مخاض “الربيع” الموءود، وتفاعل المواقف حول الشريعة والإسلام..؟

محمد السوسي
2019-11-06T01:09:20+01:00
آراء ومواقف
محمد السوسي25 يناير 2014آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2019 - 1:09 صباحًا
مخاض “الربيع” الموءود، وتفاعل المواقف حول الشريعة والإسلام..؟

محمد السوسي
محمد السوسي
لعل الأحداث التي تعرفها البلاد العربية والإسلامية خلال هذه السنوات الثلاث كشفت الكثير مما كان مستورا، وأوضحت للناس أمورا كانت غامضة، وأبرزت من خبايا النفوس ما كان أصحابه يسعون جاهدين لإخفائه، وإذا كان هذا يشمل ميادين مختلفة في الحياة العامة والخاصة للفاعلين في المجتمعات على اختلاف مستوياتهم وتباين تياراتهم الفكرية والسياسية، فإن الموقف من الإسلام ودعاته لم يترك الناس على ما كانوا عليه من المسايرة ولا أقول المداهنة أو النفاق.

لقد كانت الشعوب على موعد مع نفسها، عندما فُتِح أمامها الباب ولو نسبيا لتقول كلمتها في المشاريع الاجتماعية المطروحة أمامها، ولم تتردد في اختيار المشروع الإسلامي، ليس لأن الداعين إليه تري فيهم العصمة، ولكنها تتجاوب مع فطرتها وعقيدتها، وما أن انجلت الأمور حتى نشطت الآلة الجهنمية التي وان كانت ترى أنه لا مانع من إدماج أو إشراك من تنعتهم (بالإسلاميين) فيما تسميه السياسة، وليس التدبير للشأن العام ودواليب الدولة، وفرق بين أن يكون هناك مجموعة من البرلمانيين الذين لا يؤثرون ولا يقدمون ولا يؤخرون وهو ما يعينه الإشراك أو الإدماج في السياسة عند الجهة الموصية، وإذ حصل ما حصل فإن الأمر استدعى من دهاليز الاستخبارات و ما كان مالك بن نبي يسميه (أجهزة الرصد) أن تستغل الفرصة لإجهاض التجربة بصفة نهائية، كما حصل في بعض البلدان عن طريق الانقلاب العسكري، أو محاولة العرقلة كما حصل في جهات أخرى أو التشويه أو محاولة إلقاء بعض ظلال الفساد كما حصل في جهات أخرى، اما تهمة الإرهاب والتطرف وما إلى ذلك فتلك تهمة كانت جاهزة منذ القرن التاسع عشر عندما كان يطلق على دعاة الإصلاح والنهضة ومقاومي الاستعمار وسياساته متعصبين ثم رجعيين من لدن أنظمة الحكم التي ورثت الحكم الاستعماري ثم التطرف والإرهاب وهذه الأوصاف جاهزة كأسلوب للقمع والإرهاب الفكري.

وعلى أي حال فإن الصراع مستمر ويستمر لأنه شاء الناس أم أبوا فهو الصراع الحضاري كما عبر عنه (صمويل هنتنجتون)، وأبينا نحن العرب والمسلمين أن يكون كذلك، وحاولنا أن نلطف الجو بابتداع تحالف الحضارات أو تلاقح الثقافات.

ولكن أصحاب الطرح الأول لم يقتنعوا وان سايروا لأنه في نفس الوقت كانت القوة العظمى تفرض توجهها بما أسمته “العولمة” التي لا تعترف إلا بقطب واحد وتوجه واحد هو الرأسمالية المتوحشة واللبرالية المتطرفة، بقطع النظر عما آلت إليه الأمور من ردود الفعل التي أدت إلى الأزمات الاقتصادية والى الغليان الحالي في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك فإن التوجه القديم الجديد، تجاه الإسلام والعالم الإسلامي لم يتغير ولن يتغير، وفي خضم هذا الجو طفا على السطح في بلادنا إثارة بعض القضايا التي افترض أنها انتهى أمرها منذ زمان، وفي هذا السياق برز اسم شخصية من شخصيات النضال والجهاد الوطني والاجتهاد في فهم أحكام الإسلام ومقاصده، وهو الزعيم علال الفاسي، ومع نفس الإشارة خرج احدهم بما اسماه مذكرات ليحاول من خلال ذلك النيل من الحركة الوطنية وليس من الأشخاص.

