محمد زاوي
في كتاب “التاريخ الخفي للإسلام” لصاحبه أولاف ومترجمه عزيز العساوي (مطابع الرباط، الطبعة الأولى، 2019) رواية مثيرة وغير معهودة، وتكاد تجعل تاريخ الإسلام والمسيحية واليهودية تاريخا واحدا، وتكاد تقول ـبل تقول-إن تاريخ القرآن هو تاريخ العهد القديم، كما أنه هو نفسه تاريخ العهد الجديد الذي جاء بعده. في هذه الرواية تتحول البعثة النبوية إلى حركة يهودية-ناصرية تسعى إلى فتح القدس وتخليصها من البيزنطيين وبناء الهيكل بها. فلما تحقق ذلك لم ينزل عيسى كما كانت عقيدة الفاتحين، فعرفوا حقيقة الخدعة اليهودية. هنا سيبدأ تاريخ الإسلام، ليس مع النبي الذي كان فاتحا وقائدا لليهود-الناصريين، وإنما مع عمر بن الخطاب الذي أطلق على نفسه لقب “أمير المؤمنين”.
ويقول أولاف إن اليهود الناصريين (نسبة إلى مدينة ناصر بفلسطين) “كانوا يعتبرون أنفسهم هم المسيحيون الحقيقيون في مقابل أولئك الذين اتبعوا رسل المسيح، ولكنهم يرفضون صلب وقتل المسيح وقيامه، كما أنهم ينكرون طبيعته الإلهية. فهم يعتقدون أن المسيح رفع إلى السماء ولذلك فهم ينتظرون عودته من جديد انطلاقا من تأويلات لما كتبه رفاق المسيح وتلامذته، خاصة تلك التي تقول أن “المسيح قام من بين الأموات”، وتعطيها معنى ماديا وحربيا، ونتصور عودته بشكل فعلي كقائد عسكري ليعيد بناء الهيكل على أرض الواقع” (ص 39). وكانوا “يعتبرون أنفسهم هم اليهود الحقيقيون والمسيحيون الحقيقيون”، وينكرون على اليهود الذين اعتنقوا المسيحية بأنهم “خالفوا تعاليم المسيح” (ص 40). وقد تحطمت هذه المعتقدات كلها بتحطيم الرومان للهيكل عام 70 م، وجراء القمع الذي مارسوه على اليهود الناصريين، ففروا نحو الشمال (سوريا) (ص 70). هنا ستبدأ رحلة جديدة من الرغبة في الانتقام، والعودة إلى القدس (أورشليم) وبناء الهيكل من جديد. وفي خضم هذه الرحلة سينتقل العرب من مجموعات يعتمدها اليهود الناصريون في الحرب على البيزنطيين، إلى معتنقين لعقيدة اليهود الناصريين (انتشار هذه العقيدة بفعل تراجع عقيدة النقاء العرقي أمام الغرض السياس= الرجوع إلى أورشليم).
يدّعي صاحب هذه الرواية، أولاف، أن ما يقوله تدل عليه وثائق مكتوبة وقد عايش أصحابها خروج محمد في قومه. ومن ذلك “كتاب للمؤرخ البيزنطي سيبيوس مكتوب بالآرامبة يشير إلى (حدث الهجرة إلى يثرب) وخاصة لقاء محمد باليهود الناصريين بيثري ما بين سنتي 625-627 م. يقول سيبيوس (عاش في فترة النبي محمد وأرخ لها): “في هذه الفترة كان هناك شخص اسماعيلي (أي عربي) يدعى “امحمد” أو “مهمين”، يعمل في التجارة. وكان يقدم نفسه باعتباره مبعوثا لهم بأمر إلهي، ليرشدهم إلى الطريق الحق ودين الله الإبراهيمي. لقد كان عميق الدراية بتاريخ موسى” (ص 53)؛ وقد وعد اليهود الناصريين في خطاب موجه إليهم بقوله: “استعدوا لاسترجاع أرضكم التي وهبها الله لأبيكم إبراهيم” (نفس الصفحة).
ولا ندري هنا هل النبي محمد (ص) هو من تأثر بدعوة اليهود الناصريين الذين وحدهم في يثرب، أم هو من دعاهم إلى دعوته؟ أما إذا كانت دعوته من دعوتهم وقد كانت منتشرة فتلقاها في الجزيرة العربية من الحنفاء واليهود الناصريين ايام تجارته بالشام؛ إذا كان الأمر كذلك فلماذا يعرض عليهم ما يعرفونه ويعتنقونه؟ وإذا كانت الرسالة واحدة لا تتميز عند النبي إلا بإبراهيمية الحنفاء فلماذا رفضت طوائف يهودية الرسالة المحمدية؟ وإذا كانت الشريعة واحدة فلماذا كان الغدر اليهودي في المدينة، وما نعرفه جميعا من صراع ومعركة بينهم وبين النبي (ص)؟!
لا تجيب هذه الرواية على هذه الأسئلة، فربما ما يهمها هو المؤدى، وهو هنا إيديولوجي سياسي يتجلى في:
-تجريد الإسلام من خصوصيته العقدية والأخلاقية والتشريعية، لفائدة مشاريع فوضوية وتحريفية ك”الإبراهيمية الجديدة”.
-تأكيد ادعاء الاستمداد الإسلامي من اليهودية والمسيحية، ما ينفي وحيانيته ويجعله مجرد تركيب وفق الشرك التاريخي النبوي.
-التأسيس لمنطق جديد ودخيل في النظر إلى المنطقة التي هي في حقيقتها منطقة عربية إسلامية، وكل رهان على دين جديد وقومية جديدة فيها فهو أطروحة استعمارية.
-خلق نوع من الاضطراب الفكري في ارتباط المسلمين والعرب بعقيدتهم الإسلامية التي هي خاتمة الرسالات واستراتيجية عقدية واجتماعية للعالمين أجمعين.
إن المؤدى الإيديولوجي يحرم الباحث من تقصي كافة الأبعاد والمعطيات والأسئلة، فتكون الوجهة واحدة يحكمها هذا المؤدى.
(يتبع)