إلى ماذا يرمز الدين في فرنسا اليوم؟

دينبريس
2024-12-15T09:55:07+01:00
آراء ومواقف
دينبريس15 ديسمبر 2024آخر تحديث : الأحد 15 ديسمبر 2024 - 9:55 صباحًا
إلى ماذا يرمز الدين في فرنسا اليوم؟

دين بريس ـ سعيد الزياني
إن العلاقة بين فرنسا والدين في الوقت الراهن تعكس تحولات اجتماعية وثقافية عميقة تتشابك فيها الأبعاد التاريخية مع التغيرات المعاصرة، ففي مجتمع يمتاز بعلمانيته الصارمة، تبدو الرموز الدينية مثل كاتدرائية نوتردام كجزء من الهوية الثقافية أكثر من كونها تعبيرا عن الإيمان الديني.

ويبدو أن الحماس المحيط بإعادة افتتاح الكاتدرائية لم يكن دليلا على عودة الدين إلى مركز الحياة، بل كان احتفاء بإنجاز ثقافي ومعماري يعكس التراث الفرنسي، ويُبرز قوة الرموز التاريخية في الضمير الجمعي للأمة.

تشير الإحصاءات إلى تراجع كبير في الممارسات الدينية التقليدية، حيث لا يتجاوز عدد الفرنسيين المواظبين على الطقوس الدينية 4%، مقارنة بـ 35% في الستينيات، هذا التراجع لا يعني نهاية الدين، بل يعكس تحوله إلى شكل جديد من الروحانية الفردية، حيث أصبح الفرنسيون يبحثون عن معنى لحياتهم عبر طقوس فردية بديلة مثل اليوغا، التأمل، والعلاج النفسي، في تعبير عن استقلاليتهم عن الجماعات الدينية التقليدية.

ويمكن القول إن الدين لم يختف نهائيا، بل انتقلت وظيفته من كونه أساسا للهوية الجماعية إلى وسيلة للتعبير الشخصي والبحث عن التوازن الداخلي.

وتتقاطع هذه التحولات مع السياسات الفرنسية التي تسعى إلى تقييد الرموز الدينية في المجال العام تحت شعارات مثل “مبادئ الجمهورية”، بهدف تعزيز العلمانية، مما يقوي أحيانا الشعور بالاغتراب لدى بعض الفئات، خاصة المسلمين.

وفي ظل هذه البيئة، يصبح نقل الدين إلى الأجيال الجديدة أولوية ليس فقط كإيمان شخصي، بل كوسيلة لحماية الهوية من التلاشي، ويظهر الدين في هذا السياق كأداة للتكيف والدفاع عن الذات ضد الضغوطات الاجتماعية (عند المسلمين بالخصوص).

إن العلاقة بين فرنسا والدين اليوم هي انعكاس لتاريخ طويل من التوتر بين الكنيسة والدولة، هذا الإرث الثقيل أفرز مجتمعا متناقضا: يعتز بتراثه الديني كجزء من هويته الثقافية، لكنه يسعى إلى فصل الدين عن المجال العام التزاما بالعلمانية.

وهكذا، فالدين لم يعد يشكل أساسا للهوية الجماعية، لكنه يستمر كرمز ثقافي قوي ووسيلة للتكيف والدفاع عن الذات، ومن منظور سوسيولوجي، هذا التحول يعبر عن ديناميكية معقدة تجمع بين الفردانية المتزايدة، والإرث الثقافي، والضغوط السياسية والاجتماعية.

خلاصة: الدين في فرنسا اليوم هو مساحة للتعبير الفردي والنقاش المجتمعي، وليس مجرد طقوس تمارس في الكنائس.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.