ومع أن الأمر في موضوع أحوال الإرث وغيرها فصل فيها جلالة الملك محمد السادس عندما قال في خطابه في افتتاح الدورة البرلمانية أكتوبر 2003 (لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله).

وفي حديث الجمعة اليوم نتناول الشق الأول من الطرح على أن نتناول إن شاء الله الشق الثاني في حديث مقبل.

بين من يعرف ومن يهرف

لعل ما يميز الرجال الذين يتقدمون متطوعين لخدمة أمتهم، أو للدفاع عن فكرة معينة أو يسعون لإنجاز مفخرة أو مأثرة للناس هو أنهم يعرضون أنفسهم للقيل والقال من لدن من يعرف ومن يهرف، وإذا كان القول من لدن من يعرف فإن كلامه أو قوله لا مفر من أن يكون له وجه يبرر القول، أو يوضح مسار هذا القول، وبين الغاية التي يسعى من ورائها القائل، والى مثل هؤلاء يصغى الإنسان ويتأمل مرامي القول عندهم وما يمكن أن ينتج عن هذا القول من فائدة، أو من إتمام فكرة أو توضيحها، أو إتمام عمل وتقويته، إذا كان من يصدر منه مثل هذا القول، فالناس هنا لا يلومون لأن الإنسان إذا قال أو كتب فإنه يتوجه إلى الناس الذين لهم الحق في القبول أو الرفض، ومن احتكاك الآراء وحتى تضاربها تبرز الحقيقة، ويستقيم هذا القول أو ذاك أو هذا الرأي أو ذاك، ومن هنا كان المبدعون في أغلبهم لا يتبرمون من النقد الذي يستوفي الشروط والأسس التي تفترض في النقد وصاحبه.

تخرصات وأوهام

وإذا كان الأمر هكذا في مجال الإبداع مع تنوعاته وأشكاله، ويكون الناس في واقع أمرهم على بينة مما كتب وما قيل، ولكن الذي يصعب إدراكه هو عندما يأتي النقد من أناس لا دراية لهم بما يخوضون فيه وإنما يوظفون كلاما قبسوه هنا أو هناك أو سمعوه هنا أو هناك، وهذا في الواقع دأب الكثير من الناس الذين يتصدرون اليوم واجهة الحياة العامة في كثير من البلاد العربية ومن ضمنها المغرب طبعا، فهم يقولون الكلام الذي هو ممن يهرف بما لا يعرف، فهم في أقوالهم يصدرون عن موقف ذاتية تجاه الأشخاص وتجاه الأفكار ثم سرعان ما يقتنعون أن ما يروجونه الذي كان مجرد تخرصات وأوهام فإذا بهم فجأة يريدون أن يقنعوا الناس أن ما يرددونه في نفوسهم وما حاولوا إقناعها به حقيقة يمكن أن تذاع بين الناس.

الشفوية الغالبة

وقد تسأل لم ذلك؟ لأنهم في ذلك يسعون لتحقيق أمرين مهمين، فهم من جهة بما يكتبون أو يقولون موجها ضد شخصية عامة أو رجل فكر وعلم أو ربما جمع بين هذه الصفات كلها يقربهم من الناس وحتى يجعل الناس يهتمون بما يقولون وما يكتبون إذا هم كتبوا لأن اليوم مسألة الكتابة والقدرة عليها لم تعد شرطا ولا أمرا مطلوبا، فالشفوي اليوم يتحول خلال الظروف التي تعاني منها الشعوب والأوضاع الثقافية والعلمية إلى معرفة وعلم والأمر الثاني هو أنهم ينشرون ظلال الوهم والتشكيك فيما رسخ عند الناس من تقدير واحترام لهذا الخصم الذي يراد النيل منه، أو التنقيص  من عمله ودوره ومكانته.

