23 يونيو 2025 / 14:13

يمكن ممارسة الشعبوية على الفيسبوك لا في وزارة الخارجية

نواف القديمي 

باحث سعودي يقيم في تركيا 

في لبنان، وبعد اغتيال الحريري وحرب تموز واعتصام الوسط التجاري والصراع السياسي بين فريقي 8 و14 آذار، رفع فريق 14 آذار شعاراً انتشر في شوارع بيروت ومدن لبنان على شكل لوحات وملصقات، مكتوبٌ عليها “بدنا نعيش”.. بعدها بأيام، رد فريق 8 آذار بلوحات وملصقات مُماثلة تملأ المدن اللبنانية مكتوبٌ عليها “بدنا نعيش بشرف”.

شعارات “الشرف” و”الكرامة” هي أكثر ما يبرر به المحسوبون على محور المقاومة أن انهيار المدن والبلدات وتردي الخدمات والفوضى والميليشيات والدخول في مواجهات خاسرة، كل ذلك مقبول ومُحتمل في سبيل الحفاظ على الشرف والكرامة.

لا أدري إن كان أهل الجنوب اللبناني يعيشون اليوم بمخزون وافر من الكرامة وبلداتهم مُدمرة وهم ينتظرون التعويضات من حزب الله ومشروعات إعادة الإعمار التي لا أظنها ستأتي قريباً.. في المقابل وقّع حزب الله على اتفاق إذعان واستسلام في نوفمبر الماضي توقف فيه عن إطلاق النار رغم استمرار وجود الاحتلال في الأراضي اللبنانية حتى اليوم، وبعد مقتل الصفوف الأولى من قيادته العسكرية وعلى رأسهم حسن نصرالله.. ولا أدري إن كان يعيش المواطن الإيراني اليوم حالة الكرامة بعد اختراقات استخباراتية مهولة ومقتل عشرات القيادات العسكرية الكبرى، وتدمير البنية النووية والصاروخية الإيرانية، وقبلها السماح بتدخل دولي وفرض قيود على منشآتها النووية، ووصلت حتى لمحاولة إغراء “الشيطان الأكبر” ب 4 ترليون دولار استثمارات أمريكية في إيران.. وهل حافظ أهل غزة على كرامتهم فيما يجري لهم بعد 7 أكتوبر بسبب مغامرة اخطأت في كل حساباتها وتوقعاتها.

ماذا يعني ذلك؟ الخضوع والتطبيع والخنوع للغرب؟ .. هذا الثنائيات الحادة هي خزعبلات في السياسة. هل من يقول بذلك يرى أن المواطن التركي مثلاً خاضع للغرب، وأن تركيا تطبق التعليمات الغربية؟ .. وهل السعودية خاضعة للغرب وإملاءاته وهي التي دخلت في احتكاكات حادة مع حكومة بايدن وصلت إلى حد قطع تزويدها بالأسلحة وسحب بطاريات الباتريوت منها وتلويحه بفرض عقوبات؟ ثم تراجعه عن كل ذلك وزيارته لها بعدما اتجهت السعودية شرقاً ووسعت علاقاتها مع الصين وروسيا.

في المقابل يقول المصريون: إنه بعد الثورة وحين امتلك الشعب قراره وانتخب رئيسه كان لدى مصر قدرة على الاعتراض وأخذ مواقف محترمة مما يجري في فلسطين وسواها، رغم أن الرئيس المصري وقتها “محمد مرسي” لم يُلغ اتفاقية السلام، بل أكد على الحفاظ عليها، رغم أن مصر في وضع اقتصادي صعب وتأخذ سنوياً معونة أمريكية مشروطة، ومع ذلك استطاعت أخذ مواقف وازنة ومحترمة في تلك المرحلة.. فكيف بدول ليس بينها وبين إسرائيل معاهدة سلام، وهي في وضع اقتصادي أفضل من إسرائيل، وليست بحاجة لدعم اقتصادي من الحكومات الغربية، فهذا أدعى للقدرة على الاستقلال والمناورة وتوسيع الهوامش، لو كانت هناك إرادة بذلك..

لذلك لا تصدق الأوهام والفقاعات، فالسياسة ليست فيزياء، واستقلال الدول مبنيٌ على قدرتها في معرفة موازين القوى واللعب عليها وخلق هوامش واسعة لها والاهتمام بالتنمية والخدمات والاقتصاد، بدل إفقار الشعب والدخول في صراعات دولية وإقليميّة رأينا نتائجها وخواتيمها.. الشعارات لا تبني استقلالاً، والشعبوية يمكن أن تمارسها على الفيسبوك لا في وزارة الخارجية، وكرامة الشعوب وشرفها هي في استقرارها ورفاهها وعدم احتياجها ولا فقرها وقمعها وتشردها بسبب معارك يمكن بوضوح معرفة أنها خاسرة وانتحارية.

وحتى لا يقفز أحد لترديد: وهل حافظ السوريون على كرامتهم عندنا ثاروا ثم تشردوا بعد الثورة؟.. أعيد: الثورة السورية لم تقم بقرار، هي انفجار عفوي لمجموعات سكانية كبيرة بدون قائد.. بينما سلوك إيران ومواجهاتها تمت بقرار، ومواجهات الحزب تمت بقرار، ومعركة 7 أكتوبر تمت بقرار.