الإخوان” وأمريكا.. انكشاف غطاء علاقة قديمة

1 ديسمبر 2025

محمد زاوي

يعيش كثير من أبناء الإسلام السياسي، بل أغلبهم، مقتنعين بوهم “عداء الغرب للحركات الإسلامية”، بما هي ممثل شعبي للإسلام يحمي قيمه وغاياته الكبرى، على حد تعبير أصحاب هذا الفهم.. لا ينتبه هؤلاء إلى تسريبات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، بل يعتبرونها استهدافا لحركة “مباركة”. ولا يقفون مليا عند النشاط الإعلامي والمالي والثقافي لحركتهم في عواصم وحواضر غربية كبرى، فكله حسب رأيهم مما تتيحه الحرية في الغرب. وقبل أن نقف عند ما كشفه القرار الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلنكشف بعض العيوب النظرية والسياسية التي تعتري موقف الإسلاميين من علاقتهم بالغرب:

-يقولون إن الغرب يعادي الحركات الإسلامية لأنه يعادي الإسلام: والحقيقة أن موقف الغرب من الإسلام موقف جدلي، إذ هو يريد إسلاما دون إسلام، يريد إسلاما منظما ومنضبطا ومتحكما فيه توفره الحكومات أكثر مما توفره التنظيمات الإسلامية؛ لكنه من جهة أخرى يتخوف انتشار الإسلام في أوروبا والغرب عموما فيحسب لكل دعوة رسمية أو غير رسمية حسابها، كما أنه كان طيلة عقود في حاجة إلى “تنظيم سياسي إسلامي” يربك حسابات الدول العربية بعيدا عنه، وبأمر أو تدخل أو يد منه في فترات بعينها.. وقد حصل ذلك في أحداث 2011، حيث قدمت تنظيمات الإسلام السياسي للغرب خدمات كبيرة ساهمت إلى حد بعيد في إعادة تشكيل الشرق الأوسط والإخلال بموازينه القديمة.

-ويقولون إن تسريبات الاستخبارات مجرد استهداف للحركات الإسلامية: فلنسلم بأن القول بهذه العلاقة مجرد ادعاء، ولكن فلنستحضر ثلاثة ملفات كبرى شهدتها المنطقة العربية ولنقارن مواقف الإسلاميين منها مع مواقف الاستخبارات الأمريكية (خاصة المخابرات الأمريكية المستقلة CIA).. دولة جمال عبد الناصر في مصر: واجهها الإسلاميون وواجهتها المخابرات الأمريكية المستقلة. الاتحاد السوفييتي في أفغانستان: واجهاه معا. “الربيع العربي”: أشعلا فتنته معا.. هذا التطابق في المواقف كان كافيا ليجعل المخابرات الأمريكية المستقلة تراهن على وجود الإسلاميين وحَرَكتِهم في دول الوطن العربي، ناهيك عن التقارير التي تحدثت عن وجود تنسيق بين الطرفين بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي، وتعزز في تعسينياته، وضبطته الأجهزة الاستخباراتية المصرية في فترة حكم “الإخوان”.

-ويقولون إن نشاطهم في الغرب لا يعدو أن يكون استفادة من حريته: وهل حرية الغرب مطلقة؟ وهل كانت هذه الحرية ليستفيد منها “الإخوان”؟ وإذا كانوا قد استفادوا منها فتحت أية يافطة ولأي غرض؟ فليس من الأقدار العشوائية أن يتحرك “الإخوان” وغيرهم من التنظيمات الإسلامية بأريحية إعلامية وثقافية في بريطانيا، وليس بغير غرض أن تسمح بعض الولايات الأمريكية -خاصة في فترات حكم الديمقراطيين- بتوسع أنشطة “الإخوان” الثقافية والدينية والخيرية في مدنها، وما كان الرأسمال المالي الأمريكي ليسمح بتداول أموال الإخوان في بنوكه إلا لغاية بدت معالمها واضحة في الشرق الأوسط وبعض دول الاتحاد الأوروبي.. الحرية في الغرب حرية مقيدة بقيود البورجوازيات التي أطلقتها، وليست تنظيمات “الإخوان المسلمين” استثناء من هذه القيود.

لقد كشف قرار ترامب الأخير، والذي قد يسفر عن تصنيف تنظيمات إخوانية حركات إرهابية، عن حقائق تستحق الوقوف عندها مليا، ومن أهمها نشاط حوالي 29 جمعية تابعة للإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعنيه ذلك من أرصدة بنكية واستثمارات اقتصادية وأنشطة خيرية واجتماعية وثقافية.. السؤال المطروح هنا هو: هل تسمح الاستخبارات الأمريكية لهذه التنظيمات بالنشاط في أمريكا لتنشر الإسلام؟ ومن كان يحمي هذه التنظيمات في أمريكا؟ ولماذا لم تتعامل أمريكا بنفس التيسير والتجاهل مع التنظيمات الشيوعية والاشتراكية منذ أكثر من نصف قرن فرضت فيها الأجهزة الأمريكية الحظر عليها بالحديد والنار؟!

ومما يجب الوقوف عنده مليا أيضا، ما تداولته تقارير إعلامية ذكرت أن تنظيمات جماعة “الإخوان” عرضت خدماتها على إدارة دونالد ترامب.. فإذا كانت هذه التنظيمات تعرض خدماتها على ترامب وهو نقيض استراتيجي لها، فأي خدمات كانت تعرضها على سابقيه، أي على “الديمقراطيين” ومجمعهم الصناعيه العسكري ومخابراتهم الأمريكية المستقلة، وهم أقرب إليها من غيرهم؟! وإن الجماعة إذ تعرض على ترامب ما كانت تعرضه على سابقيه، لا تنتبه إلى غياب مشترك استراتيجي بينها وبينه داخل أمريكا وخارجها، ولا هي تعرف أن مراجعتها الحقيقية تبدأ من أقطارها ودولها، وأن هذه الأخيرة أولى بخدماتها.. إن الحيرة لتأخذ المرء وهو يرى خدمات تُمنَح من أجل مشروع لا يجد حاملا له في وطنه، فكيف له أن يجد له حاملا في بلدان الأجنبي؟! أما إذا كانت الخدمات تُعرَض لحفظ مصالح الأموال والاستثمار فحسب، فإننا سنكون أمام رأسمال أمريكي يبحث عن موقع جديد في ميزان القوى الأمريكي، لا عن دعوة تتخذ من الإسلام مشروعا وشعارا..

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...