جهاد واجتهاد

ولعل شخصية علال الفاسي هذه الأيام حركت شهية الكثيرين للحديث عنه لأسباب متعددة وإذا كان الحديث عن الرجل لدى الكثيرين ينبع من حسن النية بل ومن الاعتراف بدوره ومكانته الوطنية والعلمية والوطنية، وجهاده لتحرير وطنه وأمته العربية والإسلامية واجتهاده لتحرير العقول والعودة بها إلى النبع الصافي نبع القرآن والسنة وعمل السلف الصالح، فإن البعض يتحدث من واقع لا يمت إلى النزاهة أو الاستقامة الفكرية بصلة، وإنما ينبع من هواجس إنسانية ولا أريد أن أقول انه نابع من وراسب معادية ليس للرجل ولكن لما يمثله من فكر وطني وعقيدة إسلامية راسخة، ولدوره الوطني المتميز في حركة تحرير المغرب ووحدته.

حائز قصب السبق

ومن المؤكد انه لا يمكن لما يحاوله بعض الحاقدين من إلقاء بعض الشكوك أو ظلال من الشكوك على بعض مواقف الرجل أن ينال من الحقيقة الناصعة، ولاشك أن الرجل في هذا المجال لا يحتاج إلى دفاع لأنه ليس من طينة الذين يعتمد الناس في شأنهم على الشفوي أو قال لي فلان، فلا يمكن أن تترك ديوان شعر من أربعة أجزاء أو ثلاثة مجلدات بحسب الطبع كل سطر وكل بيت أو شطر ينطق بحقائق دامغة، ومواقف صريحة وواضحة يمكن أن يرجع إليها من شاء فأناشيده الوطنية التي كان يتغنى بها الشباب المغربي في الأندية والمنظمات الشبابية ويصبح ويمسي عليها تلاميذ المدارس الحرة وغيرها، وترددها الجموع والجماهير الشعبية في تجمعاتها وهي تربي لدى الجميع الشعور الوطني الصادق وترسخ في الأذهان لدى الناشئة الإخلاص للوطن والإخلاص للعقيدة الإسلامية والدفاع عن النظام الملكي الذي كان المستعمر يسعى لإيجاد الشقة أو الابتعاد بين الجالس على العرش والشعب، هذه الأناشيد التي لا تزال اليوم متميزة ولا يمكن لأي كان أن ينافسه في هذا المجال، لقد تبارى فرسان الشعر المغاربة في هذه المرحلة مرحلة ترسيخ الشعور الوطني ولكنه كان متميزا وصاحب قصب السبق.

دور التشويش

وقصائده الرائعة وملاحمه الشعرية تسد الطريق على كل مشكك أو محاول للتشكيك ولاسيما إذا كانت بضاعته بضاعة مزجاة وكان لا ينطق ولا يبين وكانت مواقفه الوطنية مواقف مناسبات وانتهاز فرص، وكان دوره أساسا مبنيا على محاولة التشويش على المسار الوطني والنضال الجماهيري من أجل بناء الحياة الديمقراطية النظيفة على أساس الملكية الدستورية التي كان لعلال الفاسي دور كبير في الدفاع عنها والعمل من أجل ترسيخها، في حين كان الغير يتآمر عليها وحتى إذا قتل هذا التآمر وتم وأده في مهده يحمل البعض راية الدفاع عن الذين جاهروا ونفذوا هذا التآمر.

إنتاج غزير

وإذا غادرت الشعر فأنت أمام إنتاج فكري زاخر في كل المجالات وهو قد حرص على تسجيل مواقفه ومواقف غيره من الناس ولذلك فإن الكلام في هذا الباب ومحاولة اصطناع مواقف ونسبها إلى الغير لا يمكن أن ينجح بعد وفاة علال كما لم ينجح في حياته معه وهذا موضوع قد تكفل بتناوله الكثير من تلاميذ علال سواء على مستوى المؤسسة أو على مستوى الحزب أو غيرهما من طرف الأساتذة والمؤرخين والنقاد. النزهاء القادرين على أن يعطوا للمواقف وللكلمة المكانة المناسبة والصادقة، وعلى أي حال فموضوع اليوم هو موضوع آخر يجب أن نقول فيه كلمة.

