محمد علي لعموري
يقال إن السياسة ميدان الصراع على المصالح وخلق التحالفات وتدبير الشأن الداخلي والخارجي بكيفية براغماتية ، أي بطريقة نفعية وعقلانية تضع في حساباتها المصالح التي يجنيها هذا الطرف من تلك العملية التي يخوضها بحسابات دقيقة تروم عدم الزج بالرصيد المادي والمعنوي في تحالفات خاطئة أو متحيزة ، أو الإنتصار لطرف على حساب طرف آخر ثم بعد غد يتصالح الطرفان وتصبح في وضع الخاسر لكليهما..الخ
الدولة المغربية ومنذ زمن بعيد كانت تتصرف وفق ثوابت لها تقوم على الإعتدال والحياد وتوخي حماية مصالحها أولا ومصالح جيرانها ثانيا ، ونصرة القضايا العادلة في الجوار العربي والإسلامي رابعا ، والإنخراط في كل من شأنه الإسهام في السلم والأمن الدوليين خامسا..
كثر اللغط منذ مدة عن موقف المغرب الرسمي من فتح قنوات التواصل والإتصال بين دول عربية شقيقة وبين دولة إسرائيل ، وتعاطفت الشعوب العربية دوما مع القضية الفلسطينية وما زالت تتعاطف اليوم على منصات التواصل الإجتماعي حد التطرف والمبالغة وتخوين كل محاولة لطي حقبة القومية العربية التي لم تحصد من حروبها مع إسرائيل سوى الدمار والتأخر والهزيمة التي مني بها العرب عام 1967.
كانت مرحلة الزهو بالوحدة العربية ؛ التي لم تكتمل يوما وكانت في حينها مجزأة ؛ تتطلب رفع شعارات العداء ودق طبول الحرب ، ودغدغة مشاعر الشعوب العربية والمسلمة ، والإتجار من طرف جهات في المشرق العربي بالقضية الأولى عربيا وهي فلسطين السليبة…
وبعد الهزيمة عرف العرب حجمهم الذي أخفته الحماسة والإندفاع وعدم تقدير قوة العدو.
وبعد رحيل الرئيس القومجي جمال عبد الناصر ستكون أول خطوة للرئيس المصري محمد أنور السادات هي الدخول في آخر الحروب مع إسرائيل سنة 1973 لاسترداد صحراء سيناء ثم التطبيع والمصالحة الدائمة المؤطرة باتفاقية كامب ديفيد التي ستجعل من مصر طيلة فترة حكم محمد حسني مبارك المخلوع عام 2011 ، دركي المنطقة وحامي الحدود مع إسرائيل من الجهة الغربية مع قطاع غزة..
فبعد زيارة أنور السادات لتل أبيب ، ستنتهي الحرب مع إسرائيل وستتم معاقبة مصر في قمة العراق بتحويل جامعة الدول العربية من مصر إلى تونس قبل أن تعود إليها من جديد فيما بعد.
سردت هذه الأحداث التاريخية لأدلل لمن تغيب عن باله حقائق التاريخ المعاصر ، وذلك لموضعة سياق التطور في القضية الفلسطينية من النكبة إلى الهزيمة ، ومن الهزيمة إلى اتفاقية السلام المصرية/الإسرئيلية التي سيؤدي ثمنها من حياته الرئيس الأسبق السادات.
