حوار أعده للنشر عصام أخيرى ـ باحث في الفكر الإسلامي
يعتبر الدكتور محمد عابد الجابري، من أبزر المفكرين الذين تركوا بصمة، ذات أبعاد معرفية ومنهجية، وحولوا مسار الفكر والتفكير في الثقافة العربية والإسلامية، حيت يمكن القول بأنه دشن عصر تدوين جديد، كما قال، وذلك من خلال مجموع مؤلفاته وأعماله، خاصة مشروعه “نقد العقل العربي”، فالدكتور الجابري ترك في الفكر العربي والإسلامي، أطروحات، وقضايا، في كل مجال، ختمها بمجموعة من الدراسات والمؤلفات القرآنية، كما سيتضح، إذ تهتم في ثناياها بإعادة قراءة التراث كما وكيفا، بنقد معرفي عقلي ابستيمولوجي قطعي، لا نتركه جملة، ولا نأخذه جملة، ولكن لا بد من جمارك معرفية، نحلل من خلالها مجموع القضايا التراثية، التي أنتجها العقل الإسلامي طيلة خمسة عشر قرنا.
إن أطروحات الدكتور محمد عابد الجابري لا تزال في تحليل ومناقشة ونقد معرفي ومنهجي، في جميع المستويات الجامعية، دراسة، وندوات، وملتقيات فكرية، ففي هذا الحوار ذاته، كما صرح، فهو يتابع جميع الأطروحات الجامعية في مختلف، الجامعات في العالم؛ اليابان، أمريكا، أوروبا…، والتي تتناول فكره بالتحليل والمناقشة والنقد، كما هو معلوم في حقيقة العلم والمجال المعرفي، باعتبار الفكر البشري، لا يسلم من انتقادات، تسدد الهفوات، التي لا يلاحظها المفكر المنتقد، إذ تختلف الإنتقادات من إيجابية في بلورة وإعادة الصياغة المعرفية والمنهجية للأطروحة، كي تكتسب نوعا من الحقيقة النسبية، في تفاعلها مع مختلف الحقائق النسبية الأخرى، في حين هناك نقد للفكر، ليس من أجل الفكر والمعرفة، بل من أجل، كما قال الجابري أن الأستاذ جورج طرابيشي، في نقده لنقد العقل العربي أن الجابري، قد هيمن على مطلق الفكر العربي ككل، فيجب إزالته من عرشه، يجب محاربته، نقد الغيرة من المكانة التي كان يمتاز بها الدكتور الجابري في الفكر العربي الإسلامي.
إن هذا الحوار كان متعة فكرية، حسب تعبير الدكتور شبار، كمتابع له، ومحرر للحوار، لقد وقع حبي للأستاذ الدكتور الجابري في السنة الثانية من سلك الإجازة، و ذلك عن طريق المحاضرات وخاصة في مادتي الفكر الإسلامي والحركات الإصلاحية، من بين الكتب التي كانت أولها كتابه “في نقد الحاجة إلى الإصلاح”، وهو عدد مواقف رقم ٣٢، الذي جعلني أبحث عن الخلفيات الفكرية والإجتماعية والسياسية، والمنهجية، للدكتور محمد عابد الجابري، والذي أثارني في حقيقة الفكر الجابري، في كتبه؛ خاصة نقده للعقل العربي تكوينا وبنية وسياسة، وأخلاقا، في كل الكتب التي أقرأها، وأطالعها إلا وأجد فكرة للدكتور الجابري، تناولها، بإسهام ، ومنطلق، فكري، بعد أخذ الإذن والمشورة، سمح لي نجل الدكتور محمد عابد الجابري، الدكتور عصام عابد الجابري، في تحرير هذا الحوار القيم، الممتع فكريا، الذي يتسم بمتعة فكرية، في الفكر الجابري.
والحوار عبارة عن حلقة من برنامج إضاءات، يقدمها الأستاذ تركي الدخيل، في شاشة العربية، فكان هذا الحوار سنة ٢٠٠٧، أي قبل ثلاث سنوات من رحيل الأستاذ الدكتور محمد عابد الجابري، وقد كتبت هذا الحوار بلغته الشفاهية، ولم أحذف، أي كلمة مما قيل في الحوار، وسنقتصر في أسماء الحوار على الحروف الأولى لكل من:
ت د: تركي الدخيل.
م ع ج: محمد عابد الجابري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ت د: أيها الإخوة والأخوات حياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي إضاءات، ضيفي اليوم أيها الإخوة والأخوات؛ هو الدكتور محمد عابد الجابري، المفكر المغربي المعروف، حياك الله يا دكتور محمد.
م ع ج: الله يحيكم.
ت د: أهلا وسهلا، دكتور سنبدأ من حيث مناسبة مرت قبل بضعة أسابيع، وهي المنسابة السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر-أيلول، كنت قد قلت في مقابلة أجراها معك راديو “البي بي سي” إذاعة لندن في ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٢، أن ما حدث في أوروبا وأمريكا من أحداث قلت ما يسمى الآن بالإرهاب والعنف، أو بصراع الحضارات هي كلها ظواهر وقتية، ظرفية ليس في الحقيقة صراع حضارات ليس هناك صراع حضارات ، هناك صراع الحضارة الغربية مع نتاجه، محمد عابد الجابري يعتبر ما حدث في ١١ سبتمبر وذيوله هو صراع بين الحضارة الغربية ومنتجاته هل لا زلت تعتقد حتى الآن بهذا الرأي.
م ع ج: نعم، هو صراع ما بين، يعني الإنسان، وما ينتج ويقع لهذا الذي ينتج تابعا له وهذا م يسمى ب “INATION”، أي للإستيلاب، فالحضارة الغربية خلقت وسائل تقنية وخلقت لنفسها أيضا أغراض توسعية ودخلت في حرب باردة مع طرف أخر، ثم استعملت جهات متعددة منها: جهات إسلامية في هذا الميدان، فعندما كان القتال ضد الروس في أفغانستان فما حدث في ١١ سبتمبر، هو رد فعل، رد فعل للحضارة الغربية التي أنتجت نتاجا إستعملته ثم عندما أتم مهمته لها تركته وتخلت عنه.
ت د: فانقلب السحر على الساحر.
م ع ج: فانقلب السحر على الساحر.
ت د: يعني إذا أنت تعتبر أن الجماعات الإسلامية المسلحة هي صنيع غربي.
م ع ج: ليست صناعة غربية بالمعنى الصناعي يعني، هي ردود فعل.
ت د: ردود فعل لماذا؟
م ع ج: ردود فعل طبعا، عندما، في القضية الأفغانية كان الروس يحتل البلد بالقوة وحكموها بالقوة، ولما جاء الأمريكان بدعوى التحرير وظفوا من تقاطعت مصالحه معهم، كان المفروض أنه عندما انتهت الحرب وانتصرت الأمريكان واعتقدوا نهم انتصروا، كان من المفروض أن يتعاملوا مع زملائهم القدماء أو الحلفاء، ويعملوا على نهضة أفغانستان، وعلى حل مشاكلها إلى آخره، لكن الذي حدث هو العكس، وهو أنه يعني، السلم الذي صعدوا فيه أزاوله، كسروه، فكان هذا رد الفعل بطبيعة الحال.
