أخطار تهدد الأسرة المغربية

دينبريس
2021-04-22T17:56:51+01:00
آراء ومواقف
دينبريس22 أبريل 2021آخر تحديث : الخميس 22 أبريل 2021 - 5:56 مساءً
أخطار تهدد الأسرة المغربية

الدكتور محمد إكيج
لقد كانت الأسرة – وما تزال – تحتل مكانة متميزة في كل المجتمعات منذ زمن أبي البشرية آدم عليه السلام إلى زمن خاتم النبيئين والمرسلين محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لما لها من وظائف اجتماعية وتربوية واقتصادية وبيولوجية، فهي الوحدة الأولى في بناء المجتمع البشري والتي تفرعت عنها الشعوب والقبائل والأمم، وهي أساس استمرار النوع البشري من خلال عملية التزاوج والتناسل بين ذكور وإناث بني الإنسان، وهي محضن القيم والسلوكيات الإيجابية أو السلبية التي يكتسبها الفرد منذ أولى مراحل نشأته، وهي مركز لتعلم مهارات التدبير والتسيير الحياتية…

ولذا كانت محط عناية التشريعات الإلهية ابتداء والوضعية تبعا، بدءا بكيفية تشكلها على أساس الزواج الفطري بين رجل وامرأة لقوله تعالى:{ومن آياته أن خلقكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع، لدينها، ولحسبها، ولمالها، ولجمالها، فاظفر بذات الدين ترتب يداك”، ومرورا ببيان المسؤوليات والواجبات المتبادلة أثناء قيامها لقوله تعالى:{ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”، وانتهاء بما ينبغي الوفاء به من الحقوق بعد انحلالها بالوفاة أو الطلاق أو التطليق..

هذه الأسرة، التي تؤسس على قواعد أخلاقية متينة، وأحكام ربانية عادلة تتعرض اليوم لأمواج عاتية من الزعزعة والخلخلة بُغْية تحطيمها، والإتيان على بنيانها وتماسكها من الداخل ومن الخارج، وعلامات ذلك كثيرة منها:

أولا ـ إذكاء الصراع والتنافسية بين أفراد الأسرة، حيث يتم تصوير العلاقة بين الزوج وزوجته وبين الأب وأبنائه على أنها علاقة قائمة على أساس الغلبة والصراع، إذ يتم إظهار الرجل بمظهر القاهر المُستبد والغالب، وتصوير المرأة والأطفال على أنهم مغلوبين ومضطهدين يحتاجون إلى المساعدة والإنقاذ !! وكأن فضاء الأسرة “مسرح للجريمة” أو “ساحة للحرب تدق فيها الطبول”.

وهذا منطق دخيل على أصالتنا وتعاليم ديننا السمحة، التي تحث على حسن التعاون وبذل المعروف، والمعاشرة بالحسنى ونشر المودة والرحمة بين أفراد الأسرة كافة بلا تمييز .. وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته مع زوجاته وأبنائه خير شاهد، فقد كان صلى الله عليه وسلم جميل العشرة، دائم البِشْر، يداعب أهله ويتلطف معهم، ويوسعهمب نفقته، ويضاحك نساءه، ويقوم بواجباته كاملة.

وفي المقابل كانت زوجاته –أمهات المؤمنين-يبادلنه كامل التقدير والاحترام ويحفظن مقامه، ليس كنبي مرسل، وإنما كزوج يعيش حياته الزوجية في بيته ومع أهله.

ثانيا ـ تنامي نزعة الأنانية لدى الزوجين، حيث أصبح كثير من أزواج وزوجات هذا الزمان قليلي الصبر على بعضهم البعض، لأنهم يجعلون الأولوية لإشباع غرائزهم الذاتية في الأكل والشرب والدخول والخروج والسفر وفي كل أمورهم الشخصية التي ألفوها قبل بناء العلاقة الزوجية، أو بالسعي وراء تحقيق الطموحات المادية والاجتماعية مثل زيادة المال وتنمية الشركة وتوسيع المقاولة والترقي في الوظيفة والنجاح في السياسة…

وغيرها من الطموحات –المشروعة بطبيعة الحال- ولكن هذا الصنف من الرجال أو النساء يقوم بها بشكل مُفْرط ومُبالغ فيه على حساب الواجبات الأسرية التي يجعلها ثانوية، فيُقَصّر في أدائها أو لا يقوم بها أصلا …

مما يؤدي إلى زعزعة استقرار كثير من الأسر أو عدم إحساس أفرادها بالطمأنينة والسكينة التي تُبْنى عليها ولأجلها البيوت… فتتحول جراء ذلك إلى جحيم لا يطاق بدل أن تكون جنة نعيم لا تُملّ… فيكون ذلك سببا مباشرا في لجوء بعض الأزواج (ذكورا وإناثا) لتخريب أسرهم لأتفه الأسباب، دون تفكير جدي في العواقب الوخيمة لذلك الانفصام/التخريب، والتي تصيب شراراتها المباشرة الأطفال، لأنهم يكونون أولا وأخيرا ضحايا أنانيات أمثال هؤلاء الآباء والأمهات…

ثالثا ـ سوء توظيف القوانين المنظمة للعلاقات الأسرية، وأقصد هنا تحديدا مدونة الأسرة، حيث يتم النظر إلى هذا القانون من طرف النساء على أنه “قانون للمرأة وحدها”! وأنه “أداة لغلبة الرجل” ووسيلة في يد النساء لـ”تربية الرجال” كما يقال !!

