سعيد شبار
آلمني كثيرا ما رأيت البارحة ليلا من خروج بعض المواطنين في تجمعات بل مسيرات في دعاء وتكبير لله تعالى ليرفع عنا هذا البلاء. وأنا إذ أنطلق من حسن نية هؤلاء وصدقهم وحماسهم، أنبه كما فعل غيري، الى أنهم ارتكبوا مخالفات، وجب تحذيرهم منها، أقل ما يقال فيها أنها تمنع الاستجابة لهذا الدعاء، وهي مخالفات للشرع والقانون معا.
فكيف يستجيب لك الله تعالى وأنت تخالف أمره ونهيه؟؟ وأنت تتحدى ولو من غير قصد تحذيره لك؟؟ وأنت تخالف هدي وارشاد رسوله الكريم لك؟؟ وأنت تخرج عن إجماع الأمة بل والبشرية جمعاء؟؟
ــ فالله تعالى يقول: “ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة”، وهذا الخروج ليس الا إلقاء طوعيا وإراديا بالأيدي الى التهلكة.
ــ والله تعالى يقول: “ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما”، وهذا الخروج ليس الا قتلا للنفس وتنكبا عن رحمة الله.
ــ والله تعالى يقول: “ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنهم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”، وهذا الخروج المتعمد الذي تجاوز فيه أصحابه الحظر الشرعي والقانوني هو مظنة مؤكدة لقتل الانفس عمدا، ولك أن تتأمل أكبر عقوبة مغلظة مقررة في الدين بعد الشرك بالله، عقوبة خماسية تقشعر لها قلوب المؤمنين حقا، وكان يكفي منها واحدة. لكنها حرمة النفس التي هي نفخة من روح الله. فانظر الى شناعة وفداحة ما تقدم علية أخي الذي خرج ليلا يدعو الله.
ــ والله تعالى يقول: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا”، ففي أي معسكر تقف أخي الذي خرج في مسيرة جماعية، معسكر إحياء الانفس الذي تجتهد فيه وتسعى اليه البشرية كلها اليوم، أو معسكر قتل الانفس بسبب التجمعات الناقلة للعدوى.
ــ وورد عن النبي صلى الله علية وسلم أحاديث عديدة، منها: “لا يوردن ممرض على مصح”، أي نهيه عن مخالطة الاصحاء للمرضى والمرضى للأصحاء. و”فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد” دفعا لانتقال العدوى. والنهي عن دخول بلدة فيها الطاعون أو الخروج منها، كي لا تتسع مساحته.
فكيف نتجنب هذه المخالطة؟ وكيف نتجنب نقل العدوى؟ ونحن لا نكاد نعرف من منا المريض والصحيح الا بعد فترة، كما أن قصد النهي النبوي ليس الا درء آفة انتشار العدوى.
فهل نحن ممتثلون لهذا التوجيه النبوي الشريف بهذا الخروج؟؟ وهل منع انتشار العدوى المقصودة في كل ما تقدم يتم بالخروج والمخالطة أم بلزوم البوت واجتناب التجمعات؟؟
ــ ثم إن هناك إجماعا وطنيا للخبراء والعلماء والباحثين والمؤسسات…، من أجل إنقاذ البلاد والعباد في سباق محموم مع الزمن، فكيف يتسنى لك أخي الذي خرج أن تستهين بكل هذه المجهودات، وأن تكون بخروجك عن الاجماع سببا في توسيع دائرة العدوى ورفع عدد المصابين؟؟ ألا يؤلمك رقم واحد إذا انضاف الى العدد؟؟ فكيف بالآلاف لدى الشعوب الأخرى؟؟ أليس المؤمن هو من أحب لأخيه ما يحب لنفسه؟؟
ــ إذا كان هناك من يدعو الناس الى الخروج للدعاء أو التجمع على السطوح للابتهال، فهو من أجهل الناس بالدين والدنيا معا، وليعلم أنه مسؤول بين يدي الله تعالى عن الانفس التي تصاب وتزهق بسبب جهله. فلماذا لا يلزم الناس بيوتهم، ولماذا لا يلجم آخرون أفواههم من “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”؟؟
ــ بإمكان كل منا أن يدعو في بيته خاشعا متبتلا موقنا، برفع العدوى عن الناس وطلب الرحمة والشفاء لهم. أليس الله معنا حيث كنا؟؟ “وهو معكم أينما كنتم”، أليس الله قريبا منا يجيب دعوة الداعي إذا دعاه؟؟ “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان”. فهل لا يرانا الله تعالى إلا إذا تجمهرنا، ولا يستجيب لنا الا إذا ارتفعنا على السطوح؟؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ــ للأسف هناك سلوكيات لمتدينين يسيئون بها الى الدين، ويشغب بها عليهم لا دينيون. فنحن مع الدعاء والرجاء الصادق، قصد رفع البلاء من خالق الكون والانسان ومقدر الأسباب. لكن من أراد الدعاء عليه أن يتحقق بشروطه وأن يتجنب موانعه، ومن لم يرد الدعاء فما عليه الا البحث عن كوكب آخر لأن كل الأمم والشعوب اليوم تبحث عن العلاج للدواء وتدعو الله طلبا للشفاء.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7449