ت د: كنت تنظر من الولايات المتحدة يعني أن تلقي بالا للمجاهدين الأفغان أكثر مما فعلت.
م ع ج: ليس القضية أنني كنت أنتظر، بل كان يجب أن تعمل، يعني، أنه أنا لا أستطيع أن أنتظر من شيء، وأتوقع أنه سيفعل، ولكن كحكم أخلاقي، كحكم سياسي موضوعي كان يجب أن تقوم برد الجميل إلى أصحابه.
ت د: طيب، أنت يعني من أهم الشخصيات التي قدمت مشروعا ثقافيا، يعتمد على قراءة التراث ونقده، هل ترى أن الجماعات المسلحة الإسلامية المسلحة، كانت تستند في أطروحاتها على كثير من هذا التراث، وأن لا علاقة للغرب بهذا التراث، بل أن تفجير هذه الأفكار أصبح نتيجة حتمية لتعاطيهم معها.
م ع ج: أنا قلت رأيي قبل هذه الموجة الموجودة الأن، قلت رأيي في بدايتها أو قبله بقليل لأن الأمر يتعلق بالتطرف، الحركات المتطرفة موجودة وتوجد في جميع المستويات جميع، الحضارات جميع العصور، لكن الوضع الطبيعي للحركات المتطرفة هي أن تكون في الأطراف، مثلا الخوارج كانت حركات متطرفة، لكن ما ملكته وما تحركت حوله، هو في أطراف العالم الإسلامي ليس في المركز، أما عندما يتحول التطرف إلى المركز.
ت د: ما حدث من الخوارج مقتل علي بن أبي طالب.
م ع ج: هذه اغتيالات فردية لكن الدول التي أقاموها أو الدويلات أو حركاتهم الأزارقة إلى أخره يعني لم يستقروا إلا في عمان والإباضية وقبل سنين أو قرون في الجزائر أو ليبيا أو تونس في الحدود يعني، فالحركات المتطرفة في الهامش، وضعها الطبيعي، لكن عندما تستولي على الوسط فذلك يعني…
ت د: المركز.
م ع ج: المركز؛ فذلك يعني، أن الخلل ليس منه بل من فقدان العدالة، والديموقراطية، أو المساواة أو ما شئت من الأمور التي تضمن الإستقرار في الوسط.
ت د: طيب، هل لا زلت تؤمن بنظرية دول الأطراف ودول المركز، ألم، يعني تذب هذه النظرية يتبادل العالم العربي على الأقل شيئا من أدواره بين المركز والأطراف.
م ع ج: لا في البداية، يعني العالم كله من تاريخ كله فيه مركز وأطراف، فيه عاصمة، بدل واحد فيه عاصمة واحدة وأطراف، العالم بعد أن قامت الحركات الإستعمارية الإكتشافية إلى آخره، هيمنت على العالم الأسيوي، العالم الإفريقي، فأصبح العالم مركزه أروبا والمواطن التي تحتلها والأطراف هي بقيت هي، لكن نحن أيضا في العالم العربي تكونت مراكز وأطراف مثلا مصر في يوم من الأيام كانت هي المركز، والمغرب والخليج مثلا، كانوا هم الأطراف، لكن في البلد الواحد…
ت د: “مقاطعا” هل لا زالت مصر مركزا؟
م ع ج: لا، اليوم، الأطراف أحيانا تتحرك، وتنمو مراكز صغرى أو كبرى، وقد يحصل..
ت د: مقاطعا- تأخذ أدوار المركز أحيانا؟؟
م ع ج: إنما دور المركز ككل وإما نوع من التوازن ونوع من التنافس أو نوع من التكامل، اليوم في إطار تعدد مراكز، يعني في إطار عام، ليس في إطار صراعي مكشوف.
ت د: في حوار الشرق والغرب مع حسن حنفي، ذكر أن بداية النهضة العربية كانت مع الوهابية، وبالتحديد بعد الاتفاق بين ابن سعود وعبد الوهاب، عام ١٧٤٧، ذكر أيضا أن تأثير الوهابية التي قامت قبل الثورة الفرنسية، باثنتين وأربعين سنة، كان مضآهيا لتأثير الثورة الفرنسية، ثورة نابوليون.
م ع ج: نعم.
ت د: وقتها إن لم يكن أقوى، كما تقول، هل لا زال محمد عابد الجابري، متمسكا بهذه الأطروحة، حتى بعدما قيل عن الوهابية، في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر.
م ع ج: لا هذه ليس أطروحة، هذا تاريخ، أنا لا آتي بشيء خارج التاريخ.
ت د : مقاطعا-يعني أليس رأيا شخصيا لمحمد عابد الجابري؟
م ع ج: لا تاريخ، تاريخ، تاريخ، تطور الحركة الوطنية أو السلفية أو التجديدية في العالم العربي، عرف بدايات، منبثقة من داخل العرب، مثلا هناك علماء كانت لهم تأثير، الشوكاني نفسه، محمد بن عبد الوهاب.
ت د: مقاطعا- في اليمن
م ع ج: في اليمن الشوكاني طبعا، محمد بن عبد الوهاب كان يعني، يقود حركة تعتبر ثورية بالنسبة للإسلام في ذلك الوقت، الغرب ذاك القوت كان غائبا عنا، كانت المعركة مع الحركات الطرقية الصوفية، والأتراك خاصة، وهذه لحركات كانت يعني قوة سياسية تمارس السياسة، ولو لم يكن أفراده يعون أنهم يمارسون السياسية، فكان محمد عبد الوهاب من الذين نادوا إلى الرجوع إلى ما قبل هذه الطرق وهذه البدع، إلخ، فكان تجديدا، نوعا من التجديد، وقامت سلفية الأفغاني وعبده، على أساس هذه الفكرة.
ت د: متأثرة بالفكر الوهابي.
م ع ج: يعني ليسا متأثرا بل رؤية، بطريق النهوض، وضد البدع، مثلا الشاطبي كان ضد البدع، ولكن قيام حركة كلها ضد البدع، والقتال ضدها إلخ، هذه حقيقة تاريخية، والتأريخ لمصادر السلفية في مصر، محمد عبد الوهاب، وجمال الدين الأفغاني، لا يمكن قطعها عن محمد عبد الوهاب ولا عن السنوسي، يعني حركات كلها، كانت تتجه نحو نوع من التجديد الداخلي في الإسلام، هل كانت تتخذ الغرب مثلا له أو نموذج؟ لا، كانت تحس بأن الإنحراف وقع، ومن تخلف وقع، وتفسر التخلف بهذه المظاهر التي كانت الطرق الصوفية وسمته البدع، إلخ، فقامت تنهض نهضة ضدها، ثم تطورت مع سلفية عبده، مباشرة إلى سلفية أخرى، وطنية سياسية أو شبه سياسية، أما الأفغاني فكانت سياسية مائة بالمائة يعني.
ت د: أنت تؤكد كثيرا، بأن كل الحركات السلفية هي حركات وطنية؟
م ع ج: يعني على الأقل إلى حدود العشرينات من القرن العشرين.