ولذلك يلجأ بعضهن إلى التنكيد على الزوج في بيته، وإرهاقه بالمطالب المادية التي ليست في وُسْعه، بل وتهديده باللجوء إلى القضاء من أجل الفراق أو المطالبة بالنفقة أو غير ذلك.. مع أن الأمر قد لا يتطلب ذلك مطلقا، ولكن من باب المزايدة أو التنغيص فقط..

وهنا لابد من تذكير هذا النموذج الشاذ من التفكير النسائي، بالقول: إن قانون مدونة الأسرة جاء أساسا لحماية الأسرة، وليس لتشتيتها أو تدميرها، وجاء ليحل المشاكل لا ليعقدها، وجاء ليرفع الظلم عن النساء المظلومات فعلا، وليس ادعاء، ولحماية حقوق الأطفال، ولكن أيضا لصيانة كرامة الرجل وحفظ مكانته في الأسرة… وأن اللجوء إلى هذا القانون هو استثناء، وليس قاعدة. لأن الأصل في الحياة الزوجية هو الاستقرار، وحصول المودة والرحمة، والتعاون على البر والتقوى، والرضى بالمقسوم “وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأنه لو أعطيت المرأة كل مال زوجها بعد خراب عشرتها الزوجية، فإن ذلك لن يحقق لها السعادة، خاصة إن كانت كاذبة ومتعسفة في استعمال حقها.

رابعا ـ التأثير السلبي للإعلام على قيم الأسرة، فقد سلبت المسلسلات التلفزيونية والسيت كومات وبرامج “روتيني اليومي” عقول كثير من النساء والرجال شيبا وشبابا، حيث يتسابق الجميع لمتابعتها في التلفزيون أو الهواتف النقالة عبر الأنترنيت…مع أنها تحمل في طياتها قيما خطيرة وتبث مفاهيم بعيدة كل البعد عن القيم الأصيلة للأسرة المغربية، ويظهر ذلك في المشاهد التي تبثها والتي تتضمن:

ـ تشجيع العلاقات المحرمة بين الجنسين والتطبيع مع الزنا واختلاط الأنساب وقبول ذلك في وسط الأسرة…

ـ ممارسة الإجهاض الذي تحرمه كل شرائع الدنيا وكل الاتجاهات الأخلاقية النبيلة في العالم، ويتم تقديمه على أنه حل لمشكلة الزنا والعلاقات غير المشروعة، بل لا نجد فيها ما يحرم ذلك من طب أو قانون أو عقيدة!

ـ نشر ثقافة العري الفاضحة وتعاطي الخمور والمسكرات والمخدرات كحلول لمعالجة الأزمات النفسية أو للتخلص من القلق أو غيرها من الصور التي تدس السم في الدسم كما يقال.

ـ عرض مشاهد القبلات واللقاءات الحميمية والجنسية بين النساء والرجال والصغار والكبار دون حياء ولا وقار، بدعوى التحضر ومحاربة الكبت خاصة لدى الشباب.

ـ تحريض الزوجات على كسر قواعد الاحترام والحياء داخل الأسرة وخارجها… بدعوى حريتهن في تصرفاتهن !!

ـ التشجيع على عقوق الوالدين بإغلاظ القول للآباء والأمهات وسوء المعاملة…

وغيرها من القيم الدخيلة والمدسوسة في هذه المسلسلات والبرامج التي يتلقاها الجمهور المغربي المسلم تحت غطاء الفرجة والفن والإبداع ومتابعة أحداث الأبطال والبطلات… والغرض منها تحطيم كيان هذه اللبنة الأساس للمجتمع والإتيان على أركانها تدريجيا…وها هي آثارها السلبية تظهر من خلال ما نرى ونسمع من:

تفاقم حدة ونسبة الخلافات الزوجية
تنامي ظاهرة العنف ضد الأصول، وما ينتج عنها من عقوق، بل وحتى إزهاق للأرواح.
ارتفاع حالات الطلاق والتطليق في المجتمع،
تأجيج حدة الشك والغيرة المرضية بين الزوجين،
انعدام الطمأنينة والسكينة في كثير من البيوت الزوجية بسبب البحث المحموم لدى فئة من الرجال والنساء –على حد سواء-عن نموذج ومواصفات الطرف الآخر وفقا للمقاييس الجسدية والمادية والشكلية والجنسية التي تعرضها تلك النوعية من المسلسلات والبرامج التافهة.

إن هذه الأخطار التي تستهدف بنية الأسرة المغربية وعلاقاتها الداخلية وقيمها الأصيلة تستدعي ضرورة تكاثف الجهود الفردية والجماعية التربوية والتوعوية في مؤسسات المدرسة والمسجد والإعلام والمجتمع المدني من أجل المحافظة على تماسكنا الأسري ولحمتنا المجتمعية قبل أن تصاب –لا قدر الله-في المدى المنظور أو القريب بالانهيار التام.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.