ابراهيم الوثيقي ـ باحث معهد الأثار والتراث الرباط
ان من بين المعالم الثقافية التي يتميز بها المغرب عن غيره من الدول، ثراته المعماري العريق دوى المعلم التاريخية الأصيلة، المتمثلة في المآثر العمرانية سواء بالمدن أو البوادي، هذا التنوع هو نتاج لعوامل تاريخية واجتماعية وجغرافية، أثر بشكل أو بآخرالمراحل أو الحقب التاريخية التي عرفتها منطقة تافيلالت، من التاريخ القديم وصولا الى التاريخ الراهن، الذي حاولنا من خلاله البحث عن معالم وأثار لبعض القصورالتي تعرضت للاندثار والتهميش بمنطقة تافيلالت، وتحديدا بمدينة الريصاني، كموقع استراتيجي كان يعرف ازدهار اقتصاديا بل وحضارة عبرت عنها سجلماسة قديما.
تعرف القصور بمدينة الريصاني من خلالها مكوناتها المعمارية والأثرية مكانة مهمة في بناء وتشييد حضارة تافيلالت العريقة، وتتجلى هذه الأهمية من خلال منشآت ومباني القصور الشامخة، التي بنيت بمواد تقليدية متمثلة في ” التراب، الحجر، القالب، الطابية ،..الخ” باحكام واثقان ليس له نظير. تآخذنا نحو التآمل والانجذاب نحو مدى براعة واثقان هذه المباني المزينة بزخرفة ورموز ذات ابعاد تاريخية أصيلة معبرة عن عادات وتقاليد قديمة ، لازالت بعضها تتداول في الثقافة المحلية، زهنا نستحضر الدمار الذي لحق بهذه المعالم العمرانية والأثرية ببعض القصورالتيآصبحثتآن بدون مغيت.
من أهم ماتتميز به القصور بمنطقة تافيلالت عن غيرها، هو كونها تاريخيا لعبت عدة أدوارمتمثلة في الوظائف ” السياسية والاجتماعية والاقتصادية” كلها وظائف ساهمت في تخليد تراث واثار عمراني أصيل يعبر عن الثقافة المحلية الأصيلة، في مقابل التقافات الأخرى، لكن ابراز وتوضيح ذلك يتطلب من الباحثين المختصين بالدراسات الأثرية والعمرانية الاهتمام أكثر ببعض القصور التي تعرضت للطمر أو الاندثار والتهميش، لم يصلنا منها الا بعض الروايات الشفهية من قبل بعض الشيوخ الكبار الذين مات جلهم وضاعت معهم الخيط الناظم لهذه الاخبار المتوارثة، لكن هذا الجمع بين الروايات الشفهية المتوارثة وماتخلده النصوص والمخطوطات التاريخية المحلية والوطنية يدلي الباحث في هذا التراث المعماري الأصيل من معارف شمولية حول هذه القصور بالذات.
ان المكانة التاريخية التي تحملها قصور مدينة الريصاني بمنطقة تافيلالت، تجسد للتراث المادي المغربي، بالمنطقة وطبقا لما قدمته بعض الدراسات التاريخية حول قصور مدينة الريصاني، اهتمت بشكل كبير من قبل بعض الباحثين الكبار، بوظائف القصور وادوارها التاريخية ودور العرف والعلاقات الاجتماعية السائدة داخل القصر الواحد والقصور في مابينها كتراث مادي حي، لازالت معالمه قائمة لامن حيت المادي المتمثل في الأسوار الشامخة والأبراج وباقي المكونات البنائية واللقي الأثرية، التي تميز القصر عن غيره، وبناء على هذه المعطيات القيمة من الواجب على الباحثين الجددالاهتمام اكثر الأهمية الأثرية والعمرانية لبعض القصور التي اندثرت أو انمحت وذلك من الناحية العلمية بغيةإعادة توطين معالم هذه القصور المندثرةوذلك من خلال وضع معالم آثرية تحدد بؤر هذه القصور ومدى تموقها في المجال بمدينة الريصاني، وفي المقابل البحث اكثر في خصائص ومكونات هذا التراث العمراني الأصيل سواء من خلال بعض الروايات الشفوية التي لازالت متداولة من قبل بعض الشيوخ،أو من خلال التعمق بما جادت به المصادر التاريخية.