ت د: وهي كذلك.
م ع ج: فهي وطنية.
ت د: ما بعد ذلك ماذا حدث؟
م ع ج: بعد ذلك وقعت مشاكل داخلية وقعت ردود فعل جانبية في بعض البلدان التي فيها أكثر من دين أو أكثر من طائفة، ومشاكل داخلية وقعت، وردود فعل هذه، ردود فعل تفاقمت من الجانبين ، وأصبحت…
ت د: مقاطعا هي التي تحرك.
م ع ج: السلفية يعني، تعبير فيه قدح.
ت د: دكتور ذكرت في كتابك، دكتور محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر وهو ما يكمن اعتباره تمهيدا لمشروعك عن العقل العربي، أن الذات العربية الراهنة، تفقد استقلاليتها لكونها تنطلق من مرجعيتين متعارضتين منفصلتين عنها، إحداها تنتمي إلى الماضي العربي الإسلامي، الأخرى تنتمي إلى الحاضر والمستقبل الأوروبي، وسبيل تحقيق الذات العربية، التحرر من ذلك النموذج الإسلامي والعربي، قبل قليل، تتحدث عن الوهابية بوصفها بداية عصر التنوير رغم أن الوهابية كانت تنتمي إلى الماضي العربي الإسلامي الذي انتقدته في هذا المقطع من كتابك.
م ع ج: أنا لم أقل إن الوهابية كانت بداية لعصر تنوير، لأن عصر تنوير هذا مفهوم فرنسي-أوروبي، له معانيه الأخرى، لكن هي سلفية عندنا بمعنى أنها تحارب البدع والمحدثات، التي انحرف بها بعض الناس داخل الإسلام لتعود إلى ما كان عليه بداية جديدة، فالسلفية ليست تنويرا وإنما هي الرجوع إلى ما تعتبره أنوارا، فهمت، هذا من جهة، من جهة ثانية، عندما أحكم أو أتكلم عن السلفية أو عن الوهابية، وغيرها، أنا كباحث مؤرخ، وأؤرخ لماضيها، وليس لمستقبلها…
ت د: مقاطعا- فلا تحاسب على ما قلت.
م ع ج: أنا أتكلم عما وقع، أما ما سيقع فيما بعد باسم السلفية، أو باسم الوهابية أو باسم أي نظرية أو باسم أي الماركسية، أو باسم أي شيء، أنا لا أتكلم عما سيحدث، تكلمت عما وقع يعني، فكون السلفية الوهابية تطورت إلى هذا الشكل أو ذاك، ليس هو موضوعي، موضوعي هي البدايات الحركة في الحضارة، في التاريخ الإسلامي الحديث، ضد ما أعتبر بدعا، للرجوع إلى عصر كان أحسن وبالتالي إلى وضع أحسن.
ت د: إذن أنت تسلم أن الوهابية تطورت، أيا كان هذا التطوير.
م ع ج: الفكرة تطورت ربما خارج الوهابية لأن محمد عبده وجمال الأفغاني لم يكونوا، بن باديس، وغيرهم، لم يكونوا بهذا الشكل مرتبطين مع الوهابية، كانت للوهابية أصداء في شمال إفريقيا، والمغرب خاصة، كان محمد عبد الوهاب ومن جاء بعده، بعثوا رسائل إلى الملك مولاي سليمان المعروف عندنا في المغرب، وكانت الرسائل، وبعثت ودرست في القرويين، وأجيب عنها، يعني كان لها تأثير، وكان هنا ردود فعل، كانت هناك ردود فعل إيجابية وأخرى متحفظة إلخ، لكن أنا ما يهمني، هو أول فكرة لرفض الواقع، ووصفه بالتأخر، ووصفه بالإنحطاط، بالقياس إلى الماضي، وليس بالقياس إلى المستقبل الآن..
ت د: مقاطعا- إلى المستقبل الان
م ع ج: إلى الغرب هي الحرة السلفية الذي أعطاها، أفقا آخر مستقبليا بالقياس مع الغرب هو محمد عبده، بالأساس، وأيضا جمال الدين الأفغاني، وابن باديس كذلك حركة سلفية في المغرب، محمد العربي العلوي، علال الفاسي إلخ.
ت د: طيب
م ع ج: هذا من ناحية من ناحية أخرى، الذات العربية استقلالها معناه، أنه لا تحتاج ، لا إلى الماضي، ولا إلى الغرب لكي تثبت أنها لا حق في الوجود، أو لها كيان أو لها هوية، يعني تكون ممتلئة هويتها، بذاتها، هذا الإستقلال التاريخي، لا تحتاج لتستند إلى فلان ولا إلى فلان، يعني نفسها هي تتكلم من داخلها هذا هو المقصود، وهذه العبارة لغرامشي في الحقيقة، لأنه استقلال الذاتي هذا، يعني مصطلح وضعه غرامشي أي أنه الوعي الوطني يكون ممتلئا ومستقلا بنفسه لا يحتاج إلى أن يعتمد إلى أمور خارجية.
ت د: طيب
م ع ج: لا من تاريخ ولا إلى من الخارج، والواقع نفسه، يجب أن يملئ ويملأه بالإحساس والشعور، وبالتطلع إلى التغير.
ت د: جميل، سنواصل الحديث الدكتور محمد عابد الجابري، عن هذه القضية وقضايا أخرى بعد فاصل قصير، فاصل قصير أيها الإخوة والأخوات، نعود بعهد لمواصلة حاورنا في إضاءات وضيفنا الدكتور محمد عابد الجابري، فابقوا معنا.
ت د: حياكم الله في إضاءات مجددا أيها الإخوة والأخوات، لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الدكتور محمد عابد الجابري، الدكتور محمد كنا قبل الفاصل نتحدث عن الخطاب العربي المعاصر، عن مشروعك الذي تحدثت فيه عن العقل العربي، يعني تكوين العقل العربي، وبناء العقل العربي والعقل السياسي العربي، قلت في أحد مؤلفاتك أن سبب تأخر المسلمين راجع لكون العقل قدم استقالته استنادا إلى المشروعية الدينية، ففحين بدأ الأوروبيون يتقدمون باستيقاظ العقل، بينما المسلمون في صراع حول الخلافة، وصراع الفرق، وإن تقدم غير المسلمين إنما حدث حينما فصل الدين عن الدولة، هل يمكن أن نقول أن محمد عابد الجابري، يربط التقدم يري أنه منوط بتحقيق العلمانية؟
م ع ج: لا، أعتقد أن صيغة العبارة يجب أن توضح، يعني أخذ من نص طويل كبير إلخ، هذا شيء مفروغ منه، ما قصدته من كون الحضارة العربية والعلاقة بالدين والسياسة، هو موجود في التاريخ، هو أنه عندما بدأ الصراع، لنقل بين علي ومعاوية، وإن كان من قبل موجود، يعني زمن عثمان والصراع موجوع في العهد العثماني إلخ، في هذا الوقت هناك كلمة لابن العربي، الفقيه المشهور.
