محمد رحا*
1. مرحلة الإستضعاف
كانت النقاشات التي بدأها الجهاديون الجدد عند دخولهم السجن (كما أشرت سابقا) تهدف بالخصوص إلى التنقيب عن منهج الجهاديين المتواجدين قبلهم في السجن، وذلك للحكم عليهم إما بالتوحيد الخالص أو الكفر الصراح، وليرتبوا بعد ذلك أعمال معينة يدخلونها في الولاء والبراء بناء على هذا التصنيف.
وبعد الفحص “الدقيق” خلصوا أن غالبية السجناء الجهاديين “كفار” وقلة منهم فقط من “الموحدين”، لكنهم لم يجرؤوا التصريح بهذا الحكم ولا إظهاره علانية لعلمهم أنهم أقلية فيما بيننا، لذلك اعتمدوا في هذه المرحلة على التقية والدعوة السرية.
وأوضح مثال يحكي هذه المرحلة بدقة هو الأسلوب الذي تصرفوا به مع صلاة الجماعة التي كانت تقام جماعة أنحاء السجن، لهذا تعمدت هنا ضرب المثل بها.
كتبت سابقا في بداية هذا الفصل أن اليوم الذي دخلت فيه السجن لم يكن يوجد أي خلاف بين عموم الجهاديين حول صلاة الجماعة ولا خلاف حول الإمام الراتب (في جميع أنحاء السجن) إلا الخلاف مع التكفيريين الذين بقوا حينها متكتمين عن منهجهم ومنعزلين في زنازنهم.
لكن الذي حصل في الأول أن هؤلاء الجهاديين الجدد لما دخلوا السجن وفتحوا تلك النقاشات اندمجوا في الظاهر بعموم الجهاديين، وصلّوا معنا جماعة على أنهم جزء منا، وفي نفس الوقت كانوا يتبينون من عقيدة المعتقلين الجهاديين والأئمة ليعرفوا خلف من يصلون ومع من يتعاملون.
إلى أن أدركوا أن كل الأئمة يخالفونهم في الدعوة النجدية ويعذرون بالجهل ووجدوهم من أكثر المتصدين لغلوهم.. مما يعني بمنظورهم أنهم من أئمة الكفر والضلال، لكن مع ذلك بقوا يصلّون وراء الأئمة “الكفار” تقية ونفاقا، لكي لا ينفضح أمرهم بين عموم السجناء، لأنهم علمو أنهم لو فعلوا سيضطرون للإنعزال والتهميش تماما كالتكفيريين الذين كانوا معنا، وهذا كان من شأنه أن يمنعهم من نشر أفكارهم بين أوساط الجهاديين.
ولتقريب الصورة أكثر سأقص عليكم هنا تجربة شخصية حصلت لي معهم في هذا السجن:
كنت أصلي بالسجناء في إحدى أحياء هذا السجن، (نسميه هنا حي 1) فعندما أدخلت هذه المجموعة الجهادية الجديدية الفريدة السجن وزّع أفرادها على كل أحياء السجن من بينها حي1. ففي البداية اندمجوا معنا ودخلوا تجمعاتنا على أنهم جزء منا، ثم لما فتحوا تلك النقاشات وعلموا أني أخالفهم في غلوهم ومن الذين يعذرون بالجهل كفروني، إلا أن هذا التكفير بقي حينها سرا فيما بينهم لعدم قدرتهم آنذاك على إعلان ذلك في وجهي، وإنما تداولوا هذا الحكم فقط فيما بينهم. ولإخفاء معتقدهم استمروا بالصلاة تقية خلفي.
ولازلت أذكر أن أول علامة كشفت لي حقيقة معتقدهم هو عندما نبهني صديق أن كبيرهم “الحطاب” زعيم هذه المجموعة، كان يصلي خلفي قبل مرحلة النقاشات، ثم بمجرد أن علم بمذهبي بعد أن ناقشنا أحدهم لاحظناه يفر إلى زنزانته قبيل إقامة صلاة العصر (صلاة العصر هي الصلاة الوحيدة تقريبا التي كانت تقام في الفسحة جماعة يوميا، ولصغر حجم الفسحة فإنه لا يمكن لأحد الإختباء عن الصلاة إلا في زنزانته)، فكان هذا الحطاب يحاول التمثيل على المصلين كما لو أن سبب دخوله إلى زنزانته هو لشغل عليه قضاؤه، فيغيب عن صلاة الجماعة ويختبئ في زنزانته خوفا من أن ينكشف أمره أمام الجميع على أنه مثل التكفيريين المعروفين الذين يرفضون الصلاة معنا. (مع تيقني التام أنه ممن يتبنون وجوب صلاة الجماعة).
