الريسوني والتطبيع… تقلبات برسم التعاقدات

تأكّل من موسوعة زايد للقواعد الفقهية واصطف مع داعميه الجدد

ادريس عدار
2020-08-16T09:35:17+01:00
آراء ومواقف
ادريس عدار16 أغسطس 2020آخر تحديث : الأحد 16 أغسطس 2020 - 9:35 صباحًا
الريسوني والتطبيع… تقلبات برسم التعاقدات

إدريس عدار
الموقف عند المثقف المزيف تحدده التعاقدات الجديدة. مستعد للانقلاب على كل ما روّج له في آخر دقيقة. والضحية هو التاريخ الذي يكتبون فصوله وفق معيار الوصول. والزمن لديهم واحد يسبغون عليه صورة فترة لا يعرفها جيل بأكمله. يحيلون كل تقلباتهم على آخر فرصة أتيحت لهم. الرقاص بين عواصم المازوت بالأمس دون تمييز يلعن اليوم الإمارات لأنها وثّقت عهدها مع دولة العدو. هو يلعنها اليوم ليس توبة ولكن لأن التعاقدات الجديدة فرضت عليه أن يكون مع الدوحة.

أشد المواقف التباسا الصادر عن أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين. داعية إلى التطبيع، عبر الفتوى الشهيرة، ينتقد التطبيع. نشر على موقعه بالأنترنيت مقالا تحت عنوان ” إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى..”.. يقول فيه ” يتفق علماء الآثار، والمحللون للأخبار، أن البداية كانت سنة 2011، سنة الربيع العربي، حيث تطوع الناصحون من “حكماء بني إسرائيل” بإقناع آل نهيان بأن هذا الربيع العربي خطر حقيقي عليهم وعلى أنظمتهم، وأن أي نجاح له هو مسمار في نعوشهم، وأن الخطر داهم محدق بهم وبجيرانهم الخليجيين والعرب، وأن ذلك يتطلب تحركات سريعة ومواجهة شاملة، لوأد هذا الخطر في منابته، واقتلاع جذوره وامتداداته..”.

فقرة واحدة مليئة بالمغالطات. إسرائيل تنصح الإمارات بوأد “الربيع العربي” وهي مستفيدة منه. بل كانت جزءا من صناعة العديد من “ثوراته اللقيطة”. الإمارات كانت ضد الربيع العربي منذ 2011، وهذه أم المغالطات لأن تمويل الفوضى في العالم العربي تولى كبره دول الخليج مجتمعة قبل الانشقاق الذي وقع. وهو انشقاق بين أدوات وظيفية. لم تنقلب الإمارات إلا بعد أن أصبح التخلي عن التمكين للإخوان استراتيجية جديدة. وهنا سيفترق الريسوني عن الإمارات ويتخذ قطرا محجا له. واستفاد من هذا الانشقاق لأن عبد الله بيه، نائب القرضاوي انشق منضما لأبي ظبي. ولو بقي لكان هو الرئيس حاليا.

الريسوني الذي انتقد التطبيع هو صاحب الفتوى المثيرة للجدل حول زيارة القدس. فتوى تعتبر مدخلا خطيرا للتطبيع مع الكيان الصهيوني. واستغرب البعض من هذه الفتوى.. الاستغراب من هذه الفتوى ينم عن جهل بحقيقة من سماه الإعلام القطري فقيها مقاصديا. ومن فتاويه المقاصدية هذه التي استجاب فيها لرغبة قطر في فتح هذا الباب. لا يمكن أن تستغرب لفتوى الرجل وهو ظل يحوم حول هذا المنصب. ولتولي هذا المنصب شروط. وصاحبه مجرد أداة وظيفية. فيوسف القرضاوي، الذي يعتبره الريسوني أستاذا وإماما للعصر وفقيها للأمة دون منازع في مؤتمر التلاميذ والأصحاب، أفتى بما تريده قطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. رؤية بسيطة في فتاويه خلال ما يسمى الربيع العربي كافية لتوضيح ما ذهبنا إليه.

