6 يونيو 2025 / 12:17

The Bible Says So: دعوة لقراءة نقدية للنصوص المقدسة

سعيد الزياني
يمثل كتاب The Bible Says So (ابريل 2025) للباحث دان ماكليلان Dan McClellan مساهمة لافتة في حقل الدراسات الكتابية المعاصرة، إذ يتعاطى مع النصوص الدينية كمنتجات ثقافية وتاريخية تحتاج إلى قراءة نقدية تتجاوز التقديس الأعمى.

وفي تسعة عشر فصلا، يواجه المؤلف ما يسميه “ادعاءات الحقيقة المطلقة” التي تتأسس على قراءات انتقائية للنص المقدس، حيث تنتزع العبارات من سياقها اللغوي والتاريخي وتستخدم كأدلة دامغة لفرض معتقدات لاهوتية أو مواقف أخلاقية على الغير.

وتحت شعار “البيانات فوق العقيدة”، لا يسعى ماكليلان إلى تبرير أي موقف ديني معين، وإنما يحاول أن يكشف المسافة الشاسعة بين النص الأصلي المكتوب بلغاته القديمة وبين ما يُقال عنه في الخطاب المعاصر.

ما يميز مقاربة ماكليلان هو الجمع بين الأدوات الفيلولوجية الدقيقة والرؤية النقدية الاجتماعية، حيث ينزع إلى تفكيك السلطة التي تُنتج المعنى الديني وتفرضه على الجماعات باسم “ما يقوله الكتاب”.

ولا يتورع المؤلف عن استعراض آيات محرجة أو صادمة، كتلك التي تشرعن تزويج الضحية لمغتصبها أو التي تشير إلى تقديم الأبناء قرابين، موضحا أن الأمر يتعلق بفهم السياقات التي أنتجت مثل هذه النصوص. ومع ذلك، لم يسلم الكتاب من الانتقاد، خصوصا من بعض القراء المنتمين إلى الخلفيات المحافظة، الذين اعتبروا أن الطرح النقدي الذي يقدمه ماكليلان يفتقر إلى الخاتمة التوجيهية أو البوصلة اللاهوتية، متسائلين عن الغاية من كشف هشاشة النصوص دون تقديم بدائل روحية أو معرفية.

من جهة أخرى، انتقد بعض القراء الأسلوب الأكاديمي المكثف للكتاب، خصوصا حين يغوص في تحليل المصطلحات العبرية واليونانية، ما قد يشكل حاجزا أمام القارئ غير المتخصص، إلا أن هذا العمق في المقاربة اللغوية يظل من نقاط قوة العمل، كونه يكشف كيف أن تراكم الترجمات والتفسيرات عبر العصور أنتج انحرافات كبرى في الفهم الديني، ما يستوجب العودة الدائمة إلى المصادر الأصلية متى أمكن، وبتجرد منهجي.

وفي الوقت ذاته، يتميز أسلوب ماكليلان بلمسة ثقافية معاصرة، إذ يدرج إشارات إلى الموسيقى الشعبية والبرامج التلفزيونية، ما يمنح النص خفة نسبية ويؤهله للوصول إلى جمهور أوسع، خاصة من جيل الشباب الذي يبحث عن علاقة مختلفة مع النصوص الدينية، أقل قداسة وأكثر مساءلة.

إن القيمة العلمية لكتاب The Bible Says So تكمن في كونه يضع القارئ أمام مسؤولية التفسير، بعيدا عن اختزال المعنى في صيغ جاهزة يتم تمريرها باسم “قال الله”.

إنه يفضح الآليات التي يتم من خلالها تطويع النصوص الدينية لتبرير مواقف سلطوية أو تمييزية، دون أن يقع في فخ العداء للدين أو التبشير بنقيضه، وعلى عكس من ذلك يدعو إلى إيمان واع، نقدي، يدرك أن النص لا يتكلم من تلقاء ذاته، وأن كل معنى هو بناء لا بد من مساءلته أخلاقيا وتاريخيا.

لذلك، فإن هذا الكتاب لا يخاطب اللاهوتيين وحدهم، بل كل من يهتم بمصير الحقيقة في زمن تتنازع فيه النصوص والسلطات والمعاني.

تجدر الإشارة إلى أن دان ماكليلان هو باحث أمريكي في الدراسات التوراتية، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة إكستر، وسبق له العمل كمشرف على ترجمة النصوص المقدسة في كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، ويشتهر أيضا بنشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسعى إلى تبسيط الدراسات الكتابية للجمهور العام.