تجزئة خارج السياق

لقد أثير في الأيام الأخيرة كذلك موضوع الإرث وأنصبة كل من الرجل والمرأة كما حددها القرآن الكريم وبصفة خاصة قوله تعالى: «للذكر مثل حظ الأنثيين» هذه الآية التي يقرأها بعض الناس منفصلة عن سياقها، ويعتبرون أن الإرث كله محصور في هذه الحالة وليس هناك غيرها، والواقع أن الفرائض وتوزيع التركة بين الورثة ليست هذه الحالة إلا حالة واحدة من مجموع حالات وردت في ثلاث آيات متتابعة في بداية سورة النساء و آية أخرى هي 176 من نفس السورة وهي آخر أية فيها. ومن تأمل هذه الآيات وما تتضمنه يدرك من خلالها أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، ففي نفس الآية يأتي «ولأبويه لكل واحد منهما السدس» الآية، حيث يتساوى الأب والأم أي الذكر والأنثى.

وصور توزيع التركة كثيرة ومتعددة حتى أصبحت مما يختص به بعض العلماء والعدول فصار الوصف يلحق هؤلاء فيقال فلان “الفرضي” بمعنى أنه يتقن توزيع التركات ويضبط الأنصبة وتقنية وفقه المسائل التي يطرحها تشابك الأسر والاقتراب والبعد من الهالك وما يستلزم ذلك من حجب البعض كليا أو جزئيا أو غير ذلك، ومن يرث بالفرض ومن يرث بالتعصيب وليس هذا الأمر مما يتقنه ويعلمه الناس جميعا حتى بين الفقهاء أنفسهم.

موقفان مختلفان

ويجب التذكير هنا أنه ليست أول مرة يطرح فيها الموضوع على بساط المناقشة والأخذ والرد ولكنه كان يثار ولو من باب الاستفزاز ولكن الجديد في الموضوع هو الشكل الذي طرح به والجهة التي طرحته مما أعطاه حساسية خاصة وإذا كان النقاش والضجة التي أثير استدعى طرح اسم علال الفاسي مقارنة لموقفه من تعدد الزوجات حتى بدا الأمر وكان موقفه من الأمرين مشابه وهو على النقيص تماما فإذا كان في موضوع التعدد يلجأ إلى باب سد الذريعة لأنه ليس هناك نظام قادر على كبح الجور وعدم تحقيق العدل عند التعدد فإنه يرى منعه لا تجريمه وفرق بين التدقيق في توفر العدل واليقين منه وبناء الحكم على أساسه وبين الإطلاق والدعوة إلى التجريم فالأمران مختلفان وبالعودة إلى الفصل الذي كتبه علال في النقد الذاتي نجده يقول:

سد الذريعة

«فالتعدد غير ممنوع في الإسلام لذاته، ولكنه ممنوع بما زاد على الاربع من أجل الظلم المحقق فيه والذي لا يمكن أن لا يقع، واما بما دون الأربع فيجب أن يكون مباحا في المجتمع القائم على جهاز نظامي يمنع من كل ظلم واعتداء، اما في كل مجتمع يتحقق أو يخاف فيه من العبث بالحقوق الخاصة للعائلة أو العامة من أجل رضاء الشهوة فيجب سد الذريعة فيه يمنع التعدد ودرء المفسدة فيه.

حكم قطعي

وأما موضوع الإرث ففيه نص قطعي غير قابل للتأويل ولا للنقاش، ولأنه في إطار منظومة تشريعية كاملة ترتبط بالنفقة والالتزامات التي يتحملها كل فرد من أفراد الأسرة طبقا لأحكام الشريعة ونظامها الكامل والمتكامل والذي يجب الأخذ به كاملا.

