إدريس عدار
قال المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية، متحدثا عن الإنتاج الفلسفي المغربي، “إننا سجناء مرجعيتين، تتحكمان في دروسنا ونصوصنا، تاريخ الفلسفة الأوروبية وبعض الفلسفة الأمريكية، وتاريخ الفلسفة الإسلامية والفكر العربي الحديث، لكننا لا نفكر في جزء مكون من ذاتنا في إفريقيا”.
وأوضح أفاية، في لقاء بالمقهى الثقافي لوسافير بلاص بالقنيطرة أمس الجمعة الذي ساهم فيه الدكتور نبيل فازيو وتشرّف بتسييره الصحافي ادريس عدار، “أن إفريقيا اليوم تضم مفكرين وفلاسفة كبار، ولهم كتابات هي اليوم من المراجع المحترمة في الجامعات العالمية”، متسائلا “كيف ندعي أننا ننتمي لإفريقيا ولا نهتم بها” موضحا أن الراحل عزيز الحبابي كان من أكثر الفلاسفة المغاربة اهتماما بما يكتبه الأفارقة، وشدد على أنه عندنا أوهاما كبرى نستهلكها في علاقتنا بإفريقيا.
وكان أفاية قد نشر مقالا تحت عنوان “إفريقيا حين تُفكِّر في ذاتها” قال فيه “بين كتابات المفكرين والفلاسفة الأفارقة، أنه يتعين إعادة بناء تصور جديد لنمط حضور إفريقيا وللجسد الإفريقي لكي يتحقق الإعلاء من شأن الفكر الفلسفي الإفريقي، والاحتفال الفعلي بمتخيل الأفارقة الثري والمتنوع، باعتبار أن هذا الجسد نال الاستعمار من شرفه، وعرَّضه للتدنيس والاغتصاب والتدمير. ولإخراجه من دائرة السُبات والجمود، يتطلب الأمر إنعاش هذا الجسد وبث الروح في أوصاله حتى يستعيد الحركة. والفيلسوف الإفريقي، وهو يفكر فيما جرى ويجري، يدرك أن الأمر ليس مجرد أماني أو أوهام، وأن الواقع الإفريقي في منتهى التعقيد، كما أنه يدرك أن عليه تحمل مسؤولية التفكير من داخل هذا الوضع المُعقد”.
وأضاف “من بين الفلاسفة الذين خاضوا في مواجهة الإشكاليات الفكرية التي تطرح على إفريقيا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، يبرز جان غودفروا بيديما، وهو فيلسوف كاميروني. ويعتبر بيديما أن المفكر الإفريقي مطالب بفحص الحقائق الإفريقية والكونية من خلال مساءلة الما لا يقال، والهوامش ونقد الأوهام المغلوطة، وتفكيك منابع العنف التي تفرضها “عقلية الهيمنة” التي ميزت العقل الأداتي الذي يشتغل بناء على قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”.
ونقرأ في الصفحة 145 من كتاب “الزمن المنفلت”، الذي كان موضوع اللقاء الثقافي، “هيمنت أسئلة أفرقنة الهوية والفسلفة والتراث والفكر على المناقشات ذات الانشغالات الفلسفية منذ سبعينات القرن الماضي إلى نهاية القرن، لكن ممثلي الجيل الجديد من الفلاسفة الأفارقة لم تعد لديهم أية عقدة في تناول الأطروحات الفلسفية الدائرة في الأوساط الفلسفية العالمية ونقدها”، وضرب نموذجا لذلك سليمان بشير ديان وكوام آنطوني أبياه وسبيلو ندلوفو غاتشيني وكاكو نوبوكبو وأشيل مبيمبي وآخرين، كما برزت أسماء قبل هؤلاء منذ ستينات القرن الماضي كالحسن نداو وليوبولد سيدار سنغور وبولين هونطوندجي وفابيان إبوسي بولاغا.
أفاية، الذي وقّع كتابه الزمن المنفلت، قال إنه يمكن اعتباره جزءا ثالثا بعد كتابه “الديمقراطية المنقوصة” و”النهضة المعلقة”.
أما نبيل فازيو فقد قدم مقاربة لامست الفكرة المركزية للكتاب معتبرا أن “الزمن المنفلت” يأتي في سياق تصور عام يحكم عملية إنتاج الفكر لدى أفاية، وهو يتوج مسارا يعتبر أن الفلسفة ليست ترفا فكريا بل هي انخراط نقدي للتفكير في الواقع.
