التحديات الأمنية وسياسة اللجوء في ألمانيا بعد هجوم سولينجن: بين تعزيز الأمن وحماية التعددية الثقافية

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة26 أغسطس 2024آخر تحديث : الإثنين 26 أغسطس 2024 - 8:51 صباحًا
التحديات الأمنية وسياسة اللجوء في ألمانيا بعد هجوم سولينجن: بين تعزيز الأمن وحماية التعددية الثقافية

محمد عسيلة*
في الأيام الأخيرة، شهدت ألمانيا تصاعداً في الجدل حول قضايا الأمن الداخلي، وذلك على خلفية الهجوم الدموي الذي وقع في مدينة سولينجن. الهجوم، الذي نفذه شاب سوري يبلغ من العمر 26 عامًا، أثار مخاوف واسعة بين المواطنين وأدى إلى نقاشات حادة بين الأطراف السياسية حول سبل التعامل مع مثل هذه التهديدات.

فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، وجه انتقادات شديدة للمستشار الألماني أولاف شولتس، متهماً إياه بعدم اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة ظاهرة العنف بالسكاكين التي شهدت تزايداً في البلاد. وأكد ميرتس أن المشكلة لا تكمن في السكاكين بحد ذاتها، بل في الأفراد الذين يستخدمونها، مشيراً إلى أن معظم مرتكبي هذه الجرائم من اللاجئين، “وأن العديد من هذه الحوادث تحمل طابعًا إسلاميًا متطرفًا”. استنادًا إلى ذلك، دعا ميرتس إلى فرض حظر مؤقت على قبول اللاجئين من سوريا وأفغانستان.

في المقابل، أبدى الحزب الديمقراطي الحر (FDP) استعداده لدعم تشديد قوانين الأسلحة في البلاد، رغم تحفظاته السابقة على خطط وزيرة الداخلية نانسي فيزر لتوسيع نطاق حظر حمل السكاكين. جاء هذا التغير في الموقف كرد فعل على الهجوم الأخير، الذي هزّ المجتمع الألماني وأثار قلقاً واسعاً حول فعالية الإجراءات الأمنية الحالية.

وقع الهجوم خلال “مهرجان التنوع الثقافي” الذي أقيم بمناسبة الذكرى الـ650 لتأسيس مدينة سولينجن، وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة عدد آخر بجروح متفاوتة. الجاني، الذي سلم نفسه للشرطة بعد 24 ساعة من الحادث، اعترف بتنفيذ الجريمة. وقد سافر عدد من المسؤولين البارزين في ألمانيا إلى سولينجن للتعبير عن تضامنهم مع المدينة وسكانها، في محاولة لتهدئة الأوضاع وطمأنة المواطنين.

ولقد تحول الهجوم المأساوي في سولينجن من حادثة محلية إلى قضية وطنية ودولية، أثارت تساؤلات حول سياسة استقبال اللاجئين ومدى فعالية التدابير الأمنية في ألمانيا. وبينما يستمر الجدل حول هذه القضايا، يبقى السؤال الرئيسي حول كيفية تحقيق التوازن بين الأمن الداخلي وحماية حقوق الإنسان في مجتمع متعدد الثقافات مثل ألمانيا التي لها تاريخ عريق في استقبال المهاجرين واللاجئين والأجانب وحفظ حقوقهم بناء على الدستور الالماني وفي ظل وجود جاليات مسلمة مسالمة ساعدت في بناء الاقتصاد وتشكيل الثقافة والانسجام الاجتماعي والعمران الالماني مثل مغاربة العالم الذين يشكلون جالية عريقة نيف وجودها على أزيد من نصف قرن، بنوا المساجد وربوا أجيالا هي كفاءات ومنارات في ألمانيا.

