11 سبتمبر 2025 / 10:09

أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس

عبده حقي
مما لاشك فيه أن الإبداع الأدبي قد تحول في العقود الأخيرة إلى أحد أبرز أدوات القوة الناعمة للدول، بما يتيحه من قدرة على التأثير في المخيال العالمي ويصوغه من صور إيجابية عن الهويات الوطنية.

وفي هذا السياق، يأتي تتويج الكاتب المغربي فؤاد العروي بجائزة بيغاس 2025 عن روايته “الحياة، الشرف، الفانتازيا”، ليؤكد المكانة المتنامية للأدب المغربي كجسر حضاري ودبلوماسي يعبر من المحلية إلى العالمية.

جائزة بيغاس التي تحتفي منذ 1990 بموضوعة الخيول في الأدب، ليست جائزة عادية، إنها تعكس اعترافاً بقدرة الكاتب على تحويل تراث الفروسية إلى مادة أدبية رفيعة تتجاوز الحدود.

واختيار العروي لهذا التكريم في قلب باريس يبعث بكل يقين برسالة سياسية وثقافية مزدوجة: المغرب حاضر في المشهد الأدبي الدولي، وموروثه الشعبي، مثل الفانتازيا، قادر على التحول إلى رمز عالمي يعبر عن قيم الشهامة والشرف والحرية.

رواية “الحياة، الشرف، الفانتازيا” ليست مجرد حكاية عن اغتيال زعيم قبلي في عرض فروسية، بل هي عمل يشتبك مع أسئلة الذاكرة والهوية.

ومن خلال شخصية الحصان، يقدم العروي استعارة مكثفة عن علاقة المغرب بماضيه، وعن السعي لتحويل موروث القبيلة والفروسية إلى ذاكرة ثقافية جامعة، وبهذا المعنى، تتحول الرواية إلى نص مسيس غير مباشر، لأنها تعيد كتابة سردية جماعية عن المغرب، وتقدمها للآخر عبر لغة أدبية رامزة.

في زمننا الراهن الذي تتعقد فيه الصراعات الجيوسياسية، وتتصاعد المنافسات في إفريقيا ومنطقة المتوسط، يصبح للأدب دور استراتيجي في بناء صورة الدولة.

والمغرب الذي يستثمر في الدبلوماسية الثقافية –من مهرجانات السينما إلى الفنون التشكيلية– يجد في إنجازات كتّابه إضافة نوعية لصورة بلد متجذر في تاريخه، منفتح على العالم، قادر على إنتاج خطاب كوني ينطلق من خصوصيته.

إن تتويج الروائي المغربي فؤاد العروي يندرج في سياق اعتراف عالمي بكتّاب مغاربة آخرين مثل الطاهر بنجلون، ليلى سليماني، عبد الكريم جويطي، وغيرهم. وكل هؤلاء، بشكل أو بآخر، يعززون الحضور المغربي في خريطة الأدب العالمي.

في فرنسا، حيث تتقاطع السياسة بالثقافة، يمثل هذا التتويج أيضاً لحظة رمزية في علاقة المغرب بالفضاء الفرانكفوني. فالعروي يقدم صورة مختلفة ومائزة عن المغرب: صورة بلد قادر على تحويل تقاليده إلى خطاب حديث وحداثي يغري بالفضول، يزاوج بين الأصالة والمعاصرة.

وهذا البعد يتجاوز الجانب الثقافي ليشكل رافعة دبلوماسية تعزز مكانة المغرب في الحوار الثقافي الدولي.

إن فوز فؤاد العروي بجائزة بيغاس 2025 هو تكريم لأديب مغربي بارز، لكنه في الوقت ذاته انتصار للثقافة المغربية وللقدرة على استخدام الأدب كأداة قوة ناعمة. فالرواية، بما تحمله من رموز عن الحصان والفانتازيا والذاكرة، تتحول إلى جسر حضاري يربط المغرب بالعالم، ويعيد تثبيت صورته كبلد ثقافة وهوية وإبداع، في مواجهة عالم مضطرب يبحث عن رموز الاستقرار والجمال.