ومع استمرار إنسحابه كل يوم من الفسحة قبيل إقامة الصلاة تيقنت أن مانعه من الصلاة معنا هو لإعتقاده بكفرنا وليس لمانع آخر كما كان يدعي {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون}
أما بقية أتباعه في هذا الحي فرغم توصلهم إلى قناعة بأني من أهل “الكفر” لم يستطيعوا الإختباء عن صلاة الجماعة والهروب من الفسحة هكذا في وضح النهار لذلك استمروا يصلون خلفي بنية الإنفراد أوكانوا يعيدونها خفية على أنها من صلاة النوافل. (وهذا حدث كذلك مع أئمة آخرين في الأحياء الأخرى من السجن، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا)
2. مرحلة التوازن والشعور بالقوة
التكفيريون كانوا فقط 5 من مجموع السجناء فكيف أضحوا نصف نسبة السجناء أو غالبيتهم؟
وللإجابة عل هذا السؤال أقسم الجواب إلى قسمين: – أسباب داخلية – وأسباب خارجية.
أ. أولا كانت هناك أسباب داخلية لدى الجهاديين “المعتدلين”، والتي بدورها ساعدت الجهاديين الجدد والتكفيريين وساهمت في زيادة نفوذهم داخل السجن.
ومن بين هذه الأسباب الداخلية:
1. فقدانهم إلى منهج واضح منضبط
أغلب الجهاديين المعتدلين بسطاء لا يهتمون بطلب العلم ولا القراءة، وقد دخل معظمهم التيار الجهادي عبر شريط أو درس من شيخ أو دعوة من صديق، بينما المتأخرين منهم في الغالب دخلوا عبر الإنترنت بدون أن يمروا بمراحل التربية والدراسة المنهجية المتدرجة. فتجد أن لكل نهجه الخاص والكل شيخ نفسه، ومعظم هؤلاء كانت لهم قابلية كبيرة لاتباع منهج الغلاة.
2. إختلافهم حول تصنيف الجهاديين الجدد والموقف الواجب اتخاذه تجاههم.
انقسم “الجهاديون المعتدلون” فيما بينهم حول الحكم على الجهاديين الجدد، فمنهم من كان يعتبرهم إخوة المنهج وهم الأغلبية، وهؤلاء كانوا يدعون إلى التوحد معهم بدعوى أن الخلاف معهم خلاف معتبر وأنه يوجد من مشايخ وقادة “الجهاد” من يقول بقولهم – يقصدون المقدسي والزرقاوي- وهؤلاء كانوا يجهلون أن الجهاديين الجدد يتعاملون معهم بالتقية والنفاقية ولا يدرون أنهم في الحقيقة يعتقدون بكفرهم أو على أقل تقدير يعتبرونهم مبتدعة ضلال، (وهذا نفس الخلاف الذي حصل فيما بعد بين السلفية الجهادية حول الحكم على داعش بداية الأحداث، ولازال المقدسي إلى اليوم يستحيي أن يقول عن داعش خوارج. وكيف له أن يفعل وهو من علمهم التوحيد)، والقسم الآخر من “الجهاديين المعتدلين” اعتبروهم غلاة ودعو إلى هجرهم ومفاصلتهم.
فالواضح هنا أن صفوف الجهاديين في هذا السجن وصفوف عموم الجهاديين في العالم كانت مهيئة لغزو الغلاة، فلا عجب أن الكثير من فروع القاعدة انقسمت واتبعت داعش…
ـــــــــ
*محمد رحا، جهادي سابق، ومواطن بلجيكي من أصل مغربي، قضى في السجن عشر سنوات بتهمة تزعم “جماعة التوحيد والجهاد قي المغرب”
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10413