لم يؤثر الهجوم الدموي في سولينجن فقط على الساحة السياسية الألمانية، بل ألقى بظلاله على حياة المسلمين في ألمانيا، حيث يعزز هذا الحادث مناخ الخوف والقلق داخل الجالية المسلمة، ويزيد من التوترات الاجتماعية. المسلمون في ألمانيا قد يواجهون تداعيات سلبية، تتمثل في زيادة التمييز ضدهم، وربما تزايد الهجمات العنصرية والاعتداءات اللفظية والجسدية. هذا الوضع يغذي خطاب الكراهية الذي يعززه اليمين المتطرف، مما يزيد من حدة الاستقطاب داخل المجتمع الألماني.

في الجانب الآخر، يمثل هذا الحادث فرصة سانحة للأحزاب اليمينية المتطرفة لتعزيز خطابها السياسي الذي يربط بين الهجرة والأمن، مستخدمةً الهجوم كذريعة لدفع أجندات معادية للمهاجرين والمسلمين. قد يؤدي ذلك إلى زيادة الدعم الشعبي لهذه الأحزاب في الانتخابات المقبلة، مما يهدد بتفاقم الوضع الاجتماعي وتعميق الانقسامات داخل المجتمع.

في المقابل، قد يدفع هذا الوضع الحكومة الألمانية والمجتمع المدني اليهودي والمسيحي والمسلم واللاديني إلى تكثيف جهودهم لتعزيز التفاهم بين الثقافات ومحاربة التطرف والكراهية. وهذا نراه مطلب مؤكد على الجميع القيام به، فهو فرض عين وليس فرض كفاية.

ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر لدى السلطات الألمانية في كيفية تحقيق التوازن بين تعزيز الأمن الداخلي دون المساس بحقوق الأقليات، والتأكيد على أن الجرائم الفردية لا تعكس طبيعة جماعة بأكملها.

في ظل هذه الأحداث المؤلمة، أصبح من الواضح أن المجتمع الألماني بأسره يواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على تماسكه ووحدته. وعليه، يجد المسلمون في ألمانيا أنفسهم في موقف يتطلب منهم دورًا محوريًا في تهدئة الأوضاع، ليس فقط من خلال إدانة العنف بجميع أشكاله، بل أيضًا عبر مد جسور التواصل والتفاهم مع جميع فئات المجتمع. وهذا دور علينا كمسلمي هذا البلد القيام به بجرأة وشجاعة وهدوء لمواجهة تحديات العنف والأفكار النمطية والاحكام الجاهزة التي تغذي وتقوي اليمين المتطرف وتسلط سهامها على المسلمين والإسلام.

وفي هذا السياق تتحمل المساجد، بوصفها مراكز روحية واجتماعية، مسؤولية كبيرة حيث ينبغي أن تخرج بخطابها وأعمالها ومقاربتها مستهدفة رجل الشارع الالماني والمؤسسات والأحزاب السياسية و ان تكون منابر للحوار المفتوح، تجمع المسلمين وغير المسلمين لتبادل الأفكار والمشاعر، والمشاركة في بناء مجتمع متماسك يتجاوز الفروقات الدينية والثقافية ولا يتأثر بمثل هذه الاحداث الإجرامية والإرهابية التي يقوم بها المتطرفون المتهورون الذين استقبلتهم ألمانيا وأطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف. في الوقت ذاته، على الفاعلين المدنيين المسلمين ان يظهروا كقادة رأي للسلم والسلام والمحبة والبناء،قادرين على توجيه الجهود نحو الطمأنينة والسلام والمساهمة في حماية المجتمع من الانقسامات.

نحن الان مدعوون ليس من باب رد الفعل اثناء هذه الاحداث المأساوية او بعدها، بل بشكل مستدام، للتعاون مع السلطات المحلية وتعزيز حملات التوعية التي ترفض التطرف والقيام بأنشطة تؤكد على القيم المشتركة للعيش المشترك. ولنا في ديننا الحنيف وثوابته وما يحفظه لنا الدستور الالماني من حقوق وواجبات ما يساعدنا على ذلك.

في هذا الوقت العصيب، تكمن القوة الحقيقية في قدرة الجميع بغض النظر على المرجعيات الدينية او الثقافية او الاثنية على العمل معًا لترسيخ أواصر المحبة والتفاهم، وبناء مجتمع يسوده السلام والتسامح.
ــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.