ماهر فرغلي
يجيز فقه الحركة استخدام ما لا يجوز من باب الضرورة، ويعطي شكلانية للإخواني مختلفة كثيراً عن أصولية التيارات السلفية الأخرى.
على المستوى الفردي سنجد الإخواني مختلف في اللباس والزينة والشكل، حيث لا يحافظ على السلفنة كاللحية، أو الجلباب القصير، والعمامة.. ألخ ألخ.
من ناحية أخرى في مستوى السلوك فإنه سيقوم بأية وسيلة للتخفي وعدم كشف انتمائه للجماعة حتى لو ارتكب الكذب واختلاق المعاذير.
في الدعوة الفردية يجيز فقه الحركة استخدام تفسيرات خاصة للتراث الديني، كما الاقتباس، وتركيب ما لا يجوز على ما يجوز، فضلاً عن التضخيم وتصنيع رموز للقداسة الجماعاتية، مهما خالف ذلك الواقع.
على المستوى الجماعي تكون الحركية والتخفي في أعلى مستوياتها بسياسة التجميع، التي تعني (ميوعة) الجماعة، وجمعها لكل الأفكار والاستراتيجيات في بوتقة واحدة، فلا هي صوفية أو سلفية سنية، أو شيعية، أو جهادية، بل هي الكل معاً، وهو ما عبر عنه المؤسس البنا في مجموع الرسائل ص١١٠بقوله: “نحن دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية”، وهنا يبدو الإخوان كحركة لها علاقة بأشكال التسلف أو التشيع أو التصوف، أي أن لها منحنى سلبي يتمثل في اختراق الجماعة للكل معاً، أو استخدام المفاهيم كلها معاً، ليصعّب ذلك المهمة على من يريدون كشف التنظيم.
ويبدو في رأس الاستراتيجية القيادة المعلنة والأخرى الخفية، أو ما يطلق عليه (التنظيم الموازي)، فالمعلن هو المحرقة، التي تكون في المواجهة الدائمة، والخفي هو الأصلي والمكون الحقيقي للحركة.
في التاريخ الإخواني سنجد مرشداً خفياً وآخر علنياً، فعقب وفاة البنا وتحديداً في عهد الهضيبي ومن بعده التلمساني كان من وراء الستار المرشدان الخفيان (حسين كمال الدين – حلمي عبدالمجيد)، كما في الاستراتيجية الإخوانية، التنظيم العلني والخاص السري، والجناح السياسي الدعوي، والآخر الاقتصادي، والعسكري.
يخترق الجناح السياسي المؤسسات بشكل قانوني وشرعي، وعن طريق التخفي وراء شعارات الحرية والدمقرطة يخلق جمعيات وأحزاب تنظيمية للتنفّذ في مواقع القرار ومفاصل الدول.
تختلط هنا التفسيرات الدينية والسياسية، ويعمل الإخوان مع مستقلين، وأحزاب ليبرالية علمانية، ويستقطبون قوى سياسية أخرى تحت عنوان (مصلحة الدعوة).
وبينما يرفعون شعار الوطنية أمام الساسة يستخدمون الأستاذية العالمية أمام أفراد التنظيم، وحين يبدون مسالمين لأقصى درجة مع الأنظمة القادرة، يستخدمون التكفير والإقصاء مع الأحزاب والجماعات والأنظمة السياسية الأخرى.
وفي كل الأحوال تصبح النصوص الشرعية وسيلة للتخفي بدءاً من الانتقاء إلى التأويل والتفسير الممنهج، ومتطلبات ذلك من الكتب والفتاوى التي يقرها التنظيم.
سيبيح التخفي الاقتصادي التمويلي إقامة مشاريع تجارية تشاركية مع علمانيين، واستدراج التجّار والأثرياء لضمهم إلى التنظيم.
ويدفع التخفي لاختلاف الخطاب الدعائي الإعلامي للجماعة، فهو للغرب غير الشرق، وهو للداخل غير الخارج، وبينما هو للصف ثائراً مجاهداً فهو للأنظمة مسالماً، وللشعوب يبحث عن الخبز والعيش والحرية.
وفي الناحية العسكرية الخاصة، فلا يمنع التخفي من صناعة مجموعات تنظيمية مسلحة بأسماء أخرى غير الإخوان، واستغلال المناشط الدعوية في الدفع لصناعة مجموعات مغايرة للجماعة، لكنها المحرقة التي تشغل الأنظمة في معارك جانبية عن التنظيم الإخواني، الذي يتحرك في نواحٍ أخرى يستغل فيها العمل الظاهر كالمؤتمرات والرحلات والمخيمات، لاحتلال هوامش المجتمعات، ثم تضييق الدائرة تماماً على المركز لإسقاطه تماماً في قبضة الجماعة.
كما يكون التخفي متناهياً في نقد التنظيمات المسلحة الإرهابية في الوقت من وراء ستار يتم دعمها عن طريق إخوانيين منشقين، يعلن التنظيم براءته منهم، وكان ذلك حاضراً في حالة عبدالله عزام، أو تنظيم الفنية العسكرية، أو في المنظمات المسلحة كحركة حسم، والتقسيم (العنقودي) الذي يتم من خلال مشرفيها الإخوان، في وقت تنكر الجماعة صلتها الدائمة بها.
وتستخدم الجماعة دعاة مستقلين وكتاب ومفكرين، وتدعم بناء مدارس ومنابر إعلامية، وبرامج بالشبكة العنكبوتية، ومؤسسات خيرية، وكلها أذرع خلفية يتخفى أعضاء الجماعة وراءها.
في النهاية تصبح النسخة الفردية والجماعية من الإخوان مختلة وممجوجة ودون هوية واضحة ومنقلبة على ذاتها، تتحور وتتكور للوصول إلى هدفها بأية وسيلة جائزة أو دون ذلك، لأنه في الخلفية حركية التخفي قائمة وحاضرة طوال الوقت.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13341