حاضر الدكتور عمر الكتاني (الخبير المغربي في الاقتصاد الإسلامي) في موضوع (منظور الاقتصاد الإسلامي للتنمية البشرية)، وذلك في المحاضرة الافتتاحية للملتقى العلمي لمدينة تطوان في موضوع: (علاقة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالتنمية البشرية) تحت شعار قوله تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، [للرعد:11]، الذي تنظمه جمعية الثقافة الإسلامية بتطوان بالتنسيق مع هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمملكة العربية السعودية، وكرسي الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس، والمركز المغربي للإعجاز العلمي والتنمية البشرية، أيام 3/4/5 جمادى الثانية 1435هـ/3/4/5 أبريل 2014م.
افتتح المحاضر حديثه بالحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الشريفة وأفق البحث فيه، حيث صرح أن الإعجاز العلمي نواجهه اليوم بعجز علمي في قراءة القرآن الكريم، ومن بين هذا الإعجاز العلمي الإعجاز الاقتصادي الإسلامي الذي يتميز بخصوصية لا توجد في الاقتصاد الغربي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي، ففي حين أن الاقتصاد الغربي ينبني على قطاعين هما: القطاع العام والقطاع الخاص، نجد الاقتصاد الإسلامي ينبني على ثلاث قطاعات: العام والخاص و القطاع الاجتماعي، وهذا الأخير هو الذي يسمى اليوم بالمجتمع المدني وله علاقة مباشرة بالتنمية البشرية، إذ هو أكثر اسثمارا فيها.
ثم تحدث فضيلة الدكتور عن أن الذي كان يمثل هذا القطاع في الحضارة الإسلامية هما مؤسّستا الزكاة والأوقاف، فهما اللتان كانتا تستثمران في التنمية البشرية، ولم تكن تمول من القطاع العام والخاص، وإنما من القطاع الاجتماعي (=المجتمع المدني)، فكانت هاتان المؤسّستان حسب الدكتور تخففان من عبء الخدمات الاجتماعية على الدولة.
ويضيف أننا اليوم لم ننتبه في أغلب الأحيان إلى أن المشكل الواقع في الخدمات الاجتماعية وعجز القطاع العام والخاص عن تمويلها (تعميم التعليم، محاربة الأمية، الصحة، التقاعد، صندوق المقاصة) راجع بالأساس إلى غياب القطاع الاجتماعي.
وهنا يربط الدكتور بين الإعجاز العلمي والاقتصاد الإسلامي، بالدعوة إلى ضرورة التعيلم وتكوين أطر وإيجاد تخصصات ومؤسسات، تعمل على إبراز أهمية الاقتصاد الإسلامي في القضاء على الفقر والهشاشة، وتحقيق تنمية بشرية حقيقية.
والاقتصاد الإسلامي اليوم حسب الدكتور تجاوز الواقع النظري إلى التطبيقي حيث يوجد الآن مؤسسات البنوك الاجتماعية التي تقوم بتمويل الخدمات الاجتماعية، ومؤسسات التمويل المصغر (بنوك الفقراء)، والصكوك الوقفية (الوقف النقدي) باعتباره أسلوب جديد لتمويل الخدمات الاجتماعية بدل وقف الأملاك كالسكن الاجتماعي مثلا…
إن القطاع الاجتماعي (=المجتمع المدني) يمكن أن يقوم بدور كبير في مجال الخدمات الاجتماعية وتحقيق التنمية البشرية، فللّه الحمد عندنا طاقة عطاء لا تحد حتى عند الفقراء، لكن ما نحتاج إليه حسب الدكتور عمر الكتاني هو الثقة والضمانات والمؤسسات والمخططات والبرامج.
وأعرب أيضا أننا كمنظومة اقتصادية تأخرنا حتى عمّا كانت عليه الخدمات الاجتماعية في الحضارة الإسلامية، فمؤسسة الوقف في حضارتنا كانت تمول (السكن الاجتماعي، والحمامات العمومية، والمكتبات، والجامعات العلمية الكبرى، والمارستانات، والبنية التحتية….).
فالمشكل اليوم حسب الدكتور هو مشكل سياسي بالأساس، فالدولة لم تعد قادرة على هذه الخدمات، وفي نفس الوقت ليست مستعدة للتنازل عن هذه الخدمات للمجتمع المدني خشية أن يكون هناك خلفيات سياسية حزبية وغيرها…فالمعضلة معضلة قرار، كيف يمكن للدولة أن تطمئن أن الذين سيمسكون هذه الخدمات ليست لهم خلفيات حزبية سياسية معينة؟.
وختاما قدم فضيلة الدكتور حلاّ اقتصاديا للاستثمار الاجتماعي (باعتباره تخصص له شروط ومؤسسات)، وهو أنه ينبغي أن نستثمر في القرى، لأن المدن مكلفة، وبالنظر إلى اشتغال المجتمع المدني نجد غالب اشتغاله في المدن مما يستنزف طاقات مادية وبشرية كبيرة، بعكس القرى حيث الأرض والخدمات والضرائب غير مكلفة… وهو ما سيسهم في توفير مداخيل عالية للاستثمارات الاجتماعية بأقل كلفة، ويساعد أيضا في تقليل الهجرة إلى المدن، والتي بدورها تزيد الكلفة على الدولة والمجتمع المدني عموما.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=3025