وقال فازيو إن الكاتب يناقش كبار الفلاسفة دون عقدة نقص، يناقشهم منخرطا في تفكير الأزمة في الوعي الإنساني المعاصر، وقد قارع نصوص كبار الفلاسفة، لكن، حسب المتحدث، فإن قلب الكتاب هو هذه الورطة التي يزج بنا فيها: معنى أن نفكر فلسفيا داخل مجال الثقافة العربية، غير أنه لديه قلق حقيقي حول الوجود المغربي وليس صدفة استدعاء مفكرين مغاربة ومناقشتهم.
وأشار إلى أن الكاتب لا يتردد في استخدام مفهوم “الفكر الفلسفي العربي”، إلا أنه يُخضعه للمساءلة والنقد، موضحا أن الأصالة والجدة التي يدعيها عدد من المفكرين العرب ينبغي أن توضع محل المساءلة، وقد امتلك أفاية الشجاعة الفكرية في نقد مشروع فكري يمتح من أرضية فقهية، ويتعلق الأمر بمشروع طه عبد الرحمن، الذي يصدر عن رؤية للعالم تحاول أن تسطو على الثقافة، وهو عندما ينتقد حالة الفصام التي تطغى على وعينا الفلسفي بجرأة فهو ليس ضد شخص بل ضد موجة فكرية.
وفي التعقيبات تحدث الكاتب نفسه عن الموضوع قائلا: إن طه عبد الرحمن هو المفكر الوحيد الذي لا علاقة له بالواقع والشأن العام، باعتباره اكتفى بالدرس الجامعي والكتابة، على عكس محمد عابد الجابري، الذي مارس التعليم والصحافة قبل الدرس الجامعي كما كان قياديا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والشيء نفسه يقال عن عبد الله العروي، الذي كان قريبا من الاتحاد وقريبا أيضا من مراكز القرار.
وتطرق نبيل فازيو إلى ما طرحه أفاية حول مشروع فتحي المسكيني، حيث سجل أن موقف الفلسفة العربية موقف محبط يكرس اليأس بعد أن انتقل من دور المفكر إلى دور المبشر، فهذا التزيّد والخفة في التعامل مع وعود الحراك العربي يعتبر وأدا لمهمة الفيلسوف، إذ أن المواطن العربي لا يمتلك الآليات ليحل محل الفيلسوف في إنتاج المعنى.
أما بخصوص الجيل الجديد من الفلاسفة العرب يقول إنه رغم الوعود التي يقطعها بتأسيس فلسفة جديدة والقطع مع التراث الفلسفي تحول بالنتيجة إلى مشروع ينقض ما يعد به من نقد.
أما في تقديم اللقاء فقال ادريس عدار إن الزمن المنفلت عند أفاية ليس هو الزمن السائل عند زيجمونت باومان، ففي الزمن السائل هناك قلق حول العيش في “اللا يقين”، لكن في الزمن المنفلت هناك بحث عن “الرغبة في المستقبل”، إذ تحتل مسألة الزمن في علاقاتها برهانات التقدم في الكتاب، كما قال الكاتب نفسه، مساحة رئيسية في كل الفصول، باعتبار أن الفكر في تمظهراته المختلفة يعرف قلقا بسبب مفاجآت الأحداث واكتساح التكنولوجيات في تنوع وسائلها واختراعاتها وتنامي التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.
وأضاف: فالزمن هنا مرتبط برهانات التقدم وما يواجهه الفكر من حيرة أمام ما نعيشه من تسارع في كل مستويات الوجود والحياة. فهل تسعف الفلسفة في الإمساك بالزمن وتدبير هذه الحيرة وفق هذا التسارع العنيف في كم التبدلات التي تعرف الحياة.
يشار إلى أن شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب والمقهى الثقافي لوسافير بلاص نظما الجمعة 22 نونبر 2024 لقاء لتقديم وتوقيع كتاب “الزمن المنفلت” لمحمد نورالدين أفاية من قراءة نبيل فازيو وتسيير إدريس عدار. وحضر اللقاء متتبعون ومثقفون ومهتمون وتفاعلوا بجدية مع ما ذهب إليه أفاية وما قاله فازيو في قراءته للكتاب.
ـــــــــــــــ
الصورة من صفحة الاستاذ ادريس عدار
المصدر : https://dinpresse.net/?p=21438