ذ. محمد جناي
إن الصيام من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى، وقد وردت النصوص بفضله، والترغيب فيه، وبيان ما أعده الله تعالى للصائمين من الأجر العظيم والخير الجزيل ، فمن ذلك:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان ” رواه البخاري
الثاني : عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إن في الجنة بابا يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلم يدخل منه أحد”. رواه البخاري
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله – عز وجل- إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته ، وطعامه من أجلي”. رواه البخاري
الرابع: عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” فتنة الرجل في أهله ، وماله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.رواه البخاري
الخامس: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :” من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا”. رواه البخاري
اختلف الفقهاء في حكم صيام الست من شوال على قولين:
القول الأول: استحباب صيامها، وهو مذهب الحنفية -في المختار- والشافعية والحنابلة، وقول المالكية، ودليلهم حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”.
فالحديث صحيح ثابت في صحيح مسلم وغيره، وقد صححه الأئمة من طرق متعددة، وذكروا له شواهد كثيرة، وعلى التسليم بأنه موقوف، فإنه قول صحابي، والصحابي إذا قال قولا ليس للرأي فيه مجال – كما هو الشأن في هذا الحديث- فإنه يكون حجة، وله حكم الرفع.
القول الثاني: كراهة صيامها، وهو مذهب المالكية، وقول للحنفية، وأدلتهم أن السلف – ولا سيما أهل المدينة- لم يكونوا يصومونها، قال الإمام مالك رضي الله عنه في المنتقى للباجي : «لم أر أحد من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك»، «أن صيام ست من شوال قد يكون سببا لاعتقاد من يصومها أنها فرض، فيظن وجوبها، فيلحق برمضان ما ليس منه».
ونوقش هذا الدليل من وجهين:
الأول : أن السنة إذا ثبتت بلا معارض ، فلا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها.
الثاني: أن كون أهل المدينة زمن الإمام مالك لم يعملوا به ، لا يوجب ترك الأمة كلها له، فقد عمل به الأئمة كأحمد ، والشافعي، وابن مبارك ، وغيرهم.
والقول الراجح هو القول الأول ، لقوة أدلته ، فقد أجاب علماء المالكية أنفسهم عن ذلك ومنهم الباجي وابن عبدالبر وغيرهما ويقول القرطبي: “ويظهر من كلام مالك هذا أن الذي كرهه هو وأهل العلم، الذين أشار إليهم، إنما هو أن توصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر، لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد التوهم، وينقطع ذلك التخيل” وهذا رأي المالكية، أما الجمهور فعلى جواز الصيام من ثاني أيام فطر العيد.
ويظهر أنه لم يكن قصد الإمام مالك ومن قال بقوله إلا حرصا على عدم اختلاط صيام ست من “شوال” برمضان فيظنها الجاهل بأنها فرض والحمدلله فالمسلمون اليوم يميزون بين الفريضة والسنن.
ـــــــــــــــ
هوامش:
كتاب بلوغ المنال في أحكام صيام الست من شوال ، تأليف فهد بن يحيى العماري، دار النشر : دار ابن الجوزي – الدمام ،سنة الطبع: 1440هـ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17470