الدكتور عبد النور بزا
هناك منشور يروج عبر وسائل التواصل الاجتماعي مفاده أن كل من أفطر عند غروب الشمس؛ فصيامه باطل بدعوى أن الله تعالى قال :” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ” ولم يقل إلى غروب الشمس مما يعني أننا نفطر قبل دخول الوقت المنصوص عليه وهو الليل في زعم صاحب المنشور وليس عند غروب الشمس. بل بعد زوال الشفق الأحمر نهائيا وهو ما لا يقل عن ثلث ساعة.
ولا سبيل إلى التحقق من صحة هذه الدعوى أو بطلانها إلا بالتحاكم في فهم كلمة الليل إلى اللغة العربية ابتداء. وذلك لسبب بسيط وهو” أن الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، فَطَلَبُ فَهْمِهِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ خَاصَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ ( يُوسُفَ: 2).وَ ﴿ِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ ( الشُّعَرَاءِ: 195 ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ وَبِلِسَانِ الْعَرَبِ، فَمَنْ أَرَادَ تَفَهُّمَهُ، فَمِنْ جِهَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ يُفْهَمُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَطَلُّبِ فَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ”. الموافقات، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. دار ابن عفان. ط1. 1417هـ/ 1997م. 2 / 102.
1- ماهية الليل في لسان العرب
إذا تقرر ما مر؛ فما معنى الليل في لغة العرب ؟
قال ابن سيده في كتابه المحكم والمحيط الأعظم، وابن منظور في كتابه لسان العرب: ” اللَّيْلُ: عَقِيبُ النَّهَارِ ومَبْدَؤُه مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ.”
المحكم والمحيط الأعظم. ابن سيده. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط1، 1421 هـ / 2000 م. 10 / 396
لسان العرب. ابن منظور. دار صادر. بيروت. ط3. 1414 هـ. 11 / 607.
وجاء في المعجم الوسيط: ” اللَّيْل: مَا يعقب النَّهَار من الظلام. وَهُوَ من مغرب الشَّمْس إِلَى طُلُوعهَا. وَفِي لِسَان الشَّرْع؛ من مغْرِبهَا إِلَى طُلُوع الْفجْر ويقابل النَّهَار.” المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى – أحمد الزيات – حامد عبد القادر – محمد النجار). دار الدعوة. د ط. ولا ت. 2 / 850.
وإذا وضع معنى الليل في معهود العرب؛ فما المراد به عند المفسرين ؟
2- ماهية الليل عند المفسرين
لا خلاف بين المفسرين قدامى ومحدثين في أن وقت الليل يبدأ من غروب الشمس، وفيما يلي جملة مما نصوا عليه في تفسير قوله تعالى: ” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.”
1- ابن عطية الأندلس : ” والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس.” المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد. دار الكتب العلمية. بيروت. ط1. 1422 هـ. 1/259.
2- فخر الدين الرازي: ” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ” وَجَدْنَاهَا عِبَارَةً عَنْ زَمَانِ غَيْبَةِ الشَّمْسِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى مَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَيْلًا مَعَ بَقَاءِ الضَّوْءِ فِيهِ فَثَبَتَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْلًا ، وَأَنْ لَا يُوجَدَ النَّهَارُ إِلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الْقُرْصِ ، فَهَذَا تَقْرِيرُ قَوْلِ الْأَعْمَشِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ سَلَّمَ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طُلُوعِ الصُّبْحِ فَقَاسَ عَلَيْهِ آخِرَ النَّهَار ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الْحُمْرَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ: بَلْ لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ إِلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الْكَوَاكِبِ، وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ قَدِ انْقَرَضَتْ، وَالْفُقَهَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِقْصَاءِ الْكَلَامِ فِيهَا. مفاتيح الغيب. دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط3. 1420ه. 2/ 162.
3- أبو حيان الأندلسي: ” الليل ، لَيْسَ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ ، لَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَحَقُّقِ عِلْمِ انْقِضَاءِ النَّهَارِ دُخُولُ جُزْءٍ مَا مِنَ اللَّيْلِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْلُ الْكِتَابِ يُفْطِرُونَ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْعِشَاءِ ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخِلَافِ لَهُمْ ، وَبِالْإِفْطَارِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. البحر المحيط في التفسير. تحقيق: صدقي محمد جميل. دار الفكر. بيروت. د ط. 1420 ه.2/ 218.
4- ابن كثير: ” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ” يَقْتَضِي الْإِفْطَارَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ” وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” لَا يَزَالُ النَّاسُ بخير ما عجلوا الفطر ” أخرجه الشيخان.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلِيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا.” وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. تفسير القرآن العظيم تحقيق: محمد حسين شمس الدين. دار الكتب العلمية، بيروت. ط1. 1419 هـ. 1 /382
5- محمد رشيد بن علي رضا: “ ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فُهِمَ مِنْ غَايَةِ وَقْتِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَبْدَأُ الصِّيَامِ. وَذَكَرَ فِي هَذِهِ غَايَتَهُ وَهِيَ ابْتِدَاءُ اللَّيْلِ بِغُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَهَابِ شُعَاعِهَا عَنْ جُدْرَانِ الْبُيُوتِ وَالْمَآذِنِ، وَلَا يَلْزَمُ أَهْلَ الْأَغْوَارِ وَالْقِيعَانِ ذَهَابُ شُعَاعِهَا عَنْ شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ بَعِيدَةً كَانَتْ أَوْ قَرِيبَةً، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ فِي أُفُقِهِمُ الَّذِي يَتْلُوهُ إِقْبَالُ اللَّيْلِ. قَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” إِذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلْمَبَانِي الْعَصْرِيَّةِ الشَّامِخَةِ فِي بِلَادِ أَمْرِيكَا حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ. ” تفسير القرآن الحكيم ( تفسير المنار ) الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1990 م. 2 / 143.
محمد الطاهر بن عاشور التونسي :” وإِلَى اللَّيْلِ غَايَةٌ اخْتِيرَ لَهَا (إِلَى) لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَعْجِيلِ الْفِطْرِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَن إِلَى لَا تَمْتَدُّ مَعَهَا الْغَايَةُ بِخِلَافِ حَتَّى، فَالْمُرَادُ هُنَا مُقَارَنَةُ إِتْمَامِ الصِّيَامِ بِاللَّيْلِ.” التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر. تونس.1984هـ. 2/ 184.
6- محمد متولي الشعراوي: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل ﴾ ( البقرة: 187 )
فهل يدخل الليل في الصيام ؟ لا، لأننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي نصل الليل بالنهار صائمين. تفسير الشعراوي ( الخواطر ). مطابع أخبار اليوم. 1997م. 5 / 2951.
7- سعيد حوّى: ” ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ: أي ثم استمروا بالكف عن هذه الأشياء إلى دخول الليل. وعلامة ذلك، غروب الشمس.” الأساس في التفسير. دار السلام. القاهرة. ط6، 1424 هـ. 1/ 420.
والحاصل؛ أن الدعوى القائلة ببطلان صيام المفطرين عند غروب الشمس؛ ليست جديدة؛ بل هي دعوى شيعية قديمة. وأقل ما يقال عنها: لا دليل عليها، وهو ما يقطع ببطلانها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8152