الإسلام السياسي في خدمة إسرائيل: قراءة في الأدوار والتأثيرات

دينبريس
تقارير
دينبريس30 ديسمبر 2024آخر تحديث : الأحد 29 ديسمبر 2024 - 8:55 مساءً
الإسلام السياسي في خدمة إسرائيل: قراءة في الأدوار والتأثيرات

دين بريس ـ سعيد الزياني
شهدت الساحة السياسية العربية في العقود الأخيرة تحولات عميقة أعادت تشكيل المشهد الإقليمي، وكان من أبرز ملامحها صعود تيارات الإسلام السياسي التي رفعت شعارات مناهضة لإسرائيل وتبنت خطابات رنانة ضد الاحتلال. ومع ذلك، فإن الأداء العملي لهذه التيارات كشف عن تناقضات جوهرية بين الشعارات المعلنة والممارسات الفعلية، ما أثار تساؤلات جوهرية حول مدى خدمتها المباشرة وغير المباشرة للمصالح الإسرائيلية.

لقد أظهرت التحليلات أن إسرائيل تعاملت مع الإسلام السياسي بأساليب مزدوجة، حيث عملت على استيعابه حينما كان ذلك مفيدا، وقمعه حينما بدا تهديدا محتملا، هذا النهج مكنها من توظيف هذه الجماعات لضرب الأنظمة الوطنية وإضعاف الدول العربية من الداخل عبر تأجيج الصراعات الطائفية والانقسامات الأيديولوجية.

وأوضحت الدراسات أن إسرائيل وجدت في الإسلام السياسي المعتدل، مثل جماعة الإخوان المسلمين، أداة مرنة يمكن التعامل معها، فعلى سبيل المثال، خلال حكم محمد مرسي في مصر، رحبت إسرائيل بالتزام الجماعة باتفاقيات كامب ديفيد وبالدور الذي لعبته في تهدئة الأوضاع مع غزة عام 2012، وتكشف الوثائق الاستخباراتية عن اتصالات سرية جرت بين الإخوان والموساد منذ الثمانينات، وهو ما يعكس سعي إسرائيل لإيجاد قنوات تواصل تضمن مصالحها الاستراتيجية.

وفي السياق نفسه، شهدت المنطقة صعود جماعات جهادية مثل القاعدة وداعش، التي تبنت خطابا عالميا معاديا للغرب، لكنها تجنبت استهداف إسرائيل بشكل مباشر، ويعود ذلك إلى استراتيجيات مدروسة ركزت على تفكيك الأنظمة العربية من الداخل وتحويل الصراعات نحو الداخل الإسلامي، ما عزز من الأمن الإسرائيلي وجعل هذه الجماعات أدوات ضغط على الأنظمة العربية.

وفي سوريا، برزت هيئة تحرير الشام كنموذج لتحور محلي لتنظيم القاعدة، حيث أبدت مرونة تكتيكية تضمنت التعاون مع الاستخبارات الغربية لمحاربة داعش، وقد تلقت دعما لوجستيا وتسليحيا من أطراف دولية، ما عزز الشكوك حول دورها كأداة لحفظ الأمن الإسرائيلي من خلال احتواء الفوضى السورية.

أما بعد الربيع العربي، فقد أصبح الإسلام السياسي واجهة ملائمة لإدارة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، حيث وظفته إسرائيل والغرب كأداة لاحتواء الحراك الجماهيري، مع ضمان استمرار التشرذم السياسي وعدم نشوء أنظمة حكم مستقرة يمكن أن تشكل تهديدا استراتيجيا.

وفي قطاع غزة، قبل طوفان الاقصى، تبنت حماس نهجا براغماتيا تضمن اتفاقات تهدئة مع إسرائيل، ما أتاح لها إدارة الحصار وتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، ومع أن حماس قدمت نفسها كحركة مقاومة، إلا أن سياساتها العملية عكست استعدادا للتكيف مع الواقع، وهو ما منح إسرائيل الفرصة لتعزيز موقعها الأمني.

وعلى الجانب الآخر، لعبت إيران وحزب الله دورا مزدوجا، فمن جهة، تبنت إيران خطابا عدائيا لإسرائيل، لكنها في الوقت نفسه ساهمت في تأجيج الصراعات الطائفية عبر دعم الميليشيات الشيعية، وقد أدى هذا إلى إضعاف الدول العربية وتعزيز الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.

من خلال هذا التحليل، يتضح أن صعود الإسلام السياسي ساعد إسرائيل على مستويات متعددة، فقد ساهم في إضعاف الأنظمة القومية، وتحويل الأنظار عن الصراع العربي الإسرائيلي إلى نزاعات داخلية بين الجماعات الإسلامية، إضافة إلى تهيئة المناخ لتقسيم المنطقة جغرافيا وسياسيا بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

إن مواجهة هذا الواقع تتطلب إعادة صياغة الاستراتيجيات العربية، مع التركيز على تعزيز الهوية الوطنية وبناء مشاريع قومية شاملة تحتضن جميع الأطياف بعيدا عن الانقسامات الدينية، كما أن تطوير القدرات الأمنية والاستخباراتية يُعد ضرورة ملحة للتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية.

ومن المهم كذلك تبني خطاب تنويري يسعى إلى تجفيف منابع التطرف، ودعم التيارات الفكرية المعتدلة التي ترفض استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، إلى جانب ذلك، فإن بناء تحالفات إقليمية قوية سيسهم في التصدي لمحاولات التفكيك والتقسيم.

وفي النهاية، يظهر بوضوح أن الإسلام السياسي، رغم رفعه لشعارات معادية لإسرائيل، قد وفر لها فرصا ثمينة لتعزيز أمنها واستقرارها الإقليمي، ومن هنا، يصبح التصدي لهذا التحدي مرهوننا برؤية سياسية شاملة تضع المصالح العربية في مقدمة الأولويات، وتسعى إلى كسر الدائرة المفرغة من الانقسامات والصراعات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.