منتصر حمادة: أسلمة مخيال المغاربة مستمرة

منتصر حمادة
2020-02-01T09:18:14+01:00
featuredآراء ومواقف
منتصر حمادة1 فبراير 2020آخر تحديث : السبت 1 فبراير 2020 - 9:18 صباحًا
منتصر حمادة: أسلمة مخيال المغاربة مستمرة

الكاتب والباحث منتصر حمادةمنتصر حمادة
كان المغاربة، في غنى عن نقاشات دينية محافظة أو متشددة إن لم تكن متطرفة منذ عقود، لولا أن المغرب، على غرار أغلب بلدان المنطقة، تعرض لرياح تدين مشرقي، موزع على اتجاهين اثنين على الأقل: تدين سلفي وهابي وتدين إخواني، أفرز ظاهرة أسلمة مخيال الشعوب، عامة ونخبة.

ومن نتائج هذه الأسلمة، أن العديد من النقاشات الدائرة في الساحة، تنهل من خطاب الأسلمة أو تغذيها، ولأنه يصعب حصرها، نتوقف عند ثلاثة نماذج فقط:

ــ يهم النموذج الأول، باحث خريج مؤسسة دار الحديث الحسنية، وهي المؤسسة التي تحمل مسؤولية كبيرة في زمن مضى، على الأقل قبل قدوم العلامة أحمد الخمليشي، في تخريج لائحة من الرموز الإسلامية الحركية، من الإخوان والسلفيين، ولا زالت كذلك بشكل أو بآخر، ولو بدرجة أقل، بمقتضى المقاومة التي يُبديها الخمليشي، لولا أن هذه المقاومة تبقى فردية ولم تصبح بعد عملاً مؤسساتياً، لأن الغلبة لا زالت للخطاب الديني الإسلاموي، بشكل أو بآخر، ولكن المأمول أن تتغير الأحوال نحو الأفضل، وأن نبعد عنها شبح الأسلمة، سواء كانت صريحة في الإعلان عن نفسها، أو كانت تمارس التقية.

من يتصفح صفحة هذا الباحث، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، سيُعاين أنه منخرط في مناقضة قضايا قروسطية، ولكنها لا زالت تثير النقاش عند أتباع الخطاب الإسلاموي بالتحديد (السلفي الوهابي والإخواني، فالأحرى الخطاب الإسلاموي القتالي أو “الجهادي”)، ومنها قضايا “قتل المرتد”، و”رجم المحصن” و”زواج الصغير”.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الباحث يروم تمرير قراءات مغايرة لقراءات الإسلاميين لهذه المواضيع، وهذه جزئية تحسبُ له، إلا أن مجرد إثارة هذه النقاشات في زمن كوني يتميز بطرح أسئلة مؤرقة على البشرية جمعاء ــ وليس على المسلمين وحسب، فالأحرى الإسلاميين الذين يعتقون أنهم مركز الكون ــ يُعتبر معضلة علمية حقيقية، تعطينا فكرة عن بعض معالم أسلمة مخيال المجتمع المغربي، موازاة مع أسلمة مجتمعات المنطقة.

ــ نأتي للنموذج الثاني، ويهم الجدل الرقمي الذي أثير على هامش زيارة وفد من علماء ودعاة مسلمين لموقع محرقة “الهولوكوست” في أوشفيتز في بولندا، حيث عاينا فورة في الغضب الرقمي الصادر عن الخطاب الإسلامي الحركي بالتحديد، وصدور اتهامات في الملة والدين والأخلاق ضد أحمد عبادي، أمين عام مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، لأنه شارك في الزيارة، كما لو أنه أصبح من “الأعداء”، كما نقرأ في بعض التفاعلات، إضافة إلى صدور دعاوى عليه، لا يمكن أن تصدر إلا عن عقليات داعشية حقيقية، سواء كانت محسوبة على المرجعية الداعشية، أو كانت تدعي الوسطية والاعتدال، تقية، لا غير.