ت د: محي الدين؟
م ع ج: لا ليس محي الدين، هو الفيلسوف الصوفي، هذا العربي الفقيه، المالكي، المتشدد.
ت د: صاحب العواصم من القواصم.
م ع ج: فابن العربي، والأخر ابن عربي، هذا ابن العربي، قال أنه عندما انفصل العلماء عن الأمراء، وأصبح الأمراء، أمراء، أصبح الجند أمراء، والعلماء منفصلين يعني أصبح الدين والأخلاقية الدينية، منفصلة وأصبحت السياسة هي التي دخلت في الجسم الإسلامي في ذلك الوقت، حينئذ تغيرت الأمور، لأنه من قبل زمن أبو بكر، وعمر، إلى حد عثمان، كان الدين والسياسة شيء واحد، مما يعني أنه التصرف السياسي، كان يطلب من الفهم للقرآن مباشرة، يعني الفهم من القرآن فهم أخلاقي من دون مذاهب من دون، اجتهادات فردية، فكان العالم، هو في نفس الوقت.
ت د: العالم هو الحاكم.
م ع ج: لا، العالم ليس هو الحاكم ولكن كان بجانب الحاكم، أمراء، أمراء الجيش، كانوا فقهاء فلما انفصل الجند، والأمراء شيء والجند شيء أخر، أصبح الوضع مختلف فلما انفصل الحكماء الحكام بالسياسة، وتركوا المسجد للعلماء يعني، فمعنى هذا، إن شئت قلنا، إن الانقسام في الخلية الإسلامية، إذا استعرنا عبارة الخلية العلمية، فهذا الإنقسام، سيسمى فيما بعد بعصر الخلاف، والسلفية تقول الرجوع إلى ما كنا عليه السلف الصالح قبل أن نشوء الخلاف، فهذه الصورة، الماضية التي هي صورة، ممجدة في العقل العربي، في العقل الإسلامي، هذه هي الأصل بعدما حدث فيما بعد، هو صرعات تدخلت فيها السياسة.
ت د: يعني أصبح الصراع، صراعا سياسيا، ليس فقيها.
م ع ج: طبعا حتى المذاهب الفقهية والإنتاج الفقهي، والكلامي كثير منهم، بل أغلبه كان له اعتبارات سياسية، أو بيئية، مثلا أبوا حنيفة في العراق، اضطر إلى أن يستعمل الرأي أكثر من الحديث لأنه…
ت د: مقاطعا- في منطقة بعيدة عن مصادر الحديث.
م ع ج: في منطقة بعيدة عن مصادر الحديث، وإذن منطقة فيها أشياء مستجدة لم تكن في المدينة، وهكذا، الشافعي لما كان في بغداد، كان له …
ت د: مقاطعا- رأي مختلف عن رأيه لما كان في مصر.
م ع ج: فهذا ما وقع، ولذلك فالمسألة ليس مسألة جامدة، بل هي في تفاعل مع المجتمع، والسياسية، في الفلسفة العربية الإسلامية في علم الكلام، في الفقه والفروع، في الطائفية عموما، لعبت دورا كبيرا، وما زالت تلعبه إلى الأن.
ت د: جميل، دكتور في كتابك العقل السياسي العربي قلت “أن القبيلة والغنيمة والعقيدة، هي محدودات ثلاث”.
م ع ج: محددات.
ت د: أو محددات ثلاث حكمت العقل السياسي العربي الماضي و ما زلات تحكمه.
م ع ج: نعم
ت د: هل ترفض هذه المحددات الثلاث التي تحكم لك.
م ع ج: لا يعني أي…
ت د: أنت تقرأ، قراءة فقط، دون أن ترفض.
م ع ج: لا أنا أرى الواقع، والواقع الراهن، يزكي هذا التحليل الذي قمت به للماضي، فاليوم الصراع، في حالة الصراع العربي فيه، العقيدة، التي هي الطائفة الدينية، أو المذهب الفقهي أو كذا، أو كذا، وفيه الغنيمة، وهي المصالح فيه فقراء وأغنياء، وفيه استعمار، يجمع إلخ ويفرق.
ت د: إذا سمحت دكتور سأوضح هذا، وأترك لك المجال، أنك تقول أن المطلوب، هو تجديد مهام الفكر العربي اليوم، بتجديد العقل السياسي، ويتمثل ذلك فيما يلي:
١-تحويل القبيل إلى مجتمع منظم، مدنيا وسياسيا واجتماعيا.
م ع ج: نعم نعم نعم.
ت د: ٢- تحول الغنيمة إلى اقتصاد <ضريبة>.
م ع ج: نعم.
ت د: أو اقتصاد منتج.
م ع ج: نعم
ت د :٣- تحويل العقيدة إلى مجرد رأي ومن ثم التعامل بعقل إجتهادي ونقدي.
م ع ج: نعم، يعني بديل عن..
ت د: مقاطعا- إذا تحولت يعني، هناك من ينتقد هذه الفكرة فيقول، بأن العقيدة إذا تحولت إلى رأي فعندها سنقول كلك شخص أن يأخذ…
م ع ج: هذا ناتج فقط عن عدم الإتفاق على ما أعنيه بالعقيدة، وأنا شرحت في الكتاب أن ما أعنيه بالعقيدة، ليس هي النصوص الدينية، ذاتها، ليس هي الأحكام الشرعية، وإنما اعتقاد الناس ومعتقداتهم، في صحيح أو غير صحيحة، إعتقاداتهم الخرافية، واعتقاداتهم في غيبيات ما أنزل الله بها من سلطان، معتقداتهم في الأولياء وفي غيره، وفي غيره، هذه هي العقيدة، يعني فعل الإعتقاد هو كما يقال <اعتقد بالإعتقاد يضحي الإنسان بنفسه ولا يدري لماذا> فقط يعتقد، وهذا ليس في الدين مثلا من يعتقد…
ت د: مقاطعا- كل الإيديولوجيات.
م ع ج: من يعتقد في الصنم أو في الأوثان أو في..
ت د: حتى في الإيديولوجيات اليسارية والماركسية ونحو ذلك.
م ع ج: طبعا هذا شيء مفروغ منهم ولذلك فالعقيدة، الذي أقصد بها ليس مضمون العقيدة الإسلامية، أو غيرها ولكن فعل الإعتقاد نفسه، يعني ممكن الإنسان يكون، يعني متمسك بالعقيدة الإسلامية، ولكن يفهمها ويعيها عقليا بدون تعصب بدون، يعني كما كانت في الأصل.
ت د: طيب، إلى أي حد تعتقد أن المجتمع العربي يعني تحسن بالنظر إلى هذه التحولات الثلاثة، تحول القبيلة إلى مجتمع منظم مدنيا وسياسيا، وإجتماعيا الغنيمة إلى إقتصاد وضريبة، واقتصاد منتج، والعقيدة إلى مجرد رأي.
