ادريس عدار
يتوفر أبناء الوهابية السرورية على قدرة خارقة في قلب الحقائق. لا يسلم من أفاعيلهم التاريخ ولا الجغرافية. وبما أن الجغرافية تسعفهم اليوم في التمدد فإنهم يكتبون تاريخا يليق بمكتسبات اليوم ومتطلبات الصفقات. لم تلجأ مجموعة بشرية أو جماعة لهذا الكم من التزوير غيرهم. هناك تكثيف للعب. لم يعد اليوم أكثر منهم ديمقراطية وهي عندهم بمنسوب طائفي خبيث. أكثر الجماعات إقصاء تتحدث اليوم عن الحرية وحق الآخر. لكن الآخر الذي يوافق مزاج تحولاتها السياسية والفقهية حتى لو كان بعيدا عن السياسة والفقه.
تساءل بلال التليدي، وهو بالمناسبة أكثر المدافعين عن بنكيران مؤسس المجموعة المندمجة من الإسلاميين، (تساءل) عن مصير أتباع شيوخ السلفية الجهادية بعد خروجهم من السجن، عقب حراك الشباب، وخرم سؤاله بإقحام المغراوي في حديثه، الذي قال إنه تم القضاء عليه بعد فتوى “تزويج بنت التاسعة”، وقد كان أقرب إلى العدالة والتنمية.
علاقة القرابة أكبر من الكاتب نفسه لأنها تعود لوقت طويل. لقد كان المغراوي على صلة بعبد السلام ياسين، مؤسس العدل والإحسان، تم وقع بينهم شقاق أبدي تم ختمه بمجموعة كتب في مرشد الجماعة. أما أبناء العدالة والتنمية، الأداة الوظيفية للتوحيد والإصلاح، فكلهم يعتبرون أنفسهم تلاميذ للمغراوي.
لما أصبح مصطفى الرميد وزيرا للعدل والحريات في حكومة بنكيران ذهب برجليه إلى مقر جمعية الدعوة للكتاب والسنة، وتمنى لو أنه كان طالبا لدى المغراوي على أن يكون وزيرا، رغم أنه لا شيء يمنعه من ذلك. وكتبت حينها مقالا عن الوزير الوهابي. ولما زار المغراوي بنكيران بمنزله بالرباط قال له: اضمن لي الدفاع عن الإسلام أضمن لك الحكم إلى يوم القيامة. المغراوي يقصد بالإسلام هنا “الدعوة الوهابية”.
تختلف الوهابية عن الوهابية السرورية في كثير من الأمور. وبالمناسبة فالوهابية السرورية هي نسبة إلى زين العابدين سرور، الذي توفي قبل سنة في الدوحة عاصمة الربيع العربي، وهو شيخ بنكيران في العقيدة. لقد دخل إلى المغرب في بداية تأسيس المجموعة المذكورة التي كانت تُعرف بالجماعة الإسلامية، وجاء باسم مستعار “عبد الله الغريب”. سرور أثر كثيرا على توجهات “الإخوان”. وحمل معه كتابه “عودة المجوس”، الذي وزعه بنكيران على نطاق واسع سواء في مكتبة كان يملكها، او عبر الجماعة الإسلامية حيث تم إقراره في منهجها التعليمي.
تلتقي السرورية مع الوهابية في المنهج العقدي، وقبل أن ينفتح أبناء الجماعة على كتابات منير شفيق ويحفظونها مثل القرآن، والانفتاح على بعض كتابات الاتجاه الإسلامي، التي أكد رئيسها راشد الغنوشي ولاءه للوهابية عبر كتابه “القضاء والقدر عند بن تيمية”، وهناك ما يفيد اشتغاله لحسابها في منطقة المغرب الكبير، (قبل) ذلك لم يكونوا يقرؤون سوى كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب وما يحيط به من شروح.
وقبل أن يلج أبناء الجماعة العمل السياسي اضطر سعد الدين العثماني لتجميع كتيب سماه “فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام بن تيمية”. طبعا لا توجد موسوعة تكفيرية أكبر من هذا الشيخ.
والآن نتساءل: أين ذهب أتباع الوهابية السرورية؟
ما قاله الكاتب عن أبي حفص قلناه قبله، ولديهم قدرة على التقاط الأشياء والركوب عليها وتجاوز الجميع. لكن ما يؤاخذه على رفيقي يؤاخذ عليه أيضا.