بل وصل تضخم الذات الإسلاموية عند أتباع الإسلاموية، إلى درجة حديث موقع سلفي وهابي إخواني، مادة تتحدث عن غضب في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، على هامش زيارة موقع الهولوكوست، كما لو أن الأمر كذلك، بينما الواقع يُفيد أننا إزاء سخط رقمي صادر عن الإسلاميين بالتحديد، لولا أن عقلية “الطائفة المنصورة” و”الفرقة الناجية” التي يؤمن بها هؤلاء، تخول لهم نشر هذه الرؤى الإيديولوجية باسم الدين.

مع أن أحمد عبادي، أدلى بتوضيح، معتبراً أنه “لا يملك للمرء إلا أن يقضي العجب كيف اخترقت جرثومة الكراهية شعباً متعلماً كالشعب الألماني آنذاك، وانخرط كثير من نخبته في مثل هذا الخطاب، وقبلوا بل منهم من أسهم في هذه الجرائم”، داعياً إلى “أخذ العبرة مما جرى في أوشفيتز ببولندا، بالشكل المطلوب والرصين، لكي لا يتم ترك الفرصة لجرثومة الكراهية للنفاذ لنفسيات الشعوب فيما بينها كما نرى سريانها اليوم في عالمنا المعاصر”، مضيفاً أيضاً أن “الزيارة يعول عليها لتكون منطلقاً لحملات ضد خطابات الكراهية، وذلك وفق ما ينص عليه ديننا الإسلامي الحنيف، ومواثيق واتفاقيات الأمم المتحدة التي تستنكر جميع أضرب الكراهية والإبادات التي لازالت بعض مظاهرها مستمرة في عالم القرن الواحد والعشرين للأسف الشديد”.

ــ نأتي للنمودج الثالث، ويهم تفاعل العقل الإسلاموي مع وباء “كورونا” الذي أصاب الصين، حيث عاينا قراءات إسلاموية في الساحة، تفيد أن الوباء عقاب إلهي على ما قامت به الصين اتجاه الأقليات المسلمة، بل نشر موقع حزب “الحرية والعدالة” الإخواني المصري، مادة بعنوان: “عدالة السماء: فيروس كورونا يعزل 10 مدن بالصين بعد حصار مليون مسلم من الإيجور”، وهنا لا بد من تدقيق مفاهيمي، يقتضي التذكير، مفاده أن الإسلام دين، و”الإسلام السياسي” إيديولوجيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأيديولوجية لا تمثل إلا نفسها، وقس على ذلك أي نمط من أنماط التدين، سواء تعلق الأمر بالتدين السلفي الوهابي أو الجهادي أو الشيعي أو الصوفي (مع فارق أن التدين الصوفي بعيد عن توزيع صكوك الغفران، ولا يدعي أنه مركز الكون، كما إنه غير متورط في تغذية الإسلاموفوبيا أو الاعتداءات الإرهابية التي نعاينها هنا وهناك).

وبالتالي، تأسيساً على هذه الإشارة الممهدة لأرضية نظرية، أي تأسيساً على قاعدة الإسلام دين والإسلام السياسي إيديولوجيا، [والذي يُذكرنا بالتعامل نفسه للعقل الإسلاموي نفسه، مع التسونامي الذي ضرب دول جنوب شرق آسيا]، نذهب إلى أن هذا المشروع الإسلاموي الغريب على شعوب المنطقة، لا يمثل إلا نفسه. لأنه إذا فتحنا هذا الباب، فسيجد هؤلاء أنفسهم في معضلة في معرض تفسير الكوارث الإنسانية، فالأحرى المآسي الاجتماعية والاقتصادية التي تعج بها المنطقة. ومن باب التذكير، تعتبر بنغلادش والنيجر من أفقر دول المجال الإسلامي.

هذا غيض من فيض، يهم معالم الأسلمة التي أصبت مخيال المغاربة، والتي يتطلب التصدي لها، مجهودات جبارة وشاقة، لأن نتحدث عن أسلمة استمرت طيلة عقود، ولن نخرج من تبعاتها بين ليلة وضحاها.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.