الباحث بوقرة محمد لمين
يعتبر سؤال الدين من بيّن الأسئلة المركزية التي تم طرحها في طاولة النقاش في فلسفة الغربية الحديثة، كان هدف من ذلك تحرير العقل الأوربي من سلطة الكنيسة، وممارسة القمعية عليه من جميع النواحي، مما أدي ذلك بظهور فرع الأساسي يسمى بفلسفة الدين والتي تهتم بتحليل طبيعة الحقيقة الدينية، انطلاقاً من التجارب الإيمانية والطقوس الدينية التي مارسها الإنسان عبر فترات الزمنية المختلفة.
ولهذا نجد اشتغال فلاسفة منذ الزمن بعيد بمسألة الحقيقة الدينية وتطهيرها من اللبس والغموض الذي أصابها نتيجة طغيان التفكير الأسطوري على مشهد الإنساني الأول، لكي تصبح ديانات الروحية تخاطب النفس وتزكي الروح من الدنس، ومعلوم أنّ الديانات الفيثاغورية التي جعلت من العلم الرياضيات أداة للتطهر والاتحاد بالله والتي تسمي بالتصوف بمعني تصفية والتطهير النفس من الدنس والذنوب التي يتصاب بها، وحتى رؤية سقراط وأفلاطون وأرسطو التوحيدية، وثم امتدادات الأفلاطونية الجديدة بزعامة افلوطين رؤية الصوفية، والتي أبهرت فلاسفة الأديان السماوية، إنّ رؤية الفلاسفة تجاوزت من عالم المحسوس إلى عالم المعقول، ثم تجاوزت المعقولات إلى معقول المعقولات.
ولهذا نجد تغير رؤية فلاسفة عصر الحديث لسؤال الدين ذلك نتيجة التطورات وتدفق التقني والأبحاث اختلفت في مسألة الحقيقة الدينية، وأصبح للعقل وطبيعة الإنسانية دوراً مهماً في فهم الحقيقة الدينية، وتم إقحام مفاهيم جديدة داخل نسق فلسفة الدين اتخذنا كأنموذج توماس هوبز والذي لازم الدين بطبيعة الإنسانية، واعتبره شرطاً ضرورياً في استمرار وجود الإنسان في هذا العالم، اعتبر أنّ مشكل الدين هو نفسه مشكل السياسة من هنا يتبادر في ذهننا إشكال التالي: ما هو مسار تكوين مفهوم سؤال الدين؟ ما طبيعة علاقة بين الدين والسياسة في فلسفة توماس هوبز؟
عندما نستقرئ تكوين مفهوم الدين فيجب علينا رجوع إلى تراث الفلسفة اليونانية لكي يتم اخذ نماذج فلسفية من بينها نجد هيرا قليس الذي حاول التفكير باللوغوس، أيّ الواحد يوجد على الدوام، ولكنه أكد أنّ الناس يعجزون عن فهم المعنى هذه الكلمة عند سماعها، كما انهم يسمعونها لأول مرة. ولما كان الصراع هو أصل الأشياء كلها، فلقد منح لبعضهم الشكل الإنساني ولبعض آخر اخذ شكل الآلهة، ومع العلم أنّ الآلهة تتميز بالفهم والإنسان محروم منه(1)، وأما أفلاطون اعتبر الآلهة مسؤولة عن النظام وعن الجمال وعن الفضيلة، ولكنها أيضا متعالية مادامت تقيم في الأولمبي، ويعتبر المفكر هو الذي مارس أعمق تأثير على التفكير في الألوهية وفي الدين والتعالي انطلاقاً من نظرية عالم المثل، جاء أفلاطون بقوله في محاورة “تيما يوس” إنّ العالم قد شكله صانع، ونفخ فيها الروح في المادة متخذاً المثل ذاتها أنموذجاً(2). وفي حين نصل لمقاربة طاليس أرسطو لموضوع الآلهة هي عقلانية أو علمية، حيث يرى سببين في الوجود الألهي هو انتظام الأفلاك والعرافة، أيّ القدرة النفس على التنبؤ بما يحصل في المستقبل ويبيّن ذلك في مقالته “اللام” انه من الضروري القبول بعلية محرك أول إذا اردنا تفسير الحركة الأبدية للأجسام التي تتحرك بشكل الدائري، ونتيجة التعالي جذري للمحرك الأول بالنسبة إلى عالمنا(3).
