تفعيل الفقه بين المفتي عصيد والشيخ الفيزازي (ج2)

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس1 سبتمبر 2020آخر تحديث : الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 6:02 صباحًا
تفعيل الفقه بين المفتي عصيد والشيخ الفيزازي (ج2)

الدكتور محمد وراضي
ليتأكد لدى عصيد كون تكرار المقولة الشائعة على الألسن: “الفلسفة أم العلوم”، مقولة أخنى عليها الذي أخنى على لبد. فالأبناء رفضوا مع مر العصور تبعيتهم لوالدتهم الفلسفة على وجه التحديد. فقد استقلت عنها مختلف العلوم، وأصبحت باستقلالها قائمة الذات، لكل منها منهجه الخاص، إلى الحد الذي نسلم عنده عقلانيا وتجريبيا بأن الموضوعات هي التي تحدد منهج التعامل معها، بعيدا عن القناعات القديمة التي تذهب إلى أن من لوازم الفلسفة تناول كل شيء بالتأمل، بعيدا عن التجريب، يعني أنها تحدد مناهج موضوعاتها دون ما اعتبار لهويتها. وكأبسط مثال لما ندق به أبواب عصيد، والفيزازي، ومن معهما في الحلقة، هو التين الهندي، والموز، واللوز، والرمان. فهذه الفواكه الأربعة، هي التي تفرض علينا كيفية تناولها، على أساس هوية كل منها على حدة، إذ لا يصح تناول “الزعبول” بنفس الكيفية التي يتم بها تناول التفاح. وهذا ما تعرض له ابن خلدونفي مقدمته بالتفصيل الشافي.

فعصيد مفتي متمرن على التفلسف في حدود ما لديه من معطيات، والفيزازي متفيقه، وصفته هذه، صفة تلازم كل عالم، عجزه عن الربط بين النظري والعملي في الدين عجز مفضوح! وإلا فإن بيع الدين بالدنيا ممارسة تبعد بائعه عن الدين جملة وتفصيلا. فما الذي يعنيه الإفتاء الذي تسلط عليه كل من عصيد والفيزازي ومن حضر معهما في الحلقة تلك؟

إنه إظهار حكم شرعي في مسألة مطروحة تعلقت بما هو ديني، أو بما هو دنيوي، بناء على المنقول والمعقول، مما يعني أن المفتي فقيه، بمقدوره الإجابة عما يشكل من المسائل الشرعية في كل زمن وفي كل مكان، ومما يفسر به استمرار الفقهاء في مد المسلمين بالأحكام المستنبطة الضرورية اعتمادا على الاجتهاد المطلوب والمشروع بنص يعرف بحديث معاذ، وهو نص مشهور يقر فيه نبي الله بأن جميع القضايا المتعلقة بالإنسان في الحال والمآل لم يتم التنصيص عليها كلها كتابا وسنة، فلزم اعتماد الاجتهاد العقلي الرامي إلى إبراز مقاصد الشريعة التي لا تخرج في نظري الشخصي عن شيئين: جلب المنافع ودفع المضار. وسوف نرى كيف أن المشاركين في مناقشة الزواج بأكثر من واحدة، لا يدركون تمام الإدراك أهمية هذين العنصرين في الواقع.

مع التأكيد على أن للمفتي صفات، من جملتها أن تكون له نية “فإن لم تكن له نية، لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور”. وكيف نبحث لدى الفيزازي عن نور الإيمان، وبيعه لدينه بدنيا غيره، واضح للعيان، إذ أن مجرد التسليم بواقع علماني وخدمته، والاستفادة المادية منه كثمن للسكوت عنه، إشارة إلى طغيان الظلام على النور، ثم إن من يدعي أن رسول الله ص دكتاتور، وأن العرب الفاتحين غزاة – وهو يخدم النظام المستفيد بالمقابل-لا نور معه، ولا صدق، ولا إخلاص، بخصوص حماية الدين والدفاع عنه، والانتصار له، والغيرة عليه.

إضافة إلى أن المفتي يجب عليه أن يتصف بالعلم والحلم والوقار والسكينة “أما العلم فالحاجة إليه ظاهرة. ومن أفتى بغيرعلم، فقد تعرض لعقاب الله تعالى، ودخل في حكم قوله سبحانه: “قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”. مع العلم بأن مساهمة أطراف بعينها لتقييد تعدد الزوجات، إلى حد إلغائه، بنصوص قانونية وضعية، لم تكن غير امتداد لرفض أحكام الله التي سار الحكام على نهج الاستعمار لمنابذتها، بناء على وجوب فصل الدين عن الدولة، لأن مرحلة سيادة الدين، قد ولت لدى العلمانيين في الجملة إلى غير عودة.

ثم إن المفتي لا بد أن يكون ” متمكنا من العلم غير ضعيف فيه، فإنه إذا كان قليل البضاعة أحجم عن الحق في موضع الإقدام، أو أقدم في موضع الإحجام. والفيزازي جرب الإقدام فيما يعرف ب”السلفية الجهادية” ثم مال إلى الإحجام الذي أصبح يضرب به فيه المثل؟ حيث إنه يمارسه ملفولفا بالخداع أمام الرأي العام عبر القنوات التلفزية. إنه مثل عصيد، مطلوب للمضي بعيدا في مداعبة عواطف الجماهير، وفي الوقت ذاته لملإ عقولها بمناقشات صورية بيزنطية لإثبات الذات، لا لخدمة الحق الديني الغائب عن التطبيقات العلمانية التي تعبث بالدين، وتتخذه سلما لتضليل عامة المواطنين؟ وهي الحريصة على فرض مسمى “الإسلام المغربي” بأي ثمن. هذا الإسلام الذي لم يكن الفيزازي وعصيد غير نموذجين من نماذجه، ومن نماذج الترويج له؟؟؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.