زكرياء العزوزي
ونحن نعيش في أعقاب ثورات الربيع العربي، وماتشهده الكثير من البلاد العربية من مظاهرات وصراعات وحروب، تتزايد فيها أهمية الوعي السياسي والديمقراطي بين جموع الشباب، باعتبارهم القوى الدافعة لحركة التغيير وتقدم المجتمعات العربية. إن أول من تقع على عاتقهم هذه المسؤولية، هم الأحرار من المثقفين والنخب العلمية والاجتماعية، لزاما عليهم أن يعطوها الحظ الوافر من الرعاية والاهتمام، بكل الطرق الممكنة لتشمل جميع المجتمع وخاصة شبابه، فحاجتهم للوعي الفكري والسياسي أشد من حاجتهم إلى غيره. فإن عزوف شبابنا عن قضايا الأمة وإصلاحها ومشاركتهم السياسية، لهو نتيجة حتمية للفشل الذريع لبعض نخب الإسلاموية في تحقيق الحد الأدنى من تلك المطالب والوعود التي قدمت للمجتمع. فهذا لايبشر بخير على جميع المستويات، فقدان المصداقية وانتشار الفساد يصحبه تجاهل صراخ ومعاناة الناس، قد يدفع الجميع ثمنه.
لذلك نرجو ونأمل من الشرفاء والغيورين على مجتمعاتهم، أن يقفوا وقفة محاسبة ومصالحة جادة تعيد الأمل وتجدد العزم وروح البذل والعمل لتحقيق المصلحة”الوطنية” العامة.. وقطع الطريق على العدميين أصحاب النظارات السود وناشري الأفكار والرؤى المنحرفة، التي مافتئت تغزوا وتلوث عقول الشباب بما لاتحمد عقباه، مستغلين فشل وسقوك قناع بعض نخب الإسلاموية وتعري شعاراتهم ودعواهم، كحال سابقيهم من مبشري اللبيراليةوالماركسية. فإن ما نلحظه اليوم في مجتمعاتنا من مظاهر سلبية، تحتم على من يهمهم الشأن العام، مواجهتها بالإصغاء والنظر في هموم الناس، هذا إن كان هدفنا الحفاظ على أمن وسلامة مجتمعاتنا. ومن أهم جوانب الإهتمام مايلي:
1 ـ دعم الفعاليات الجمعوية الشبابية، التي تهدف تنمية وتأطير شباب المجتمع.
2 ـ فتح قنوات المشاركة وتحفيز الشباب على النشاط السياسي الإصلاحي.
3 ـ دعم حرية التعبير والنقد عبر برامج تشعر الفرد بقيمته الإجتماعية.
مفهوم الوعي السياسي
مفهوم الوعي السياسي هو إدراك الفرد لواقع مجتمعه ومحيطه الإقليمي والدولي، ومعرفة طبيعة الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تحيط به. ومعرفة مشكلات العصر المختلفة، وكذلك معرفة القوى الفاعلة والمؤثرة في صناعة القرار وطنيا وعالميا. كما أن الوعي السياسي هو طريق الفرد لمعرفة حقوقه وواجباته في كل الأنظمة الديمقراطية أو الشمولية. والمجتمعات التي تنوي التحول من النظام الدكتاتوري إلى النظام الديمقراطي بحاجة إلى منظومة من المعارف السياسيةوالاجتماعية التي تتضمن قيما وإتجاهات سياسية مختلفة، يستطيع من خلالها الفرد التعرف على الظروف والمشاكل التي تحيط به محليا وعالميا، ويحدد مكانه وموقفه منها والمساهمةفي تغييرها أوتطويرها.
فالوعي هو الإدراك العقلي للتجارب والمتغيرات المحيطة، وبالتالي تصبح للفرد القدرة على تكوين موقف محدد تجاه الواقع الذي يعيشه. والوعي بهذا المعنى هو عكس الغفلة والتي تعني السلبية في التعامل مع الواقع بعيداً عن استخدام العقل والمنطق في تبني المواقف، والغفلة هنا قد تكون ناتجة عن التخلف أو التعصب أو الأمية أو القهر. كما أن مفهوم الوعي الذي وضعناه يشير إلى أن امتلاك الإنسان للعلوم والثقافة والمركز الاجتماعي والسياسي لا يمثل الجانب الأساس من هذا المفهوم، وإنما يجب أن يقترن كل ذلك بأخلاقيات وقيم سامية وذوق وحسن اختيار ومعرفة عميقة لمعنى الجمال، لأن إغفال هذه المعاني يعني إلغاء لجانب مهم في الإدراك العقلي للمتغيرات المحيطة.