م ع ج: بالنسبة للعقيدة، كان هناك تحسب من الأفغاني وعبده إلى الخمسينات، عندما دخلت، يعني، النظرية السلفية، وإعادة التأويل وإعادة التفسير وإعادة الفهم، وكثير من الأمور كنت حلت مشكلتها، في وقت من الأوقات كانت الدنيا في مصر كلها تدعوا إلى السفور، مثلا، محمد عبده كان له رأي في الربا إلخ، لكن التطورات التي حدثت جعلت المجتمع العربي فكريا واجتماعيا، ينتكس إلى الوراء، يعني بالطائفة رجعت، كنا نسينا، أن هناك طوائف، أن هناك مثلا شيعة وسنة في العراق وغيره، يعني كانوا شعب واحد، ما كنا نعتقد ومقنعين أن نتخيل أنه في يوم من الأيام، مع أن لبنان بلاد الطوائف، دائما في انسجام، لكن عاد ما يسميها، بالمكبوت ، أي كان مكبوتا عليه،.
ت د: ثم انفجر.
م ع ج: ثم انفجر، كذلك فيما يتعلق بالغنيمة، فكان، الناس على كل حال في عهد الإستعمار، صابرين، لأن الإستعمار هو الذي كان يأخذ الثروات إلخ والمواد الأولية، وغيرها، لكن لما أصبح الوطنيون، هم أنفسهم، المواطنون هم أنفسهم، أصبح الفارق بين الفقير والغني يزاد، فوقع وعي بأن هناك اقتصاد غنيمة، يعني تغنم مصالح، تغنم الثروات لفائدة فئة دون أخرى، وهكذا، فالمسألة فيها أخذ ورد، الآن نحن في زمن عودة المكبوت هل سيكبت هذا المكبوت، أو سيصفى؟ هذا شيء أخر، المفروض هو أن يصفى، بمعنى أن يتجاوز.
ت د: ولذلك أن تقول سبيل النهوض فيما يتعلق بالعقل العربي، هو تجديد العقل العربي، وليس صحوة العقل العربي.
م ع ج: طبعا تجديد العقل العربي هو الصحوة، الصحوة واليقظة، هذه مفاهيم، يعني محدود، المعنى شخص نائم استيقظ، أما التجديد فهو، مستيقظ، ويتجدد وينمو في خلايا وفي جسمه كله، إذن هناك فرق، وكذا إذن فتجديد الفكر العربي، أو العقل العربي، هي عملية مستمرة، تتناول تجديد الأصول التي أقيم عليه التفكير القديم، في عصر الإنحطاط، وتجديد التفكري الذي أقيم عليه كثير من المذاهب الحديثة، بناء على فقط، على الأصل الغربي، يعني الذي قلناه، هذا الطرف، فالعملية يجب أن تكون إعادة بناء من الداخل.
ت د: جميل، دكتور المعروف أنه لدكتور محمد عابد الجابري، رأيا مختلفا عن معظم المثقفين العرب فيما يتعلق بالحركات الإسلامية، أنت تقول: نحن من نسمي بالمعاصرين والحداثيين ننسى أننا أقلية، لا نمثل سوى عشرة بالمائة، أكثر من ذلك يتناقص عددنا، الإسلاميون موجودون لأنهم هم الشعب، هل سنقول هم جميعا غير صالحين ونحن فقط الصالحون؟ وتقول أيضا في لقاء مع نيوز ويك العربية، المجلة الأمريكية بنسختها العربية، يجب أن نعطيهم الفرصة ونقول لهم، تفضلوا -أي الإسلاميين- احكموا وأرونا كيف ستحلون المشاكل، بالإسلام، على خلاف ذلك يرى تركي الربيع، في كتابه الحركات الإسلامية في الخطاب العربي المعاصر، بأنك ممن يحملون رؤية تآمريه تجاه تفسير نشوء الحركات الإسلامية في المغرب، كيف لنا أن نجمع بين هاتين، الرؤيتين؟
م ع ج: لا، أن يقول إنسان تآمري، أو أتآمر، يعني هذا محاكمة النوايا، وهذا غير مشروع، لا في الإسلام ولا في غيره، هل شق قلبي، يعني كما قال الرسول، هل شققت قلبه حتى يعرف أنني صحيح ما أقول، أم أنني باطني، أبطن شيئا آخر، هذه مسألة ليست للنقاش…
ت د: مقاطعا- هذا تحليله الشخصي، هذا تحليل تركي الربيع.
م ع ج: ليست للنقاش، لأنه قال هذا فأتركه، ولا أستطيع أن أناقشه في هذا، الطرف الأول من السؤال هو…
ت د: مقاطعا- أنه أنت تقول، أنه يجب أن نعطي الفرصة، للإسلامين.
م ع ج: طبعا
ت د: وأنثم الحداثيين، تمثلون الأقلية.
م ع ج: لا هذا سؤال طرح علي أول مرة، في ندوة تلفزيونية، بالمغرب، ومن طرف يعني صحافين مغاربة، وحداثيين أو دعاة للحداثة إلخ، فيعني في الفكرة، كما شرحتها، هو أنه النخبة الحداثية اليوم، في البلاد العربية، لا يمكن أن تقوم لوحدها، بالتجديد ولا بالحياة في البلاد العربية، لأن النخبة، في أي مكان و في أي زمان، هي علة قليلة، نخبة قليلة.
ت د: مقاطعا، لكن هناك من يراكم، منفصلون عن الشارع.
م ع ج: لا لسنا منفصلين، لست أنا منفصلا..
ت د: مقاطعا- النخبة، النخبة نتحدث عن النخبة..
م ع ج: فيه نخبة ونخبة، فيه النخبة التي ربما منفصلة عن الشارع، لأنه تقرأ كتبا، من الداخل أو من الخارج، وليست لها علاقة عضوية مع الشعب، أنا لا، نشأت منذ الخامس عشر سنة، إلى بلوغ الخامسة والستين، كمثقف عضوي حزبي، ومسؤول في حركة وطنية، في المغرب، وليس هناك في المغرب من يستطيع أن يناقش هذا…
ت د: مقاطعا- صحيح، ولا زلت تفتخر بهذا التاريخ..
م ع ج: طبعا لست أفتخر، من ماضي ورؤيتي، أشهد الله على أني كنت كذلك، فأنا لست مفكرا بالمعني أنني أخطط في الصراع، أنا أستنتج من ممارستي ومعاناتي، مع الناس وهذا، فإذا أردنا أن، خصوصا في المغرب مثلا كان هناك التجاهل ولا زال أنه يجب أن نغلب الفرنسية، حتى تسهل الحداثة عندنا، طيب، هل الحداثة نديرها نحن كأشخاص، عشرة بالمائة أو خمسة بالمائة، أو عشرين بالمائة، أو نريدها للشعب كله، فإذا كنا نريدها للشعب كله، فهل يمكن فرنسة الشعب كله؟.
ت د: متعذر
م ع ج: لا ليس واقعي، ليس واقعي، نحن يجب أن نبني الحداثة من داخل واقعنا، إذن ما اللغة التي يفهمها جل الناس.
ت د: يعني أنت تقر دكتور بأن الإسلاميين هم أكثر التصاقا بالشارع، ثمانين بالمائة.