من هنا قمنا بفهم مقاربات مختلفة للانساق الفلسفة اليونانية كل واحد شرب من كأس خاص به مما أدى لتعدد رؤى ما بين الفلاسفة.
وأما الآن نجيب على التساؤل الذي قمنا بطرحه سابقاً هو جوهر ما نصبوا إليه مفهوم الدين عند توماس هوبز: «نظر لعدم وجود العلامات، ولا ثمار للدين إلا في الإنسان وحده، ولا سبب يدعونا للشك في أنّ بذرة الدين هي أيضاً موجودة في الإنسان فقط.»(4)، ونفهم من ذلك الدين ليس حكراً على الإنسان لوحده بل لها تأثيراً في الحضارات القديمة الذي كان الدين عباراً تجسيم للآلهة، عندما نفحص كيفية انتشار الدين ليس من الصعب فهم أسباب إعادته إلى بذوره ومبادئه الأولى وهي لا تعدو كونها رأياً في الألوهية،والقوى غير المرئية والفائقة للطبيعة وهي لا يمكن أنّ تُزالْ من الطبيعة البشر، حيث إنّ ديانات جديدة التي تنبثق منها باستمرار(5).
لهذا اعتبر هوبز الدين له أهمية كبرى في تحقيق السلم الأهلي بين الشعوب الأوروبية في الفترة القرون الوسطى لأنه لا يرتبط بفهم طبيعة الناحية الإلهية بالبرهان والاستدلال الفلسفي فالدين على غرار الحرب مثلا هو نشاط إنساني يتميز بالصيرورة والحركة المستمرة، ولهذا يبقي الدين مسألة الإيمان الإنسان بحتة، لأنه يتعلق بالاهتمام البشري الخاص بالأصول، ولهذا يستحيل إطلاق عليه أنه يمزج بين القناعة الفردية الذي يثبت وينفي وجود الله بشكل أو بآخر، ويجب تمييز ما بين الشكل الدنيوي للوجود السياسي والاجتماعي للرجال الدين الكنيسة، وعليه فإنّ مشكل الدين هي ملازمة لمشكل السياسة.
وعليه عندما نفحص تاريخ أوروبا في قرون الوسطي أدى ذلك لنشوب صراع الطائفية ذلك من خلال خلق ثغرات داخل مؤسسة الدينية المسيحية هذه أخير سيطرت على مشهد الأوروبي أدت ممارسات القمع علي العقل وحرية التفكير في عدة المسائل التي تهم الإنسان، أدى ذلك ظهور نخبة رجال الإصلاح المشهد السياسي وتصارع مع رجال الإصلاح الدين مما تم تغير الخريطة السياسية لأوروبا.
يمكن القول في أخيراً يجب إعادة نظر في حقيقة الدينية على أنها فطرية مكنونة في الجوف الإنسان بمعنى أنها فطرية، وكما أنها يمكن اعتبارها ذات بعد طبيعي حيث يحتاج الإنسان للدين من اجل سد الفراغ الروحي الذي ينتابه، لم يتوقف هنا فقط فلقد اعتبر هوبز أنّ حاكم المطلق هو من الذي يقرر ليس قانون الإلهي واعتبر هذا الأخير لأنه يتميز بالظلامية فيعيق الإنسان وينزع منه حريته في ممارسة التفكير عقلاني وحرية الاعتقاد والإيمان بسبب ممارسات القمعية التي يمارسوها الرجال الدين على الشعب الأوروبي، من هنا يستلزم لنا أنّ هوبز من انصار الذين طالبوا فصل سلطة الزمنية” السياسية” على سلطة الدينية، ومن هنا بَشَرَ بالفكر العلماني في عصر الحديث.
ــــــــــــــــــــ
1 – جان غر وندان، فلسفة الدين، تر: عبد الله المتوكّل مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، المغرب، ط1، 2017، ص58
2 – مرجع نفسه، ص61-62
3 – مرجع نفسه، ص 76. 77. 78
4 – توماس هوبز، اللقياثان :الأصول الطبيعية والسياسية ولسلطة الدولة، تر : ديانا حبيب حرب وآخرون، رضوان السيد، ص 114
5 – المرجع نفسه، ص114
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9333