ومن أهم الدراسات الأجنبية نجد ماكتبه ” Jacques-Meunieحول التاريخ الشمولي لقصور تافيلالت، والذي ركز فيه بالأساس على عمران وآثار هذه المنطقة بشكل عام وقصور مدينة الريصاني بشكل خاص.
من بين القصور التي اهثم بها الباحث ” Jacques-Meunie ” نجد بالأساس القصور المخزنية وعلى رأسها ” قصر آبار” الذي حاول خلاله ابراز المعالم الآثرية والمعمارية التي عرف بها تاريخيا.
ونذكر بعض المقالات العلمية التي اهتمت بمعمار وعمران القصور بالمنطقة ونذكر من بينها المقالة التي نشرها الأستاذ الباحث “تاوشيخت لحسن” بعنوان ” المنجزات المعمارية للسلاطين العلويين” حاول من خلالها ذكر بعض القصور والقصبات المشيدة من طرف بعض السلاطين والتي نشر جلها بجامعة مولاي علي الشريف الخريفية.
مع قدم الزمن انمحت غالبية الأسوار المزخرفة وذهبت معها رموز الحضارة العربيةولم تعد مرصعة بالفسيفساء وكل أشكال الخط العربي الأصيل، يناشدنا الكثير من الباحثين في مجمل توصيات ابحاثهم بالحفاض على التراث المادي واللاماديمع صيانته وتثمينه، لكن في الغالب ماتبقى هذه التوصيات حبيسة الرفوف ان لم يكن هناك تضافر الجهود بين المجتمع المدني وكل المؤسسات التي تسهر على حماية التراث والمحافظة عليه وليس عرضه لمنطق المزايدة والتبخيس من قيمته وهذا شكل امام العديد من الدّارسين القلق الشديد على ارث الماضي وتراث اسلافنا المنعمين، من مساجد وزوايا وقصور وقصبات وتراث لامادي من أعياد ومناسبات دينية تحتضن طقوس وعادات وتقاليد محلية تئن بين تراث ماضوي أصيل وتراث تعرّض لإندثار بداعي الحداثة والتحديث المشروع الغير المكتمل بعد كما يقول عالم الاجتماع “يورغن- هابر ماس” .
هذا التباين يظهر بشكل جلي من خلال القصر نفسة من ناحية طبيعة وخصائص البناء المتمايز من خلال الإتقان والجودة والجمالية من دار إلى أخرى أو درب إلى آخر.
الأصل المعماري لقصور تافيلالت
يذكر الأستاذ ” لحسن تاوشيخت” ان العلامة ” ابن خلدون” ذكر أن القبائل الزناتية، تركت قصورها جنوب الجبال لعرب المعقل، بعد أن تكونت لها دول ببلاد المغرب، بني مرين بفاس وبني زيان بتلمسان، وبناء على ذلك يمكن ارجاع ظاهرة القصور الى القبائل الزناتية، لكون المنزل في الثقافة الزناتية يتكون من عدة طوابق، بينما المنزل الصتهاجي يعرف بالسكن الأرضي، ومن خلال هذا الإختلاف العمراني يتضح أن أنماط العمران ساهمت فيها بشكل كبير قبائل زناتة الى أن أنشآت أغلب واحات الصحراء، ونذكر منها ” واحة وادي ريع وتوات وواحة سوف وتيدكلت، ووركلة “ص424″.
هناك من الباحثين من يرجع قصور تافيلالت الى الحضارة المتوسطية، التي عرف سكانها تأثيراث شرقية ومتوسطية قبل الإسلام، فالمنازل ذات الصحون والأشكال المربعة وظهور الزوايا القائمة والتنظيم البسيط ومثانة بناء الأسوار الر جانب وجود النخيل والجمال كلها معطيات تنتسب الى حوض البحر الأبيض المتوسط.
