج وتجارب في المغرب لمواجهة هذا العدو الأحمر تلقفتها دول كثيرة على المستوى الإقليمي والجهوي والقاري والدولي ، فانظر ما ذا ترى؟
يمكن القول في الإرهاب أنه الدولة العابرة للقارات وليست له هوية دبلوماسية ولا اقتصادية ولا اجتماعية بل هو نتاج ردة سياسية وشق عصا الطاعة والولاء وشره ووباؤه وبلاؤه في الفهم الخاطئ للدين، أو قد نسميه : الدولة الفكرية القاصفة للعقول الهشة وغير المشبعة بالقيم الحضارية والكونية والإنسانية والدينية بزعامة الخوارج والجماعات المتطرفة ذات التشهي الدمائي والانتقامي، وتجربة المغرب في تصحيح الفهم الديني من خلال ما نهجه من مقاربات واتخذه من مداخل دينية واجتماعية واقتصادية تغنينا عن التتبع لأجرة الديني في تقوية الاجتماعي، لذا أقيم دعوى من أجل ذلك : تقوية ذلك الإدماج الاجتماعي والتثقيف الديني في بعده القيمي أكثر منه عبادتي- وهو منحى الخطاب الديني في كراسي الوعظ والإرشاد والمنابر المسجدية وفتاوى المجلس العلمي الأعلى والخطاب التربوي للتعليم العتيق ومضامين كراسات محو الأمية بالمساجد ، لأن الأركان تحفظ وتنجز على شكل نموذجي تقعيدي بما هي أقنوم يتكرر أينما وليت وجهك وفي أي مذهب من المذاهب الدينية ، لكن بناء الإنسان قيميا يأخذ نفسا طويلا وصبرا جميلا .
6- ظهور مفهوم التكتلات الاقتصادية الإقليمية وبناء شراكات اقتصادية بدل التكتلات السياسية الانكفائية والتي تفضي دوما للنزوعات الطائفية والمذهبية ، وهذه التكتلات أثبتت نجاعتها وقوتها الأدائية في البناء والإعمار وتحقيق المؤشرات التنموية والتنافس على الحصول على المعدلات العالمية من لدن الاقتصادات والتجمعات الكبرى الدولية المعترف بها .
الخلاصة إذن: كثير القول هنا ينطبق على القارة الإفريقية في علاقاتها بما هو إقليمي جهوي ودولي والقاري ، وهي القارة الشابة في التقدم والتطور السياسي والاقتصادي والتحديث والعصرنة ، القارة العذراء بثرواتها وطاقاتها وكفاءاتها.
وقد شهد الشهود والمحللون والإعلام والمتابعون الجهود المثمرة للمغرب بإفريقيا في العهد المحمدي في اسمرار للسياسة المغربية العريقة بالقارة السمراء على جميع الأصعدة ويبرز الدين عاملا قويا لتاريخيته.
ختاما ما مصير هذا الجيل الجديد من الدبلوماسية بما أفضى إليه من نتائج في زمن كورونا وما بعد كورنا؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7626