الدكتور حمزة النهيري
وصفها بشهيدة العشق الإلهي هو من تدبيج الفيلسوف الوجودي الكبير عبد الرحمن بدوي الذي كتب عنها كتابا بديعا وسمه بشهيدة العشق الإلهي.. ، وإطلاق وصف العشق الإلهي هو من المجاز اللغوي، لأن العشق مرتبة من مراتب الحب يكون غالبا مقرونا بشهوة و قد يكون مرضا لصاحبه.
وأنشد بعضهم في ذم العشق: إن العشق لهو الهوان بنفسه فمن عشق لقي الهوانا
تعود علاقتي بالسيدة رابعة العدوية البصرية رحمها الله (توفيت سنة 185 ه) إلى سنوات الطفولة، فقد شاهدت مرارا وكرارا هذا الفيلم الذي قدم به السيد الوالد حفظه الله على أشرطة الفيديو، يوم كان الفيديو ذا شأن وبال.. وقد مثلت دور رابعة العدوية الممثلة نبيلة عبيد وسيدها كان فريد شوقي، وبغض النظر عن مقاطع المجون والرقص التي تخللت ذلك الفيلم حيث انطبع في ذهني أنها كانت لاهية غانية قبل تصوفها وزهدها.. ، لكن حالة الزهد والتعبد هي الصورة التي أحملها في ذهني عن هذه السيدة رحمها الله.
ولا أخفيكم أن مشاهد تعبدها لاتفارق مخيلتي، وهكذا تفعل السينما والفن في وجدان الإنسان ومخيلته. ولكنني للأسف لست ناسكا مثلها، وأحب الصالحين وأرجو شفاعتهم.
وبغض النظر عن قول الائمة المرضيين فيها كشيخ الاسلام ابن تيمية إلا أن هذه السيدة تمثل علما بارزا في تاريخ التصوف النسوي، فقد شاع عندنا أن الفقه والتصوف ذكوريان وهذا ليس بسديد لأمور ليس هذا محل ذكرها.
قالوا في ترجمتها مكثت رابعة أربعين سنة لا ترفع رأسها حَيَاءً من الله” ويروى أنها كانت دَائمَةُ الحُزنِ وَالبُكَاء …. وَلمَا سُألَت لِمَا كُل هذا؟ أجَابَت : أخشى أن يُنَادِي صَوّتٌ في اللحظات الأخِيرة ويقول … إن رابعة ليست جَدِيرة بِالمُثُّولِ في حَضرتنا القدسية”.!!!! وقالت أيضا كان لا بُدّ لي .. مِن الفَنَاء بِكَ عن كُلِ مَحْبُوب ….. كَيّْ ألقَاك”. وَالظَّمَأ عن كل العَالمِيِّن كَيّْ .. أرتوي ﺑِﻚ.
فهي من أعلام مدرسة العشق في التصوف.
وهنا ملاحظة مهمة أرجو الانتباه لها، فالذي لم يدرس مصطلحات القوم كالفناء والسوى.. لايحق له الاعتراض على ظواهر الألفاظ..، وإن كنت أحفظ من كلامة العلامة زروق الفاسي في قواعد التصوف: الفقيه حجة على الصوفي وليس الصوفي حجة عليه..، وفي كلامه رحمه الله مسائل مهمة ينبغي مدارستها حتى لايظلم التصوف ويسوق على أنه الانحراف مطلقا والتسويق لعقيدتي الحلول والاتحاد وهما عقيدتان منفصلتان عن بعضهما، وأرجو أن يطلع القراء الأماجد على ماكتبه شيخ الاسلام الهروي في منازل السائرين مرات عديدة ثم بعد ذلك ينظر في الشروحات عليه كشرح ابن القيم والشنقيطي رحمهم الله جميعا، فهما شرحان بديعان لمنازل السائرين في مسالك إياك نعبد وإياك نستعين.
ولها رحمها الله من بديع الكلام والشعر ما يجعل الانسان يحترمها ويترحم عليها، وأنا على يقين أنه قد كذب عليها في كثير من المرويات فهذا شأن كل صاحب نعمة ومقام اختص به دون غيره.
وهي دعوة إلى ترك التسليم المطلق لكل روايات التاريخ فالخبر يحتمل الصدق والكذب كما هو مقرر في علوم الحديث والاسناد.
وفي سيرتها عبر كثيرة لايسع المقام لذكرها، وحسبنا أن نقصص القصص مذكرين أنفسنا وأحبابنا كما قال ربنا عز وجل “فاقصص القصص لعلهم يتفكرون” فالقصة جند من جنود الله كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه، يسوقها الله للاعتبار والتفكر.
رحم الله رابعة وأسكنها فسيح جناته.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9163