سعيد الكحل
على مدى تسع سنين وحزب العدالة والتنمية يهمّش الأطر والكفاءات المغربية ويستغني عن خبراتها في مجالات تخصصها. إذ لم يكن همّه خدمة الوطن والشعب والاستجابة لانتظارات المواطنين في توفير وتحسين الخدمات الاجتماعية التي ظل يعد بها منذ خوضه غمار المنافسات الانتخابية ، بقدر ما كان الهاجس هو تحسين أحوال قيادات الحزب سواء عبر التعيين في المناصب السامية أو بتعدد التعويضات المالية في المهام الانتدابية والتمثيلية الانتخابية، لدرجة أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني رفض مقترح قانون تقدم به أعضاء في التحالف الحكومي يقضي بإلغاء تعدد التعويضات اعتبارا للأزمة المالية والاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا.
لقد جعل رئيس الحكومة مصلحة أعضاء الحزب فوق مصلحة الوطن. وهذا ما كشف عنه تصريح عضو من البيجيدي لجريدة “الصباح” ليوم 16 يونيو 2020 جاء فيه “من الصعب أن يقبــل الفــريـــق النيــابي للحزب تمرير هذا التعديل في القانــون المالي التعديلي، لأن الحــزب وحركة التوحيد والإصلاح، سيتضرران منه، إذ يخصص المستفيــدون من تعــدد التعــويضات مبالــغ قارة لفــائدة الحزب والحركة شهريا”.
كل هؤلاء الأعضاء بالحزب الذين يستنزفون مالية الدولة لم يفلحوا في وضع برنامج تنموي يحارب الفقر والهشاشة ويوفر فرصا للاستثمار وللتشغيل. فلطالما تفاخرت قيادة الحزب بقدرة الاقتصاد “الإسلامي” ومنظّريه القدامى والجدد على خلق التنمية والقضاء على الفقر؛ بل منهم من ألّف كتبا في الموضوع . ها قد مرت تسع سنوات عن قيادة البيجيدي للحكومة ،فما الذي قدمه “خبراؤه الاقتصاديون” وأعضاؤه الذين أغرق بهم دواوين الوزارات من اجتهادات وخطط تفيد رئيس الحكومة في وضع إستراتيجية النهوض بالاقتصاد والتخفيف من آثار الجائحة؟ وكيف لقيادة الحزب وأطره أن يسهموا في تطوير الاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين وكل انتاجاتهم الفكرية على قلتها إما اجترار للتراث الفقهي في عقمه الفكري وبؤسه القيمي كما هو الحال بالنسبة للكتب التي ألفها رئيس الحكومة ومنها: “المساهمة في التأصيل في مجال الفقه الدعوي”، “فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية” ، “طلاق الخلع واشتراط موافقة الزوج”؛ أو إعادة تدوير نظريات أوائل منظري الإسلام السياسي التي ثبت عقمها كحال كتاب “الاقتصاد الإسلامي ومساهمته في الاقتصاد السياسي المعاصر” الذي ألّفه “الخبير الدولي” نجيب بوليف صاحب فتاوى تحريم برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب وإدماجهم في النسيج الاقتصادي ، أو مأسسة “الزكاة” لضرب أسس الدولة المدنية الحديثة لصالح “الدولة الدينية” التي يسعى البيجيدي لإقامتها.
إنهم “خبراء” في اجترار فتاوى الفقه العقيم أو تلويك آراء ونظريات لم يثبت الواقع نجاعتها أو التخطيط لضرب المكتسبات الاجتماعية وإعفاء الدولة من التزاماتها تجاه المواطنين كما هو الشأن بالنسبة للسيد لحسن الداودي الذي خاطب المغاربة متحديا إياهم بضرب مجانية التعليم “لي بغى يقري أوْلادُو يضرب يدّو لْجِيبُو” تنفيذا لمخطط “رفع الدولة يدها عن التعليم والصحة” الذي أعلنه وكرّسه الأمين العام السابق لحزب العادلة والتنمية رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران .
لقد أبانت “خبرات وكفاءات” أطر وقيادة البيجيدي عن عجزها الفظيع، ليس فقط عن تقديم برامج علمية وعملية للنهوض بالاقتصاد وخلق الفرص للتنمية والاستثمار ، بل عن أجرأة التوجيهات الملكية وترجمتها إلى خطط عملية وبرامج تطبيقية رغم تمديد المُهْلات التي منحها جلالة الملك لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني في أكثر من مناسبة .
ــ في أكتوبر 2018 مُنح مهلة ثلاثة أسابيع من أجل بلورة وعرض برنامج مشاريع يدعمه صندوق الحسن الثاني.
ــ في نونبر 2018 قدم رئيس الحكومة البرنامج الذي تكلّف بإعداده لتشغيل الشباب ، فجاء كله نواقص حيث نبّهه بلاغ للديوان الملكي إلى “ضرورة الانكباب على بعض النواقص التي تشوبه، وعلى مسألة ضبط مصادر وآليات تمويله”.
ــ في 11 دجنبر 2017 قدم السيد ادريس جطو رئيس “المجلس الأعلى للحسابات”، تقريرا إلى جلالة الملك يتضمن خلاصات التحريات التي قام بها بخصوص تقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار خلُص فيه إلى أنها ” لم ترق للمستوى المطلوب في ما يخص مواكبة ومساعدة المستثمرين، حيث تم تسجيل غياب متابعة المقاولات بعد إحداثها، وعدم مساعدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى عدم توفر معطيات محينة أو دراسات دقيقة حول الاستثمار، وحول المؤهلات الاقتصادية للجهات، وضعف نجاعة اللجنة الجهوية للاستثمار”. فمُنحت لرئيس الحكومة مهلة شهرين لتقديم مقترحات تخص “إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتأهيلها للقيام بمهامها في تحفيز الاستثمار والنهوض بالتنمية،وضرورة الاهتمام بتكوين مديري هذه المراكز والأطر العاملة بها، وتأهيلهم ليكونوا في مستوى المهام المنوطة بهم”.
لا شيء تحقق بعد المهلات التي مُنحت لرئيس الحكمة الذي دأب حزبه على تهميش الكفاءات الوطنية ، ولم يراكم غير الفشل والعجز في الميزانية وارتفاع المديونية إلى مستويات قياسية لم يتم تسجيلها من قبل.
بعد كل هذه الخيبات، وأمام ضغط الأزمة المترتبة عن جائحة كورونا والمسؤولية التي ألقاها الخطاب الملكي على كاهل الحكومة بعد أن وضع لها خارطة الطريق ووفر لها الإمكانات المالية المهمة (120 مليار درهم) لدعم الاقتصاد والاستثمار ، لم يجد رئيس الحكومة من ملجأ إلا إلى الكفاءات المغربية التي ظل يهمّشها للاستنجاد بها في أجرأة التعليمات الملكية .هكذا عقد السيد العثماني ، يوم الجمعة 7 غشت 2020، لقاء دراسيا مع نخبة من الاقتصاديين والخبراء المغاربة للاستماع إلى مقترحاتهم لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود. خطوة لا يمكن إلا تثمينها ومطالبة رئيس الحكومة بحسن استثمار الآراء والمقترحات التي أسفر عنها اللقاء مع فتح المجال لإشراك باقي الفعاليات والكفاءات المغربية لخدمة وطنها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9302