م ع ج: طبعا الآن، انعكس الوضع، كان القوميون والماركسيون، كما نعرف جميعا، والليبيراليون في الخمسينات والستينات إلى السبعينات، كانوا هم المسيطرين على الساحة، مسيطرين على الساحة، كما يحدث دائما، الذين يسيطرون على الساحة هم أقلية منظمة، يسيطرون على الساحة، كما انتكس الوضع، برز اسلاميون بفئات قليلة، منظمة وسيطروا على الجميع، لكن الجميع، ليس إسلاميا، كما أن الجميع لم يكن كله حداثيا…
ت د: مقاطعا- يساريا..
م ع ج: يساريا أو غيرهم، الواقع يتغير، لكن في اللحظة التي كنت أتكلم فيها وربما يصدق هذا حتى على هذا الوقت، ما يمثله الحداثيون، يعني عشرون بالمائة، على أحسن الأحوال، ولكن عشرين بالمائة…
ت د: مقاطعا- هذه النسبة مبالغ فيها.
م ع ج: هذه نسبة كبيرة يعني، ولكن على العشرين بالمائة، نفسه، يعني لا يصدق عليها، قول الله تعالى {إن يكن منكن عشرون صابرون يغلبوا مائتين} ، هذا لا حاجة ثانية.
ت د: طيب، دكتور سنواصل حديثنا عن ما أشرت إليه قبل قليل من تاريخ محمد عابد الجابري، بعد فاصل قصير، فاصل قصير أيها الإخوة والأخوات نعود بعده لمواصلة حوارنا في إضاءات، والدكتور محمد عابد الجابري، فابقوا معنا.
ت د: حياكم الله في إضاءات مجددا، لا يزال حوارنا هذه الحقلة، مع الدكتور محمد عابد الجابري، الفكر المغربي، دكتور محمد، قبل الفاصل، كنت قد أشرت إلى تاريخك الوطني، في الستينات عملت يعني، ضمن الحركة الوطنية، مع الطاهر بن بركة…
م ع ج: المهدي، المهدي..
ت د: المهدي بن بركة عفوا،
م ع ج: في الخمسينات والستينات،
ت د: في الخمسينات والستينات، يعني هذه الحركة وجهت بكثير من القمع، ومعظم أقطاب هذه الحركة، وعلى رأسهم بن بركة، خرجوا إلى خارج المغرب، محمد عابد الجابري، كان يرفض أن يخرج من المغرب، لماذا كنت ترفض رغم أنك سجنت أيضا، لما كنت تفرض الخروج من المغرب؟
م ع ج: هو نعم يجب أن تكون المقارنة مع الفارق، يعني المهدي بن بركة، وتاريخه الوطني والسياسي، وسنه، أنا كنت صغير يعني، أنا بدأت معه في الصحافة وفي العمل الوطني وفي الشبيبة وعمري حوالي الثانية والعشرين، من عمري، هو في هذ الوقت قد ثار على حزب الإستقلال وثرنا معه كأتباع وكشبيبة إلخ، وشكلنا، وأساسنا، معه بتوجيه منه، وأصاحبه الأخرين، يعني معروفين، الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، هو الذي تطور إلى اتحاد اشتراكي، هو الذي بقي إلى بعد، المهدي بن بركة، غاب لم يكن مطرودا، في الحقيقة بقانون ولا بقضاء بل كان يضطر إلى غيبات مضطر، إضطرارية، يقيم في هذا البلد، وفي فرنسا، أو هذا أو هذا، مضطر يعني حفاظا على حياته، والمؤامرات التي كانت تحاك، فالمغرب اجتاز ظروفا صعبة، وأخر ما غادر المغرب في جوان-يونيو ١٩٦٣، وأنا في مكتب الجريدة كمسؤول عن الجريدة، الأخ عبد الرحمان اليوسفي، وأقنعناه بالصعوبة أن يغادر، لأنه كنا سمعنا وكنا ونعرف في استخباراتنا، أننا سنهاجم بدعوة مؤامرة معينة، يوم ١٦ من الشهر المقبل، فقلنا للمهدي لا بد أن تخرج، أنت مستهدف، أنا لست كنت مستهدفا، يعني لم أكن زعيما…
ت د: القضية ليس فيها بطولة، يعني لم تكن مستهدفا ولذلك بقيت.
م ع ج: لا، ثم لم يرد في المحاكم، ولا في شأن الشرطة، أنني شاركت في تنظيم من التنظيمات المتهمة، أو من هذا النوع، وأنا كنت مطمئن إلى نفسي، ولذلك أنا لم أهرب، هناك من الإخوان من غادروا من أجل أن الانخراط في عمليات التنظيم السياسي في المغرب، أو ما أشبه ذلك، لكن أنا كانت مهامي في الجريدة، واضحة مسؤول على جريدة الحزب وأمارس الكتابة بكل ما أستطيع من جهد، وتحجز الجريدة يوميا، وأنا أعيد إصدارها نحن ورفاقي إلخ، فلم يكن هناك داع بالنسبة لي كي أخرج، لا من أجل المهمة المستقبلة، ولا بسبب أوضاع داخلية، أنا كنت واضحا، أكثر من الوضوح.
ت د: جميل، دكتور، يعني أشرت دكتور محمد عابد الجابري إلى أنك كنت منخرطا ضمن عمل حزبي، وقد كان الحزب الاشتراكي، على علاقة جيدة بحزب البعث العربية، إلى أنك رغم ذلك، رفضت جائزة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي قدمت لك، رغم أن هناك صلات قوية بين حزبك وحزب البعث.
م ع ج: هذا في الحقيقة شيئأن مختلفان، علاقتي أنا بالحركة القومية العربية، كانت عبر الحزب الذي أنتمي إليه، والذي أنا من أعضائه القيادين، والذين ساهموا في تأسيسه، والبعض في الشرق العربي، أحيانا يفهمون الأمور، غلط عندما يسمعون تتكلم العربية، تعمل شعارات يظنون أنك أنت، منهم، لا يعني، نحن عرب، لكن نحن حزب سياسي، وعندنا مشاكلنا الداخلية، وغيرها، وغيرها.
ت د: لكن هذا فقط في الشرق أو المغرب العربي، لا يفهمون هذا.
م ع ج: لا في المغرب العربي..
ت د : يفرقون بين الجانبين.
م ع ج: طبعا مسألة مفروغ منها.
ت د: يعني في المغرب العربي أنتم أكثر فهما للنظرية، الحزبية من المشارقة.
م ع ج: طبعا كنا نتعامل مع حزب عبد الناصر اتحاد الإشتراكي، أو مع حزب البعث وغيره، نحن حركة تحتاج إلى إعانة، تحاج إلى تأييد دولي، عندنا قضايا الصحراء، عندنا قضايا أخرى، وطنية سبة ومليلية، وعندنا قضايا ديموقراطية في البدل، فكنا نتعاون من شأن أهداف بدلنا، وللعالم العربي كله، ولم نكن حلفاء سياسيين داخل العالم العربي ككل، لا.
ت د: ولذلك رفضت الجائزة؟
م ع ج: لا الجائزة عندما جاءت طلبوا مني قيادة الحزب، أن أترشح، أن أوقع استمارة الترشيح، يعني أنا أولا انتبهت إلى استمارة الترشيح، فيها تخصصات ليس فيه فلسفة، فكتبت لهم، أنه لي تخصص وهو الفلسفة، وهذه الجائزة، لا تنطوي على هذا التخصص أنا أعتذر.