إذا كان من اللازم أن نسائل أبي حفص عن أتباعه وأين اختفوا وعن مصير أولئك الذين ذهبوا إلى بؤر التوتر، فإن حركة التوحيد والإصلاح وأداته الوظيفية العدالة والتنمية تلتقي مع شيوخ السلفية الجهادية، من بقي منهم متمسكا بمبادئه ومن طلقها، في مساندة الجماعات الإرهابية بسوريا على أقل تقدير. لقد أرسل الحزب أبناءه إلى مناطق حدودية يقودهم موظف بالبرلمان، ولما عادوا تم تنظيم مهرجان تكريمي لهم ترأسه مصطفى الخلفي وكان حينها وزيرا للاتصال.
ليس في القصة ما تزايدون به على شيوخ السلفية الجهادية. لكن يبدو أن الكاتب كان يريد القول إن الدولة سوف تندم لما حالت بين هؤلاء الشيوخ وبين العدالة والتنمية. لم يأت بما يبرر به هذه القضية. لكن هذا مفهوم كلامه.
وحبل الود بين بنكيران ومن والاه والجهاديين ممدود لا ينقطع. قال وهو في غمرة فوزه بالانتخابات التشريعية سنة 2012: ينبغي إطلاق سراح هؤلاء الإخوة ليعلمونا على الأقل على العقيدة.
“الزعيم الوطني”، بتعبير بلال في كتابه، يعرف أين ذهب أتباع السلفية الجهادية. لكن يعرف أين ذهب أتباع الوهابية السرورية..وقبلهم أتباع السلفية التقليدية، الذين فضلوا التنظيم والانتظام مثل مجموعة عبد المالك زعزاع ومحمد العربي بلقايد عمدة مراكش الحالي.
كل هاته الأفواج التي تدربت في عشاش الوهابية السرورية ما زالت موجودة. هذا التيار غير جلده دوليا. فكان طبيعيا بمن لا ينتج أية فكرة أن يغير أيضا جلده. تعويض القميص بالبدلة العصرية وربطة العنق، وتعويض دولة الخلافة بالعمل الديمقراطي تم الركوب على كل ذلك من خلال التمكين عبر الصفقات، التي أتاحها الربيع العربي.
من خلال عملية التمكين أصبح أتباع السرورية في كل مكان. منهم وزراء ورؤساء جهات وجماعات. يلبسون ربطة العنق ويحلقون لحاهم. لكن بمجرد ما يتخلصون مما هو رسمي يعودون لكتاباتهم الأولى يمتحون منها. من أين خرجت تدوينة الوزير السابق نجيب بوليف حول تحريم القروض النتعلقة ببرنامج انطلاقة؟
في المنعطفات الصعبة تلتقي الوهابية بالوهابية السرورية بالإخوان المسلمين بالسلفية الجهادية. وكانوا جميعا من مساندي الثورات اللقيطة التي دمرت الشعوب في الشرق.
وكمن يعزف على الكمان البلدي ويرد عليه صاحبه بالدف، وفي سياق تزوير التاريخ قال إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إنّ ممارسة السياسة في المغرب، انطلاقا من حزب حقيقي، همه الوحيد هو مصلحة البلاد، أصعب من ممارسة السياسية خلال ما سمي بسنوات الرصاص.
فعلا هي صعبة على لم يؤد ضريبة هذه السنوات. وهي صعبة على من كان تحت عباءة إدريس البصري بل من خدمة أحد ضباطه. فاليوم لما اتضحت الأمور أصبح العمل صعبا. أن تبعث رسالة لوزير الداخلية كي يسمح لك بمواجهة “أعداء الله”، كما كنت تسمي الشيوعيين، أسهل بكثير من تدبير الشأن العام وتفشل فيه.
متى ساهم الحزب في رفع هذه السنوات؟ نعرف أن اليسار وحده من كان يناضل وفق منظوره في اتجاه إقرار ديمقراطية بالمغرب. وتواضع الجميع على نسيان الماضي وبناء المستقبل. والحزب لم يكن من الماضي ولا هو في مستقبل البلد، هو فقط في حاضر التمكين. وفي هذا الحاضر يوجد أتباع الوهابية السرورية. ولا يمكن التغطية عليهم بإحداث الضجيج عن السؤال حول أتباع السلفية الجهادية.
وتجدهم في كل مكان بعد أن غيروا مواقعهم وأسماءهم. وهم اليوم تحت عناوين علماء وباحثين ومفكرين يسطون على منصة علماء المغرب من قبيل ما وقع في ندوة جمعية الدراسات الإسلامية بالقنيطرة التي حضرها مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، ومر بجانبه دعاة التوحيد والإصلاح المتطرفون ومنهم تكفيريون مثل محمد بولوز.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7276