من نتماذج القصور التي يعتقد أنها كانت موجودة قبل اندثار مدينة سجلماسة، يذكر أحد الباحثين أن قصر ” الجبيل ” الذي يتواجد شمال غرب سجلماسة، يعد من أقدم قصور هذه المنطقة ويرجع تاريخه الى القرن 11م، ثم هناك قصر” آبار المخزن” شهد هذا القصر اشعاعا دينيا خلال القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، يقع هذا القصر بمشيخة بني أمحمد إلى حدود الشمال الغربي من موقع سجلماسة، يحده قصر لبطرني في الجنوب الشرقي والساقية المسماة المنصورية شرقا ومولاي محمد الشيخ غربا والجبيل وتانجيوت شمالا.
التراث العمراني بمنطقة تافيلالت
ان منطقة سجلماسة أو مايعرف حاليا بمنطقة تافيلالت وبالتحديد مدينة الريصاني، عرفت تاريخا عريقا بقي صلب اهتمام عدة دراسات وأبحات اركيلوجية وسوسيولوجية وأنثروبلوجية من لدن العديد من الباحثين في مختلف التخصصات الأكاديمة والعلمية، ان جل هذه الدراسات توجهت للبحث والتنقيب عن المعالم الأثرية والمعمارية التي خلفها التراث المادي المحلي للمنطقة والمتمثلة في القصور والقصبات أساسا، ما نود الحديث عنه نحن بصفتنا باحثين في مجال التراث الإسلامي، بمعهد الأثار والتراث بالرباط هو الوقوف عند الخصائص والمكونات المعمارية للقصور بعتبارها البنية الاجتماعية التي تظم الساكنة المحلية وبكونها حاملة نسق تاريخي أصيل يمزج بين ماهو تقليدي وماهو معاصر انه يجمع بين المراحل التاريخية التي تعطي للباحثين الجدد في هذا الموضوع معارف أولية تمكنهم من التعرف ومعرفة منطقة تافيلالت بكل مكوناتها الاجتماعية والجغرافية والتاريخية بل والانثروبلوجية الثقافية.
ينحصر التراث المعمار بين الأسوار العالية التي تتخللها الأبراج المرموقة للقصور فما ينتابنا ونحن نتأمل القصر من الخارج هي تلك الأسوار العالية التي بنية بحكمة وإثقانوزخارف منمقة وألوان كألوان الحلي المزكرشة وأهم شيء بالنسبة للقصر بمنطقة تافيلالت هو تاك البوابة الشبيهة بمدخل القصور التي تعاقب عليها الأمراء والسلاطين في مختلف مراحل التاريخ، تلك المكانة العمرانية التي يحتلها القصر بمنطقة تافيلالت تحمل معها امجاد تاريخية تنبؤنا بان المنطقة بالفعل كانت مرتع للأمراء وخاصة في فترة السعديين لما دخل العولويين المنطقة وعملوا على الاستقرار ببعض القصور وكل منهم كان يتولى إمارة القصر ويتم احترام أوامره ويحتكم إليه عند كل صغيرة وكبيرة وهذا زادهم مكانة وقوة في قصور بتلك الحلة التي لانظير لها في تاريخ المنطقة.