شخصيا لم أستغرب فتوى الريسوني بل اعتبرتها منسجمة مع ما يتبناه. ولن يكون هو أحسن من مرسي صاحب برقية التهنئة لشيمون بيريز. وهي قصة لن أعود إليها لأنني ناقشتها في وقت سابق. ولم أستغرب كذلك ردة فعل أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، فهو من دون التوحيد والإصلاح والإسلاميين عموما لن يكون شيئا. مواقفه منسجمة تماما معهم. انحاز في حوار صحفي مع صحيفة الأسبوع إلى “ثورة النصرة وداعش” في سوريا. والشيء نفسه يقال عن ولي نعمته في “العمل القومي” خالد السفياني، الذي قال بدوره إن ما يجمعه مع الإسلاميين أكبر من سوريا. لا يهم الآن الموقف من سوريا وما جرى فيها ولكن يهمنا أن نعرف طبيعة “القوميين” في المغرب. مع الإخوان ضد الدولة القومية.

ولمزيد من التلبيس صرح ويحمان بأن “العلامة” الريسوني ضد زيارة القدس. وصف العلامة هنا ليس زائدا ولكنه من صميم التبليغ. حتى نقتنع بالنتيجة التي سيصل إليها هو أن هناك لبسا وسيعملون على اللقاء بالريسوني للاستيضاح منه. لم نعهدكم تسألون الناس عن موقفها. ولكن تخرجون بسرعة للاحتجاج. غير أن هذه المرة الحمل ثقيل وأكبر منك. ماذا ستقول لعزيز هناوي، الكاتب العام لمرصدك، وهو ابن التوحيد والإصلاح؟ هل سيقبل منك أن تنتقد المفتي الكبير؟ هل بمكنتك التطاول على واحد من رموز الإسلاميين كما فتحت فمك حتى بانت أضراسك وأنت تتحدث عن واحد من زعماء القوميين؟

مرت أشهر ولم يسأل ويحمان الريسوني.

نحن هنا لسنا أمام رأي. بل أمام فتوى ممن لا يحق له إصدارها. لم يمتلك ناصيتها واغتر بالتسمية الإعلامية. فالمرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية حرمت الزيارة. ناهيك عن الموقف السياسي. وإلى حين يجلس ويحمان مع الريسوني ليعرف موقفه الحقيقي عليه أن يجدد موقفه ممن كان ظهرا للمقاومة.. سيجدون ألف عذر للريسوني حتى يحافظوا على ارتباطهم بالإسلاميين، الذين لهم هوى فلسطيني مزعج ومتقلب وخاضع للعبة التوظيف الدولي، لكن بدونهم سيبقى المرصد مجرد دكان فارغ ينش صاحبه الذباب.

لا قيمة لأي مدع يميز بين المقاومة ومحور الممانعة. لا أحد يمنح الفلسطيني سلاحا ليدافع به عن نفسه. المثقف المزيف يزعم دعم الفلسطيني وخصوصا لما يكون حمساويا ويعتبر إيران مجرد وكالة لنشر الطائفية، والحشد الشعبي عصابات تقتل أهل السنة، ويمكن أن يستدعي بقايا الهزيمة من كل آفاق العالم دفاعا عن السنة، الذين سمعت بأذني زعيمهم خالد الملا في العراق يقول إن الحشد الشعبي مقدس، ويعتبر حزب الله مجرد مليشيات ولا حديث عن سوريا إلا ما تمثله الجماعات المسلحة والثورة اللقيطة. ماذا تساوي المقاومة الفلسطينية دون هذا المحور؟ لا اعتبار لدى المثقف المزيف لهاته الجهة.

عندما تنحدر الحجة يتسافل الفكر. ومن أشد المعارك ضراوة أن يجرك الآخر إلى مستنقع ينزل فيه المفهوم درك التسطيح الشوارعي. ولما تغيب القيمة الأخلاقية للنقاش يتحول المفهوم إلى أداة للمزايدة.