ومن إتفاقية أوسلو إلى اليوم مرت مياه دولية وإقليمية كثيرة تحت الجسر العربي ، وما حدث إبان “الربيع العربي” – وإن كنت أتحفظ على هذا المصطلح المتراخي – بالمنطقة العربية ، يدل على بداية صناعة عالم جديد وتحالفات برؤى واقعية مبنية على المصالح وليس على الإيديولوجيات المضللة التي توجج الصراعات المذهبية والطائفية والتي كان من تجلياتها قيام كيان وهمي سمي ب” الدولة الإسلامية بالعراق والشام” -داعش- والتي خلفت مآسي وحطمت الحدود وأبادت شعوبا ونشرت الرعب باسم الإسلام…
لقد أبان الإسلاميون عن قصور في الفكر الواقعي ولم يستوعبوا وهم يحكمون في بعض البلاد العربية أن مصالح الأوطان تسمو على مصالح الإنتماء إلى “الجماعة” ، وبذلك ارتكبوا أخطاء عملية جلبت عليهم لعنة الخارج والداخل وانفضحت أساليبهم في استمالة عواطف المؤمنين التي كانت تستعمل لكسب الصوت الإنتخابي ليس إلا ، مع محاولاتهم للزحف نحو تحقيق الحلم الطوباوي الذي يبني المستقبل على نموذج الماضي فما استقام لهم الحال إلا بتدمير الحاضر ليكون شاهدا على إسقاط فكرويتهم الماضوية عليه…
المغرب ومنذ عام 2011 وهو يتلمس طريق الإنخراط في عالم ما بعد أحداث الربيع العربي بواقعية وبراغماتية لا تخلو من حس نابض ينتصر للقضايا العادلة باعتباره بعيدا عن أي مصلحة يكتسبها من الإتجار في القضية الفلسطينية ، بل إن ترأس الملك للجنة القدس هو مكسب للقضية باعتبار الحياد الذي ما فتىء يتعامل به مع جميع الأطراف منذ الوساطات التي كان يلعبها الملك الراحل الحسن الثاني ، لكنه يبقى حيادا لا يبخس للفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم المستقلة جنب إسرائيل ، بل إن الملك الحسن الثاني كان سباقا إلى الدعوة في الدخول في المفاوضات السلمية مع إسرائيل في وقت كان لا يعلو فيه إلا صوت المعركة…
إن التغيرات الجيوسياسية ، والمنطق البراغماتي الذي بدأت بعض دول الخليج الداعمة لفلسطين بالمال وبالسياسة تتعامل به مع الوضع في المنطقة من أجل البحث عن نهاية للتوتر الحاصل منذ عقود ، جعل المملكة العربية السعودية تلتفت لإصلاحاتها الداخلية التي فاجأت العالم قبل أن تعبر عن رغبتها في التطبيع مع إسرائيل قبل أن تسبقها إليها دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن دون الحديث عن مصر التي كانت لديها قنوات التطبيع مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى اليوم.
إن جهود المملكة المغربية في كسب رهان حل النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية ، والإختراق الدبلوماسي الذي توج بعودة المغرب إلى حضنه الإفريقي ، وسحب العديد من الدول الإفريقية لاعترافها بالكيان الوهمي ، وفتح عدد من الدول قنصلياتها بعدد من المدن الصحراوية مثل الأردن والإمارات.. وآخرها الولايات المتحدة المتحدة في عهد الرئيس ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض ، واعتراف أقوى دولة في العالم بمغربية الصحراء ، لهو إنجاز براغماتي لعبه المغرب بذكاء ونفعية تروم تضييق الخناق على كل من يحاول الإتجار بالقضية الوهمية في المحافل الدولية ، والحال أن مخيمات العار لتئن من هول الإحتجاز والتدجين الإعلامي والتجويع والتعتيم الذي يمارس على ساكنة مخيمات تندوف.
على الجارة الجزائر أن تراجع حساباتها وأن تقطع مع عقيدة تعتاش عليها منذ عقود تعود لفترة الحرب الباردة ، وأن تدرك ما يعتمل في الساحة الدولية والإقليمية من تحولات، وأن تمد يدها المفتوحة من جارتها المملكة المغربية ، وألا تضيع الفرص المتاحة لبناء مغرب عربي مندمج في محيطه الإقليمي والدولي بتصور عقلاني براغماتي يستجيب لمتطلبات شعوب المنطقة العربية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=12540