محمد أكعبور ـ مرشد ديني باشتوكة آيت باها
تقديم:
كان أول ما نشرناه مهتما بالخطاب الديني ببلادنا ، مسايرة لوباء فيروس كورونا ؛ مقالا بعنوان: قوة المؤسسة الدينية لتجويد الخطاب الديني بالمغرب: خطاب الظرفية. ووفاء لخطنا التحريري في الباب كما قد يدرك ذلك أولوا الألباب ، سعينا فيه لإبراز قوة هذا الخطاب في ما استند إليه مما ورد في السنة والكتاب مما حصل به التأثير والتأثر على ما تم تداوله عبر وسائط التواصل وقنوات الأثير بين الملقي والمتلقي، حيث سيحصل بينهم التلاقي خارج المسجد ؛ المكان المألوف الذي يأته الظمآن الملهوف وتحضره الجماعات بالأولوف لسماع ما تضمنته الحروف بعد صدور القول ممن أذن له جهارا وقال صوابا ولا يبتغي بذلك إلا أجرا وثوابا.
وستكون الشاشة في الفضاءين: الأزرق (الفيس بوك) والأخضر(الواتساب) دليلا عن الوصال -العمل- الديني من غيرالانقطاع والفصال لبثت على الوجوه البشاشة.
وللاقتراب من الموضوع أكثر؛ نسائل المقال عما يوجد بينه وبين التمثيل من اتصال ؛ فإلى عرض المزيد من المثال.
أولا: الأشكال
مع بداية فرض الحظر وحالة الطوارئ الصحية وقد بدت بوادرها قبل تفعيلها ، تهافت الناس على التبضع من الأسواق والمحلات التجارية الكبرى ومن الحوانيت والبقالات في المدن والحواضر والقرى لاقتناء المستلزمات الغذائية والصحية من مواد منظفات، تلبية للحاجيات الضرورية اليومية مع ما أعقب ذلك من طمأنة الجميع على السير الطبيعي للحياة الاقتصادية وتموين الأسواق ونقط البيع القريبة من الساكنة، اطمأنت النفوس والتزم الجميع الحظر ؛ ونفذ الحجر لكنها-النفوس- انشغلت بالجوانب المعنوية والعاطفية والدينية والروحية ، وكان البحث عن الملجأ الديني وتعاليم الشرع الكريم ،فشرعوا من جديد يبحثون؛ لكن عن المستلزمات الدينية هذه المرة ؛ خصوصا بعد صدور فتوى الإغلاق المؤقت للمساجد. وللمغاربة ارتباط وثيق بها وبقيميها ؛ أولئك الأئمة والخطباء والوعاظ والمرشدون الذين هم على طريق الفقهاء والعلماء وهم أوفياء للأمراء. هذه المساجد؛ لهم المجمع والمنفع ، حينها سعى الجهاز الديني المغربي المنضوي تحت المؤسسة العلمية العليا التي يرأسها أمير المؤمنين ، فانبرى هذا الجهاز الديني -العلماء العالمون العاملون-بكل أطره وقادتة فارتفع صبيب التدخلات الدينية لتتخذ أشكالا لتزيل بها عن الناس إشكالا.
رسمت الخطة لمواكبة هذه المحطة كالتالي:
1- الكلمات الموجهات -بتشديد الجيم وكسرها؛وهي موجهات ، من طرف رؤساء المؤسسات العلمية المحلية لرسم خطة العمل من أجل بعث وتجديد الأمل، تنوعت في الشكل واتحدت في الرؤية.
والموضوع:
أ-الشكل: مقالات منشورات على حساب المؤسسة العلمية المحلية على صفحاتها اليسبوكية، وإليكم مقطعا نموذجيا من هذه الكلمات، وهو لرئيس المجلس العلمي المحلي لاشتوكة آيت باها فضيلة الدكتور الحسن رغيبي؛ مما جاء فيها:(نحن اليوم في أمس الحاجة لتوعية الناس بكيفية التعامل مع الجوائح والأوبئة فقها وصحيا وإجرائيا….أيها الأحبة عليكم بالصبر والاحتساب عند الله عزوجل والمساهمة في هذا الجهد الوطني من خلال الالتزام بالحجر الصحي ولقد كان سلفنا يعتبرون الصبر جلبابا يرتادونه عند نزول البلايا وستارا عند حلول المصائب، فالفرج قريب بإذن الله، فيشفى المريض ويعود الحال الى وضعه وتنقشع الغموم وتزول الهموم ويجعل الله عزوجل هذا الوباء بردا وسلاما علينا، فإن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب فلا نظن بربنا إلا خيرا وليحفظ الله هذا البلد ويحفظ أمير المؤمنين إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. ومشاركة من المجلس العلمي المحلي في توعية المواطنين بضرورة التقيد بالحجر الصحي في هذه الظروف سينشر مجموعة من الدروس تؤصل لذلك من خلال ديننا. على موقعه في الفايسبوك).
كما نجد كذلك على بعض مواقع هذه المنصات العلمية المحلية ، فيديوهات ذات المغزى والمعنى مع اختلاف في المبنى.
ب- الرؤية والهدف: النظرة الدينية والعلمية للحجر الصحي والعمل على ما ينبغي تجنبا للقول : كل وما يبغي.