والعالم الإسلامي بقي كله محافظا على نظام الأحوال الشخصية وملتزما به من لدن جميع الحكام والحكومات والتي حاولت تجاوزه اصطدمت بواقع الناس الذين يرفضون أن يأتوا ما يعتبرونه حراما أو يقبلون منع ما يعتبرونه حلالا ولذلك فكل عمل لا يماشي العقائد الإيمانية فإن الناس يتحايلون بكل الوسائل لاجتنابه، وأمامنا مسألة تزويج الفتيات ما دون الثامنة عشرة في بلادنا بعد صدور مدونة الأسرة فالعقود المنجزة بكيفية قانونية تعد بعشرات الآلف في السنة لأن الناس لهم فهم وقناعة وإيمان هو غير فهم ما لدى المشرع الذي أجاز هذا المقتضى في القانون والذي ليس في الشرع ما يمنعه وليس فيه ما يأمر به فهو من باب المسكوت عنه، ولكن الناس وجدوا فيه حرجا لأسباب متعددة ولذلك يخرجون عنه ويساعدهم في ذلك القانون ومن بيده تطبيقه وتنفيذه.

اللادينية وأزمة حزب

والإرث الذي أثير أمره سبقت إثارته في السنوات الأولى من الاستقلال وذلك ان حزبا وطنيا في تلك المرحلة كان يعيش أزمة داخلية في تحديد موقفه من الهوية الدينية للحزب حيث كانت مجموعة من العلماء ومعهم جماهير الحزب في اتجاه الهوية الحقة للمجتمع وكانت لدى الحزب قيادة نعتها خصومها بأنها قيادة لا دينية واصدر احد العلماء الذين كاتبوا آنذاك المرحوم محمد بن الحسن الوزاني في هذا الباب وهو الأستاذ الدكتور إدريس الكتاني كتابا ضمنه الرسائل الموجهة إلى الأمين العام للحزب والمواقف الصادرة عن الحزب في هذا الصدد وعنوان الكتاب “المغرب المسلم ضد اللادينية” محرم 1378- غشت 1958.

الموقف الصريح

ولعل هذا التيار من الحزب هو الذي كان يوجه “جريدة الديمقراطية” التي كان يصدرها حزب الشورى باللغة الفرنسية وكانت هذه الجريدة تطرح بعض القضايا الحساسة والتي يعتبر خصومها انها تنفذ أجندة أجنبية في هذا الموضوع كما في غيره. عن هذا الطرح في هذا الوقت كتب علال الفاسي مجيبا في ركن رأي مواطن في العلم ليحدد موقفه وموقف الإسلام والشعب المغربي المسلم من الموضوع وجاء مقاله تحت عنوان:

تملق ممقوت

ما كنت اعتقد ان أحدا من أبناء وطننا يسمح له طيشه أن يتملق بعض النساء الأوربيات إلى حد الطعن بألسنة أعجمية. لا تقرأها إلا أوساط أجنبية في تشريعات إسلامية ينطق بها صريح القرآن ومدلوله، وما كنت أظن أن حب الإعجاب للأجنبي والحصول على رضاه يبعث بضعفاء النفوس إلى هذا الحد الذي قرأته في صحيفة تصدر باللغة الفرنسية وتدعي أنها تعمل لخدمة المجتمع المغربي، ويكتبها وينشرها مغاربة ولدو ونشأوا ولا يزالون مسلمين. فقد زعمت هذه النشرة ان من الظلم للمرأة أن ترث نصف الرجل وطالبت بإلغاء هذا التشريع الذي تنص عليه آية واضحة في كتاب الله (للذكر مثل حظ الأنثيين) وقد زعمت ان ذلك ما تستدعيه المساواة التي تنص بها الروح الديمقراطية.

الوجدان الجريح

انه ليس من عادتي أن أجيب صحف المتحرشين بنا من المغاربة بل أقصر ردودي دائما على المستعمرين، ولكن هذه مست وجداني في الصميم ولذلك لا يمكنني إلا أن أجيب عنها.