ت د: قالو لك سنوجد هذا التخصص؟
م ع ج: طيب هذه مسألة بدأت مصطنعة فاعتذرت مرة ثانية.
ت د: ألم تقع في حرج من اعتذارك.
م ع ج: لا، لا معي ولا معهم، لأني ذهبت عندهم، وزرت العراق في الواحد والتسيعين، والتسعين وأصدقائي المثقفين، وغيرهم ،من المثقفين، لم يكن لهذا الأمر شيء من ردود الفعل، وكما أنني دعيت ألف مرة لمهرجان المربد، ولم أذهب، ولم يكن هناك ردود فعل، بالنسبة لي على الأقل فيما أعلمه وما أعاني وألمس، فالحقيقة ليس هناك…
ت د: أيضا أنت اعتذرت دكتور محمد عن جائزة قدمت لك من العقيد القذافي زعيم الثورة الليبية.
م ع ج: هو ليس من العقيد كشخص، لكن من اللجة المكلفة بجائزة القذافي لحقوق الإنسان.
ت د:، طيب هل عندك موقف مثلا من الجوائز التي تقدم من الزعماء.
م ع ج: لا، ليس موقف من الزعماء، أنا أعتقد أنني إذا كان مانديلا من قبلي، و بن بلة من قبلي، مباشرة، قد أخذ هذه الجائزة، بنضالهما لحقوق الإنسان، أنا وجدت نفسي لم أقم بمثلهما في هذا المجال، يعني ما الذي…
ت د: كان تواضعا منك يعني
م ع ج: لا، واقعيا أنا يعني لم أكن في صف بن بلة، أو في صف مانديلا، يعني أتعدى على حقوق الإنسان، في حين هناك أناس، في المغرب، وغير المغرب كانوا في لجان حقوق الإنسان، واضحين وعاملين ومنظرين ومناضلين أما أنا في هذا الميدان كتبت كتابات، لكن وجدت نفسي أنني لا أستحقها.
ت د: جميل، دكتور يعني، أنت على جانب بعض الإنتقادات التي تعرضت لها، أطروحة الدكتور محمد عابد الجابري من ذلك ما يقوله الشاعر السوري أدونيس، <إن الجابري لم يقدم أي فكر جديد في كل دراساته وإنما صنف أكاديميا، ما قاله الذين سبقوه واستفاد من المناهج الغربية>، طه عبد الرحمان يقول أيضا يأخذ عليك أنك تقول الكتاب ما لم يقولوا، ويقول إن الجابري يسيء التصرف في النصوص ولديه فساد التعريف، وفساد التصور والسقوط والتناقض، وعدم تحصيل الملكة في العلوم الثورية والمنهجية، والعجز عن نقد وتمحيص، الآليات الإستهلاكي، كيف ينظر محمد عابد الجابري…
م ع ج: ما ذكرته ما سمي بأدونيس لم أسمعه بأذني، ولكن سأبني على ما أسمعه الآن فإذا كنت إنما قمت فقط بالتصنيف بالمنهجية، فالفيلسوف هذا دوره، الفيلسوف لا ينتج حقائق، يصنف تصنيفات جديدة.
ت د: إذن أنت لا تعترض عن هذا..
م ع ج: هذا إذا كان يرى في نقصانا فليعلم أن الفلسفة هي هذه، الفكر الفلسفي هو التصنيف، وهو التجديد المنهجي، أما الإتيان بحقائق جديدة، هذا ليس بحقائق جديدة، الحقيقة الجديدة تظهر فيما بعد بنتيجة العملي التصنيفي والمنهجة الجديدة فهذا سؤال في النهاية بالنسبة للمارس الفلسفة وغيره، يجده شيء طبيعي، أما بالنسبة لسؤال الأخ طه، أنا لو كنت في مكانه وأردت أن أصفه بما وصفني لقلت أنا لا أفهم الجابري ولا أفهم ما يفهمه الجابري، وأظن أن الجابري لا يفهم ما أفهمه، ويكفي.
ت د: يعني سوء فهم.
م ع ج: لا أنا أفهم شيء، وهو من حقه أن يفهم شيء، لكن ليس من الضروري أن أفهم ما يفهم، وأن يفهم هو ما أفهم.
ت د: فيه رؤى مختلفة.
م ع ج: وهذا ضروري، لماذا يسمى فلانا طه، وفلان الجابري، لما يسمى فلان مثقف، المثقفين هم أناس كل واحد له شخصية، له فردانية له أراء له مذهب، وهو حر فيه ويحاسب من داخله، يعني المسألة؛ مسألة فهم، أنا لا أفهمه، قد لا أفهمه وقد لا يفهمني، وهذه المسألة يعني لماذا يختلف الفقهاء ويختلف الناس ويختلف الفلاسفة.
ت د: هناك أكثر من أربعة أو خمسة كتب طبعت، يعني في بلدان الشام، تحديدا في بيروت والأردن، ونحو ذلك كلها تتعرض لأطروحة الجابري في العقل العربي معظمها ينتقد أطروحات الجابري، كيف ينظر محمد عابد الجابري لهذا النقد، هل يدرسه؟ هل يتناوله هل؟ هل يتعاطى معه أم يقف موقفا سلبيا منه؟
م ع ج: لا هذا، أنا شخصيا، يعني لا أقول هذا افتخارا أو مجاملة، يسرني أن تكتب عني أربعة كتب وأنا ما زلت حيا، ربما قبل أن نغادر الدنيا، ستكتب أكثر، لكن..
ت د: ممتعة على الصعيد الشخصي.
م ع ج: لكن إضافة إلى هذه الكتب التي انتقدتني، يعني لعلك تعرف، القراء يجب أو ينبغي أن يعرفوا، أم مئات شهادات الدكتوراه في العالم العربي، في أوروبا، في اليابان في أمريكا، في كل مكان، تكبت عن أعمالي، تنتقد..
ت د: مئات.
م ع ج: مئات وأنا أتابعها، في كل مكان، فكون هذه الأطروحات الجامعية، وتوجز، تنتقد وتنوع هذا لا يهم، لكن المهم، يعني أن يكون الإنسان حاضرا، بهذا الشكل…
ت د: مقاطعا- أن يكن مساهمة ما بشكل فعلا في الحراك الثقافي.
م ع ج: يعني دليل على أنه يؤدي مهمة.
ت د: دكتور جورج طرابيشي، قال إن مشروع الجابري نقد العقل العربي بأجزائه الثلاثة الأولى ليس كتبا يثقف بل هو أيضا كتاب يغير، فمن يقرأه لا يعود بعد قراءته كما كان قبل قراءته، لكنه أيضا-أي طرابيشي-يتهم الجابري، يتهمك بأنك انتصرت للبيان السني ضد العرفان الشيعي، ما تعليق الدكتور محمد.
م ع ج: هو الفقرة الأولى التي ذكرتها، يغير إلخ..
ت د: لا يثقف بل يغير.