ج- الموضوع: الارتباط بالتعاليم الدينية لتنفيذ القيم الأخلاقية والاجتماعية التي عرفت بها بلادنا قبل كرونا بشهور وسنوات بل بقرون ،وهي تعاليم وقيم تجد سندا لها في متن الضوابط المنهجية الواردة في (دليل الإمام والخطيب والواعظ) ؛وهي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الجنيد وإمارة المؤمنين الراعية لهذه الضوابط المنهجية والتي يصدر عنها المتدخل الديني الرسمي منه والمدني بالمغرب.
وبعد هذه الكلمات الموجهات والموجهات شرع الجميع في ربوع الوطن على بركة الله لنتفيذ ما ورد فيها-الكلمات- من التوجيهات فصدرت:
1- المواعظ الموضوعاتية التي ركزت على : التحلي بالقيم المثلى مما تضمنته النصوص الفضلى، والتخلي عن القيم المضادة.
ومجمل هذه المواعظ في فقه الأخلاق للحاجة الملحة إليه ، على أن القادم من المواعظ سيضيف فقه العبادات وخصوصا فقه رمضان والمناسبة شرط.
2-المحاضرات الموضوعاتية المواكبة للحدث بسبب ما حدث.
3-قراءات قرءانية فردية على الطريقة المغربية مختارة بعناية لجودة نطق العبارة تطرب الآذان وتذكر السامع بما جاء به من أقر رفع الأذان ، تسمع غير العاملين، بسبب الحجر الصي، كتاب رب العالمين:إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا.
4-رفع أدعية لحفظ العباد في جميع الجهات ونصرة سلطان البلاد.
وكان المضمون المشترك لهذه التدخلات الدينية ؛ما به البلاء يرفع والوباء يدفع. وقد عرضنا لهذا -الوعظ والإرشاد-بما يلزم من التفصيل في مقال سابق بعنوان:درس الوعظ والإرشاد :من الوعظ المتجول إلى الوعظ المتحول .يمكنكم الرجوع إليه.
ثانيا ؛الاستمداد:
لكل خطاب مرجعية ومدرسة، وتأتي مرجعية الخطاب الديني في المقدمة ، فالخطاب الديني يستند إلى الوحي والأثر؛ فيما يتم الاستشهاد به من النصوص ،كما تم استحضار واستدعاء السيرة عموما والنبوية خصوصا ، ويدعم هذه المرجعية العرف والعمل…نعم العمل المغربي ؛الديني منه والثقافي والاجتماعي والحضاري؛ ذلك أننا راكمنا قديما وعيا جماعيا -هو الآن قيد التوظيف-في العمل الجماعي والالتفاف حول الوطن للدفاع عنه وحمايته تحت قيادتة الرشدية على الدوام وكنا وما نزال وسنبقى أمة لا تقهر شعارنا مضامين سورة الضحى.
ثالثا: الوظائف
للخطاب وظائف وآثار على الساميعين والمشاهدين ؛ ويقوى هذا الأثر إيجابا حين يصدر حاملا مضامينا دينية عقلية وعاطفية ؛ الترغيب والترهيب فحينها تحصل الاسجابة الفورية خضوعا لمضامينه وخنوعا لمواثيقه وعلى لسان القرءان الكريم ؛ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول…..لقد دعا إلى الله الناس ؛ ودعا الله طلبا للرفع والدفع؛ العالم والفقيه والإمام والواعظ والمرشد والمرشدة .
رابعا: الخصائص
إن مما تختص به الأشياء ؛ ما يميزها عن غيرها والخطاب الديني كثر المدخلون فيه وكثرت قنوات بثه ولكنا في المغرب لنا خطاب ديني له الفرائد ينشر في الناس لبث الفوائد فما الذي يميزه عن غيره من الخطابات الدينية المتدوالة على مواقع المناولة؟
إليكم جردا لبعض هذه الخصائص:
1-حفظ الخصوصية الدينية والتدينية والقيمية والثقافية للمغاربة، وهي المرجع الأم لهذه الخصائص.
2-خطاب يعتبر أمر كورونا من الابتلاءات التي يبتلى بها العباد في أي البلاد.
3-خطاب يهدئ من روع المواطنات والمواطنين وذلك بربطهم القوي بعقيدتهم الإيمانية.
4-خطاب يأمر بالأخذ بالأسباب.
5-خطاب ملتزم بقضايا الدين والوطن وليس زمن كورونا فحسب .
6-خطاب يندرج بكون التبليغ من امانات الدين وعلى عاتق العلماء .
7-خطاب تربوي سلوكي ، يعم نفعه جميع فئات الشعب حتى التلاميذ والأطفال.
خلاصة:
الحق أن تصريف الخطاب الديني بالمغرب موضوع ثيب يحتاج لإنجاز أطاريح ورسائل لما يفعم به من الرسائل ، واليوم دخل مرحلة أخرى وهي مكسب فريد وجديد ؛ الخطاب الديني الإليكتروني فأثبت تفوقه في زمن قصير جدا .
لقد سعينا من خلال هذا العمل: التتبع والرصد؛ إلى إبراز جوانب من هذا الخطاب الظرفي المواكب لزمن الجائحة والذي برزت إليه الحاجة ، فجاء تصريحا وليس تلميحا وهو حاضر بقوة في المجالس الرسمية منها والمدنية وحتى العسكرية ودخل إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية حتى دخل إلى السجون والحديث في الباب ذو شجون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7969