زعيم الخيرالله
في الأزَماتِ الحادةِ التي تَعْصِفُ بالاممِ والشعوب ، يبرزُ فيها رِجالٌ استثنائيونَ ، يواجهون الازمةَ العاتِيّةَ ، بِجَلَدٍ وَثَباتٍ ، وصبرٍ وعنادٍ ، وحِكمَةٍ وَبُعدِ نَظَرٍ ؛ حتى يَجِدوا خلاصاً ، ويعبروا بشعوبهم من الازمة وتداعياتها الى بّرِّ الأمانِ.
في العِراقِ اليومَ أَزْمَةٌ حادَّةُ فرضتها أحداثُ التظاهرات التي بدأت في الاول من اكتوبر .
بَدأت هذهِ التظاهراتِ بمطالبَ مشروعةٍ وعادلةٍ ، وهذا الحق ( حقُ التظاهر السلمي ) حقٌ أَقَرَّهُ الدستورُ العِراقيُّ .
ومن ايجابياتِ هذهِ التظاهرات، انها طرحت مشروع الدولةِ الى الواجهةِ، بعدَ أن غَيَبَتهُ الكتلِ السياسيةِ، وطرحت مشروعَ السلطةِ بدلاً عنهُ، وكَرَّست من خلاله المحاصصةَ السياسية، التي هي تكريسٌ للفسادِ، وشرعنةٌ لهُ، وغطاءٌ يُخفي جرائمَ المفسدينَ، ويسدلُ عليها ستاراً سميكاً يُخفي سَوْءاتِها، ويسترُعيوبها.
لم تَتَعاطَ الحكومةُ مع التظاهرات بمسؤولية ، ولم يتعاطَ السياسيونَ مع الحراكِ الشعبي بعقلِيَّةِ رجُل الدولة ، بعقليةِ رجلِ الانقاذ الذي يواجه الازمةَ الحادةَ ، ويضع لها الحلول، وَيُحسنُ ادارتَها ، بل على العكس ، فقد تعامل السياسيون مع الحراك في بداياته تعاملا امنيّاً ، مما ادى الى خسائر في الارواح في صفوف المتظاهرين والقوات الامنية .
لم تفرز الاحداث الجارية ، رجالٌ لمواجهة الازمة ، وتقديم الحلول ، بل تعامل السياسيون مع الازمة بالمماطلة والتسويف ، وكسبِ الوقت . لقد عَقَّدوا الازمة ، وزادوا الشارعَ احتقاناً والتهاباً واشتعالاً .حتى الان ، لم يبرز الرجل الرشيد ، الرجل الذي يواجه الازمة ، ويقدم الحل ، بل زادوا الازمة تعقيدا ؛ مما يدلُّ على انهم ليسوا رجال الازمات والخطوب والمحن .
تخلى الجميع عن مسؤولياته ، فمنذ استقالة رئيس الوزراء ، وهم غيرُ قادرين على تسمية مرشح لرئيس الوزراء ، لم يلتزموا بالمدد الدستورية ، لم يتحمل البرلمان مسؤوليته ، بل كان ينتظر رئيس الجمهورية ، ولم يتحمل رئيس الجمهورية مسؤوليته التاريخية باختيار مرشح لرئاسة الوزراء ، بل القى الكرة في ملعب البرلمان ، والبرلمان ارجع الكرة الى ملعب رئيس الجمهورية ، ورئيس الجمهورية حولها الى المحكمة الاتحادية . والكتلة الفائزة تخلت عن حقها في الكتلة الاكبر وقالت ان الشارع هو ( الكتلة الاكبر) ، الجميع تخلى عن مسؤوليته ، بل يتهربون من مسؤولياتهم ؛ مما يزيد المشهد احتقانا واشتعالاً .
الشعب هو الكتلة الاكبر ، كلمةٌ جميلةٌ ومغريةٌ ، ولكن ماهي الالياتُ ؟ الكتلة الاكبر التي تلت الكتلة الاكبر الاولى ، قدمت مرشحاً من الكتل السياسية ؛ مما زاد الشارعُ احتقاناً واضطرابا وحرقا للمؤسسات ، وقطعا للطريق ، ومنعا للدوام .
الجميعٌ ليسوا رجال الازمات ، ولارجال المرحلة . المتظاهرون السلميون ايضاً لم يقدموا مرشحاً ليكون رجل الازمة الذي يعبر بالعراق من حالته البائسة الى بر الامان .
في العراق لايوجد الرجل الرشيد الذي يعبر بالعراق من محنته الى بر الامان . لان الكتل السياسية هي سبب الازمة ؛ فلا يمكن ان تكون سببا في الحل والخروج من الازمة.
للأزمة رجالها ، والجميع اثبت انه ليس مؤهلاً لان يكون رجل المرحلة ، ورجل التحدي في مواجهة الازمة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6011