تلقت تافيلالت أوج ازدهارها عند ما كانت سجلماسة تأخد الريادة الاقتصادية وخاصة التجارة التي خلقت عدة علاقات محلية وجهوية بل ودولية وكانت هذه التجارة تجعل من الساكنة المحلية تنفتح على عادات وتقاليد وثقافة أخرى مكنتها من صنع حضارتها والاستفادة من ثقافة الدول المجاورة التي دخلت معها في علاقات اقتصادية واجتماعية تحولت بعد حين الى بنى عمرانية وفئات اجتماعية مجتمعة في قصور بأسماء متنوعة ذات أدوار وخصائص تاريخية متعددة، تجدها في الغالب متكاملة مشكلة للوحدة والانصهار الاجتماعي للمجتمع الفيلالي الذي تشبع بخليط من المكونات التقافية أهلته ليكون نقطة ازدهار وتحول تاريخي أصبح اليوم يعيد للقارئ النظرة التي كان لديه عن منطقة تافيلالت وخاصة مدينة الريصاني هذه الأخيرة للأسف التي تعد بؤرة الحضارة السجلماسية، وهاهي اليوم بدأت تغيب من ذاكرة بعض المستكشفين والباحثين بل وحتى الدو الإعلامي الإقليمي والجهوي لم يعد يحتفي بها في مختلف المناسبات الوطنية والدينية بالشكل المطلوب.
ان اندثار بعض القصور وخاصة قصور مدينة الريصاني وانمحاء لهذا الإرث الحضاري الحافل بالموروث الثقافي المحلي الحامل الأثار معمارية خالدة يكاد اليوم يكون ظاهرة تاريخية واجتماعية او بمثابة حيف جارف على هذه المنشآت التي أصبحنا نجدها تستغل من لدن بعض السكان المحليين لقضاء حاجيات واغراض ومصالح ذاتية أو فئوية والخطير في ذلك هو عندما تستغل من قبل المؤسسات المحلية وهيئة العمران التي كان من واجبها الحماية والصيانة لهذا التراث المعماري الذي يعد بمثابة كنز لا يمنكننا مهما بلغ التاريخ وتوالت الأجيال ان نعيده لمكانته لكونه الوجه المشرق الذي يجعل الثقافات الأخرى وكل السياح يعرفون المكونات الحقيقية والحقب التاريخية بل والأمجاد التي عمل القدماء على تخليها وجعلها تمرة وأمانة في يد الأجيال القادمة..
مرحلة بناءنمادج من قصور مشيخة الغرفة
بناء على الكتابات التاريخية، يمكن ارجاع تأسيس قصور مشيخة الغرفة الى مرحلة مبكرة من التاريخ الوسيط، خلال القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي وفي هذه المشيخة توجد قصور وقصبات يتضح من شكلها المعماري أنها تعود الى ماقبل ظهور الدولة السعدية، وهذا يدل على أن سجلماسة خربت قبيل عهد السعديين حتى لم يبقى منها سوى الأسوار، وانتقلت أهميتها التاريخية إلى القصور المجاورة وخاصة قصر الشرفاء السعديين. “ص428″.
ان رواية محمد بن الحسن الوزان كمايوضح الأستاذ ” لحسن تاوسيخت ” معظم القصور بتافيلالت ظهرت مباشرة بعد اندثار مدينة سجلماسة، لما خربها سكانها وهدموا سورها وذهبوا للضواحي وبنو قصورا خاصة بهم كان عددها في بداية القرن العاشر الهجري، الموافق للقرن السادس عشر الميلادي أي حوالي تلاثمئة وخمسين قصرا، ومن أهم القصور كما جاء في بعض الكتابات التاريخية، نجد تلاثة قصور بالأساس وهي:
أولا قصر تانيجوت: يعود تأسيس هذا القصر الى فترة خراب مدينة سجلماسة، وهو قصراندثر حاليا ولم يتبقى سوى اسمه، مشيخة تقع بالجزء الشمالي للواحة ومن اهم قصورها نجد القصر الفوقاني، والقصر الثالث قصر المأمون الذي عرف تاريخيا بتجارة اليهود والمسلمين، كان موقعه على بعد كيلومتر واحد جنوب غرب قصر تابوعصامت على الضفة الكبرى لواد زيز، والقصر الثالث هو قصر تابوعصامت، الذي يقع في جنوب سجلماسة وهو لازال قائما الى الأن ويقع في جنوب سجلماسة ويعد من أكبر قصور المنطقة من حيث سكانه.
Source : https://dinpresse.net/?p=8914