إن الإسلام هو الذي قرر مبدأ المساواة للمرأة حتى في الميراث ولكن يجب أن يفهم شرع الله على حقيقته، فالمرأة ترث النصف أحيانا ولكنها ترث أكثر من الرجل في صور من التعصيب كثيرة، فلا يقال: ان المرأة ترث أقل من الرجل بإطلاق، وأن نظرة واحدة على كتاب التركات كافية لفهم الحقيقة ثم ان الرجل تكلف بالإنفاق مقابل ماله من ميزة الرئاسة في العائلة، فهي اتفاقية تقوم على أساس الرئاسة والنفقة للرجل والتدبير المنزلي والتربية للمرأة، وفيما عدى ذلك فالكل سواء.

لست أريد أن أشرح في تعليق صغير ما قرره الإسلام للمرأة من حقوق ويكفي أن أحيل الجميع على قراءة الفصول التي كتبتها في هذا الموضوع ضمن كتابي (النقد الذاتي) ولكنني أريد أن أنبه إلى خطورة التملق للجماهير الأجنبية ولو على حساب الإسلام وشريعته.

الاتهام بالتعصب

إن جميع الأوروبيين الذين يكتبون عني يتهمونني بالتعصب، ولكنني فخور بذلك ولا يعنيني أبدا أن يقال عني أنني متسامح، إذا كان ذلك سيفرض علي أن أتنازل عن أقل شيء من ديني أو حقوق وطني فما الداعي إذن للكتابة في جريدة تصدر بلغة فرنسية وتزعم أنها تقوم بدور الدفاع والدعاية للمغرب في الأوساط الأجنبية بما هو صريح من ان المرأة تضطهد في المغرب لأنها تحكم بشريعة إسلامية تورثها نصف ما يرث الرجل؟

إني أتحدى الكاتب ان يدلني على أية شريعة تحفظ حقوق المرأة أكثر من الإسلام؟

هل يستطيع أن ينكر ان شرائع الغرب تسمح للرجل بأن يوصي بتركته لمن يشاء ويترك زوجته دون شيء بالمرة وأولاده عالة يتكففون الناس.

موقف الشعب

ويختم علال مقاله بالفقرة التالية التي يذكر فيها بضرورة احترام دين الشعب.

ان الإسلام يا سادة، ليس بآلهية يتلهى بها، وان الشعب المغربي لا يقبل أن تستهزئ صحيفة بدينة على ملاء ومسمع من الناس، فاشتمونا إذا شئتم، وشنعوا على الحكومة الوطنية بالحق والباطل واستغلوا بؤس العاطلين وانشروا بهم الدعاية ضد نظامنا الوطني في صحيفة مهيئة للأجانب، افعلوا ذلك كله إذا شئتم ولكن حذار من ان تنالوا من شريعة الإسلام مرة أخرى فإننا ما كافحنا إلا ليبقى المغرب بلدا إسلاميا، ولتكون فيه كلمة الله هي العليا، وصدق الله العظيم: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.

ونختم هذا الحديث بجزء من قصيدة طويلة كتبها الشاعر علال الفاسي عام 1971 بعنوان : (أغنية من الباطن) جاء فيها:

ان كنتم من ديننا فعلام لا تتحاكمون إلى شريعة ديننا

وتفضلون الأجنبي إذا تشرع أو حكم؟

وتقاومون معاهد الإسلام،

وعلومه وثقافة الإسلام في أسمى أصالة.

وتراثنا السامي وجامعة بناها الأولون،

وتتابعت في رفع رايتها القرون،

وتفجرت منها العلوم وكل شيخ قائم بالدرس،

التفكير والإبداع والتنوير والتبشير بالدين الحنيف

ويرفع ألوية الحضارة في ربوع إفريقيا

وينقل معرفة الجدود إلى أوروبا الجاحدة

وتشجعون مدارس التبشير والتنصير

ومعاهد المتهودين

ومراكز البعثات

وتسامحون مبشري الزيغ الجديد

زيغ البهائية الحقود

حلف الصهاينة الكنود

ودعاة كل الهرطقات، وكل تحريف وهدم

والريب والتجريد والعدمية

مع ذاك، هل انتم لنا، من ديننا؟

قولوا لنا

هل انتم من ديننا، من قومنا، من شعبنا، من أرضنا؟

قولوا لنا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.