لقد تعرضت المقاومة لحرب ضروس من قبل العدو الأصلي. لكن هناك حرب أخطر يقودها العدو بالوكالة أي الأداة المحلية التي تحمل اللغة نفسها لكن بمفردات منهزمة. أليس الريسوني يتربع اليوم على عرش اتحاد ورثه عن شيخ يسمي حزب الله “حزب اللات”؟

أفتى أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ذو الهوى القطري الإخواني، بجواز زيارة المسلمين إلى المسجد الأقصى، انسجاما مع الدعوة القطرية إلى ذلك تمهيدا لصفقة القرن، التي يراد منها تصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها قضية القدس الشريف.

ويكفي أن شهد شاهد من أهلها وهو سعيد بن ناصر الغامدي، العضو القيادي بالاتحاد، أن فتوى الريسوني زلة في طينة التطبيع وتماهياً غير مدروس مع دعاة التطبيع مع إسرائيل. كما (بادر) بعض أعضاء الاتحاد إلى إصدار موقف من فتوى الريسوني، وذلك من باب رفع العتب فقط لأنهم منسجمون مع الموقف القطري.

وغلف الريسوني فتواه البئيسة بتعليلات خطيرة من قبيل أن زيارة بيت المقدس هو دعم للمقدسيين، مع العلم أن علماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين حرموا زيارة بيت المقدس في ظل الاحتلال.

عود على بدأ أقول:
بالأمس القريب جدا كنت موظفا لدى الإمارات العربية المتحدة، وكنت تحصل على الأموال المحترمة، قصد إنجاز معلمة الشيخ زايد للقواعد الفقهية والأصولية، التي صدرت مذيلة باسمك أولا باعتبار أن هناك من صنفك خبيرا أول في مجمع الفقه الإسلامي وأنت لا يوجد لك اجتهاد فقهي برسم الصناعة الفقهية لا برسم المزايدات السياسية. فمن شابه شيخه فما ظلم. الريسوني شبيه لشيخه يوسف القرضاوي في التقلبات. فشيخ الفتنة الطائفية المقيم في قطر له مواقف متناقضة من الحكام العرب.

سنة 2009 زار سوريا وكاد يشرك بالله في مدحه للرئيس السوري بشار الأسد، مما أزعج مفتي الجمهورية الشيخ بدر الدين حسون الذي لا يزيد على مخاطبة الأسد بالسيد الرئيس وكفى. وبعدها أصبح من أشد المحرضين على الأسد وعلى سوريا معتبرا الجهاد في الشام بمثابة الجهاد في عهد النبوة ومن مات يعتبر شهيدا. وزار ليبيا ومدح العقيد القذافي فأكثر في مدحه، ولما قرر الغرب وقطر التخلص منه قال إن قتل القذافي أعظم جهاد في سبيل الله. وكان القرضاوي سمنا على عسل مع دولة الإمارات التي منحته جوائز عديدة ومولت مشاريعه الدعوية، لكن لما قررت القطيعة مع الإخوان انقلب عليها وروج عنها الكلام الذي يلوكه الريسوني اليوم. وموقف الريسوني من الحكام هي بمقدار قربه منهم. واليوم الريسوني محسوب على قطر ولا يستطيع أن يقول فيها كلمة واحدة لأنها تمنحه فرصة إلقاء محاضرات مؤدى عنها بشكل كبير، وزكته رئيسا للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي يعتبر أكبر عش للإرهاب والطائفية.

الريسوني لا يمكنه اليوم النطق بكلمة واحدة بخصوص قطر ولا نظام السلطان العثماني رجب طيب أردوغان، لأن هذا المحور هو الذي يتحكم في الاتحاد، وبالتالي فإن حديثه عن دعم الثورات هو مجرد كذبة صغيرة، لأن الريسوني يساند أصدقاء قطر فقط ولا يساند الثورات الحقيقية. الريسوني يعيش تحت جلباب أكبر منه، له عنوان الفقيه المقاصدي والخبير الأول، لكن الحقيقة أن المقاصد لديه ليست سوى بضاعة لخدمة أغراض سياسية بعينها.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.