لذا فإن المشاركة السياسية تزود السلطة الحاكمة بمزيد من الآراء والتصورات التي تسهم في إنضاج القرار وترشيده، وتبقى قناة مناسبة لنقل إحتياجات الجماهير للحكام. كما أن الشعور الشعبي بالمشاركة في صنع القرار وتنفيذ البرامج أكثر سهولة. وبذلك يتعزز إستقرار المجتمع وتتكرس شرعية النظام السياسي. وحيث إنه من الصعب قبول مقولة: إن القمع وحده يمكنه وقف التناقضات الاجتماعية والفكرية والسياسية في المجتمع. وانفجار هذه التناقضات قد يتخذ أشكالا عنيفة تكون نتائجها مدمرة. لذلك فإن تأطير هذه التناقضات وفتح قنوات المشاركة أمامها، وإشاعة قيم التسامح مع الرأي الآخر تحفظ (عمليا) المجتمع من التناقضات العنيفة و الراديكالية. وبذلك تسهم المشاركة السياسية والاجتماعية في تنمية الشخصية على المستويين الفردي والجماعي، وحتى تكون المشاركة فاعلة لابد أن تكون قنواتها مفتوحة (متيسرة) لمختلف التوجهات السياسية والفكرية في المجتمع، وكذلك الإنتماءات الدينية والقومية دون إقصاء، وقادرة على استيعاب الشرائح الاجتماعية الجديدة ومطالبها المتصاعدة في المشاركة في تسيير الشأن العام. على أن تجد صداها لدى النظام السياسي بالاستجابة لمطالب واحتياجات المجتمع. كما أن بناء الديمقراطية لايتم إلا بالإنسان ولصالح الإنسان الذي يتخذ في إطار الدولة صفة “المواطن”، ولذلك فإن هذا الأخير لا يمكن بحال أن يكون معزولا عما يجري حوله وغائبا عما يدار باسمه ولأجله، وإنما لابد أن يكون مشاركا في الحياة السياسية والاجتماعية، والحد الأدنى لهذه المشاركة هو تبع طرق إدارة الشأن العام والمقارنة بين البرامج التي تتقدم بها الأحزاب السياسية بغض النظر عن توجهها، والإدلاء بالصوت في الإنتخابات العامة.
ولكي تكون المشاركة إيجابية ولو في حدها الأدنى، يجب أن يكون “المواطن” مدركا للقواعد التي ينبني عليها المجتمع الديمقراطي. ومتشبعا في ذهنه وثقافته وسلوكه بالقيم الديمقراطية. وإذا كانت تلك هي الصفات الضرورية التي ينبغي أن يتحلى بها “المواطن العادي”، فما بالك بالنخب التي تعمل من أجل الوصول إلى مراكز القرار في الحزب أو الجماعة أو الدولة، والمساهمة الفعلية في تدبير الشأن العام. وهنا يتضح لنا فعليا مدلول المقولة المعروفة: لاديمقراطية بدون ديمقراطيين، “فاقد الشيء لا يعطيه” لأن الديمقراطية لاتصبح أمرا واقعا في الحياة العامة بوجود دستور وقوانين وأحزاب وصحافة وانتخابات ومؤسسات، وإنما تتوقف بالإضافة إلى كل ذلك على وجود الفرد والمواطن الديمقراطي داخل أسرته وفي محيطه الاجتماعي والمهني والسياسي، أي أن تكون ثقافة الديمقراطية شائعة بين المواطنين العاديين والمناضلين السياسيين والنقابيين والفاعليين الجمعويين والكتاب والمثقفين والمسؤولين والقادة والماسكين بزمام السلطة ومواقع القرار.
ختاما، نحن في لحظة تاريخية فارقة لما تشهده المنطقة العربية من اضطرابات وصراعات وحروب. وهذه اللحظة تستدعي تظافر الجهود من كل الأفراد والمؤسسات للتعامل مع هذه المشكلات والآثار السلبية المترتبة عليها، ولاشك أن هذه مسؤولية الجميع في مواجهة تلك الأوضاع والظروف التي تمر بها مجتمعاتنا، وهذا لايأتي إلا بالمساهمة في تشكيل الوعي السياسي وإعداد برامج وتقديم آليات يكون لها دور إيجابي ومثمر للنهوض بمجتمعاتنا…
_______
المراجع :
1_مفاتيح السياسة الشرعية للكاتب أبو عمر
2_تجديد الثقافة السياسية كمدخل للبناء الديمقراطي للكاتب د. عثمان الزياني
3_فقه الإستضعاف والممارسات الاجتهادية للإسلاميين تحت مظلته للكاتب أحمد سالم
4_دور الجامعة العربية في تنمية الوعي السياسي للكاتب د. حبيب إبراهيم
5_مفهوم الوعي السياسي للكاتب ناجي الغزي
6_في الثقافة السياسية الجديدة للأستاذ العلمي عبد القادر
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5894