م ع ج: كتبها مباشرة بعد صدور نحن والتراث، ما بين صدور نحن والتراث، وكتابته لهذا الكلام الأخير، حدثت أمور، لا أريد أن أتكلم فيها، والذين حضروا اجتماعاتنا وندواتنا، يعرفون، وأنا كتابات طرابيشي لم أقرأها ما عدا كتابه الأول قرأت المقدمة بعض أسطر، ولما وصلت إلى عبارة يقول فيها <لقد أصبح الجابري يسيطر على العالم والفكر في العالم، فلنحاربه، ولننزله من على عرشه> يعني، وضعت الكتاب جانبا إلى اليوم، ولم أعد أقرأ له
ت د: لماذا أحسست بأنه يعني..
م ع ج: يعني عندما يقول الإنسان يجب أن ننزله من عرشه، أنا لست في العرش، هذ الكلام يعني مسؤول، لا يحتاج إلى، ربما يحتاج إلى تفكري من عنده.
ت د: جميل، دكتور، آخر كتب الدكتور محمد عابد الجابري، كان على القرآن الكريم، وهو “مدخل إلى القرآن الكريم”، بعص الدارسين ذهبوا إلى أن هذا الكتاب، وهو آخر كتبك جاء مختلفا عن منهج الجابري، فهو لا يحتوي على جديد وقال بعضهم، أن عقلانية الجابري الرشدية تحولت فجأة إلى سلفية، وهو أن ما انتهى إليه الجابري هو ما ابدأ به كبار المفسرين، والعلماء كالقرطبي، وعلماء التفسير، بل وابن تيمية، هل ترى أنك اختلف عن منهجك في هذا الكتاب؟ ثم في الختام لماذا اخترت الأمير طلال بن عبد العزيز لتهديه هذا الكتاب؟
م ع ج: لا، الموضوعان مختلفان، هو الكتاب…
ت د: لكنهما يتحدثان عن كتاب واحد.
م ع ج: كتاب المدخل إلى القرآن، ومن بعده تفسير القرآن حسب تريب النزول، هذا، أعتقد أن ما صدر لا يكفي لفهمه، لأن ما قلته في مدخل إلى القرآن كله كلام لم يكن حاضرا، في الثقافة العربية المعاصرة، ولا يستطيع أن يقدر الإنسان مدا أهميته إلا بعد وقت وكذلك صدور الجزء الأول من التفسير لا يكفي لكي …
ت د: كم جزء تنوي أن تصدر.
م ع ج: ثلاثة أجزاء، يعني في القرآن المكي، وجزء في القرآن المدني حسب التنزيل، وبمساوقة بين مسار التنزيل ومسار الدعوة، هذا شيء جديد طبعا ولا أعتقد أنه، هناك من يفهم طبيعة التفسير، لا يعزف الجديد فيه جدا، لكن في الثقافة المعاصرة، والذين قرأوا للجابري كمثقف، يعني يتكلم عن هيغل، وماركس وهكذا، سيجدون هذا غير وهذا غير، طبعا هذا غير وهذا غير، أنا أستعد أيضا لأكتب عن ماركس وعن هيغل، إذا دعتني الضرورة، الطريقة التي كتبتها ربما أحسن، لكن نكتب عن القرآن، لازم أحترم النص، هذا فصلته في مقدمة نحن والتراث، في أنه يجب أن نطاوع، نجعل منهجنا مطاوعا ومفرداتنا إلخ، مطاوعة للنص، أيا كان فلسفي أو ديني أو غيره، لا أن نجعل النص مطاوعا لقوالبنا الجاهزة.
ت د: ما أثير من لغط حول إشارتك في أحد المقالات التي كانت جزء من الكتاب إلى نقص أو تحريف القرآن، ثار كثير من الجدل حول هذه القضية.
م ع ج: هذه المسألة فيها شيء من المهنة الصحافية، التي تغلب فيها الرغبة في السبق الصحافي
ت د: حول الإثارة.
م ع ج: الإثارة، أو السبق الصحافي، فمقالة منتزعة من فصل في الكتاب يعني نشرتها، وسريت عليها مقالة أخرى، لما جاءت هذه المقالة، وقفت عند ويل للمصلين، والذين هم عن صلالتهم ساهون إلخ، سيأتي في المقال الثاني.
ت د: تقصد ما سقط وقيل عن القرآن ما قال وسقط.
م ع ج: أوردت ما قيل ولم أقل أنا شيئا.
ت د: أنت تستعرض الأقوال ثم تقول بعد ذلك.
م ع ج: أبديت رأيي فيما بعد، ورأيي كان إيجابيا أكثر من الذين انتقدوني.
ت د: آخر شيء لماذا أهديت الأمير طلال كتابك؟
م ع ج: يعني الكتاب في النهاية كما قلت لم يسبق لي أن أهديت أي كتاب لأحد من كتبي التي قد بلغت واحد وثلاثين كتابا، لكن مع هذا الكتاب شعرت فعلا أنه علي دين لا بد أن أصرح به، فكان الإهداء لثلاثة أشخاص، أقدر أنهم، لهم فضل كبير في هذا الذي قمت به، زوجتي التي تكفلت بشؤون البيت، و بالأولاد..
ت د: ساهمت في تفرغك.
م ع ج: يعني التفرغ الكامل، قامت بكل شيء هي، عندما أصبت بمرض في الأردن ويعني، مشاكل صحية، كبيرة أدخلت إلى مصحة الملك حسين وتقرر أن يفتح لي قلبي بعد أن كنت في فرنسا وكان الرأي بالعكس، وكنت في ندوة في وضع لم أستطيع فيه الكلام فبعض الأصدقاء منهم، سميك عبد العزيز الدخيل، وبعض الإخوان، وفريد العلاقي إلخ، لست أدري كيف أخبروا الأمير طلال، ولم أكن أعرف الملك طلال ولا أعماله، فإذا فرضوا علي فرضا أنني أذهب إلى<مايو كنينيك> يعني بورقة طائرة.
ت د: يعني تبرع الأمير طلال بعلاجك.
م ع ج: هو يعني، عرفت فيما بعد هو تكفل وأعطى أوامره وتكلف بجميع… فذهبت إلى <مايو كنينيك> خمس مرات، مرة بسبب المشاكل القلبية، مرب بسبب يدي التي كانت مهددة بالشلل، مرة أخرى بسبب عيني التي كانت انفجرت فيها الشبكية، فهذا الرجل أنفق من ماله، والمهم ليس هو المال، لكن هو الإرادة والتتبع، والحرص فهذا يعني لا بد يستحق أن نرد له بعض الجميل، فهو ساهم في هذا الإنتاج لأنه لولاه، ولولا هذه المبدرات التي قام بها، ربما كنت غير متمتع بالصحة التي وصلت بها هذا المشروع.
ت د: نتمنى أن يديم عليك الصحة، شكرا لك دكتور محمد عابد الجابري.
م ع ج: بارك الله فيك.
ت د: شكرا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات لمتابعة هذه الحقلة، من إضاءات حتى ألقاكم في حلقة مقبلة، هذا تركي الدخيل، يترككم في رعاية الله وحفظه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Source : https://dinpresse.net/?p=5169