14 فبراير 2020 / 16:17

آية رحمة صيَّروها نقمة

محمد ابن الأزرق الأنجري
قال الله تعالى في سورة النور : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ). زعموا أن الآية تحض على العفاف إذا لم يجد المسلم قدرة على الزواج الدائم ، سواء بواحدة أو بأكثر !

ولو احترموا قواعدهم الأصولية الفقهية ، واستحضروا أنواع العلاقات المشروعة بكتاب الله ، لأدركوا أن كلمة ” نكاحا ” جاءت نكِرة لا مُعَرَّفة بلام العهد ، فتكون عامة ومطلقة في كل الأنكحة ، فإن الله الرحيم الحكيم لم يقل : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ – النكاح – حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ، إذ لو قال كذلك لكان هو النكاح المعهود بين عامة الناس ، ألا وهو الزواج الذي يقصد منه الدوام والذرية .

فلما نكَّر الله كلمة نكاح ، فإن معنى الآية هكذا : وليستعفف الذين لا يجدون قدرة على أي نكاح من الأنكحة المشروعة ، فتدخل القائمة على الدوام ( الزواج المعهود ) ، والقائمة على التأقيت والأجل ( المتعة ، وملك اليمين فإنهم كانوا يتزوجون جواري الغير إلى أجل وهو القدرة على الزواج الدائم بالحرة ويمكن أن نبدع له صورا تناسب عصرنا بعيدا عن الرق والعبودية ، والزواج بنية الطلاق الاتفاقي القائم على الوضوح والرضا بين الرجل والمرأة ، وزواج الكونطرا ، وزواج المسيار ، وزواج المصلحة المؤقتة مثل الزواج لأجل الحصول على أوراق الإقامة ببلد أجنبي شريطة الاتفاق المسبق … ).

ويجب في كل الأنكحة المؤقتة التوثيق لدى السلطات المختصة لحفظ حقوق جميع الأطراف .

وإن الزعم بأن قصد الدوام والإنجاب من شروط الزواج أو أركانه كذبة فاحشة في حق الدين الذي لم يشترطها أبدا .

صدق مولانا ابن عباس حيث قال : ما كانت المتعة ( يقصد الزواج المحدد بأجل متفق عليه ) إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد ( يقصد الذين لا يجدون قدرة على الزواج الدائم ) ، ولولا نهي عمر عن المتعة ، ما زنى إلا شقي ( يقصد أن الذي تسمح بلده بالزواج المؤقت الموثق ثم يتركه ويعافه ليزني لن يكون إلا شقيا ، وقد حدثني صديق مقيم بأوروبا أنه عرض على سيدة مطلقة زواج المتعة المؤقت ، وحدد لها الأجل بأن يتمكن من التجمع العائلي وذلك بالحصول على أوراق الإقامة لزوجته وأولاده ليلتحقوا به ، فرفضت واقترحت عليه التصاحيب ( الصداقة ) فقط ، أي أن تكون العلاقة بينهما هي الزنا والسفاح لأنها لا تريد أن تشعر بأنها زوجة مقيدة بحقوق الزوجية والتزاماتها ) .

العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج متفشية في مجتمعنا بالعلَّالي ، فلا مجال للمكابرة ، والفقه الذي يدفع الناس للزنا والفاحشة بغلق أبواب الرحمة ليس من الدين والعقل في شيء .

مئات ألوف المطلقات والأرامل والعوانس والفقيرات … لم يجدوا زوجا دائما ، اتجهت نسبتهن العظمى نحو الزنا والدعارة لأنهن بشر .
ومئات ألوف الشباب والرجال الذين لم يجدوا قدرة على الزواج الدائم ، مضى أكثرهم في اتجاه السفاح لأنهم بشر .
إما أن تجد لهم الشريعة علاجا مؤقتا ، أو أنهم معذورون فلا يجوز عقابهم على غريزة ركّبها الله فيهم دون استشارتهم .

لقد رحمهم الله وأرخص لهم في أنواع من الأنكحة المؤقتة ( يديبانيو بها الموطور حتى يرزق ) ، لكن الفقهاء كانوا ” أشد غيرة ” وأرحم بالناس … فحرموا الحلال لينطلق الشلال ضدا على رحمة ذي الحكمة والجلال !