سعيد الكحل
لا يفتأ رموز البيجيدي الادعاء ، في كل مناسبة أتيحت لهم وكانت آخرها الندوة التي نُظمت في إطار الملتقى الوطني 16 لشبيبة العدالة والتنمية،يوم الاثنين 24 غشت 2020 بالرباط ، بأن حزبهم “قوة إصلاحية” هدفها “تعزيز المسار الديمقراطي ببلادنا” ، وأنها “تتنبي مطالب المجتمع، والعمل على حل مشاكله، والترافع من أجل قضاياه، والدفاع عن مطالبه بكل جرأة وقوة داخل المؤسسات”. يقولون بأفواههم ما تكذبه مواقفهم وما تدحضه القرارات والإجراءات التي اتخذها أعضاء الحزب في الحكومة ، والتي شكلت انتكاسة خطيرة للحقوق والحريات والمكتسبات الاجتماعية التي ناضلت من أجلها فئات المجتمع وقواه السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية الحية. فالشعب بمختلف مكوناته ، عدا الإسلاميين ، يقر بأن الانفتاح الحقوقي والسياسي الذي انطلق مع العهد الجديد وقوّى آمال المغاربة في إرساء دعائم دولة الحق والقانون (مدونة الأسرة ، الإنصاف والمصالحة ، تقرير الخمسينية ، الانفراج السياسي ، دستور 2011…) سرعان ما تمت عرقلته بكل إصرار من طرف حزب العدالة والتنمية الذي ظل ولا يزال يقاوم الإصلاح والتغيير ، سواء من داخل المعارضة قبل 2011 أو على رأس الحكومة .وهذه نماذج من مقاومة الحزب لكل إصلاح أو تغيير:
1 ــ مقاومة الإصلاح والتغيير من موقع المعارضة:
أ ــ مناهضة حقوق النساء : إن الحزب يدرك جيدا أن المدخل الأساسي لدمقرطة المجتمع والدولة وتربية المواطنين على القيم الديمقراطية هي المرأة/الأسرة . لهذا تصدى بكل شراسة لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي أعدته أول حكومة في العهد الجديد وقد تبنت فيه مطالبَ الحركة النسائية والحقوقية من أجل رفع كل أشكال الحيف والتمييز ضد النساء ووضع مدونة للأحوال الشخصية تقوم على مبدأ المساواة وقيم المواطنة وحقوق الإنسان. إنه الحزب الذي دعا ونظم مسيرة مناهضة حقوق النساء يوم 12 مارس 2000 بالدار البيضاء. فأي إصلاح سيحققه الحزب بزواج القاصرات ورفض رفع سن الزواج إلى 18 سنة ؟ وأي تغيير ينشده الحزب بفرض الولاية على المرأة وتجريدها من شخصيتها القانونية والمعنوية وتحويلها إلى جارية/ملك اليمين لا تملك حق فسخ عقد الزواج؟ وحتى حين رفعت حكومة عباس الفاسي تحفظات المغرب عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية ، أعلن الحزب مناهضته لقرار الحكومة مطالبا إياها بالتراجع. وحين أفتى المغراوي بأن زواج القاصرات أمر شرعي لا ينبغي المساس به أو منعه ، سانده الحزب مطالبا بإعادة فتح دور القرآن التي قررت السلطات إغلاقها. وبسبب الضغط الذي مارسه الحزب وأذرعه الموازية ، تم الإبقاء على زواج القاصرات كاستثناء فصار قاعدة (39951 ألف طلب زواج بالقاصرات سنة 2016 تمت الموافقة على 33631 ألف منها ، في 32000 طلب سنة 2019 تمت الموافقة على 25920 طلب).
ب ــ مناهضة دسترة حرية الاعتقاد: يسجل التاريخ أن البيجيدي ،وبكل أذرعه الدعوية والجمعوية والنسوية ، تصدى لمطلب دسترة حرية الاعتقاد كحق أساسي من حقوق الإنسان بالتشويه والتحريض مثلما ما جاء على لسان أحمد الريسوني في حوار صحفي حين اعتبر هذا المطلب ” فتح الباب للدسترة غير المباشرة للحق في الإلحاد والتنصير” ؛ بل بلغت العنجهية السياسية بالحزب إلى التهديد بإحراق البلاد إن تم تضمين الدستور هذا الحق ، مستغلا “حركة 20 فبراير” كفزاعة للتخويف. ففي تحذير صريح قال الأمين العام للحزب حينها عبد الإله بنكيران “تضمين الدستور المرتقب لعبارة “حرية المعتقد” من شأنه أن يخلق فتنة كبرى في البلاد”.وقال يومها مهدّدا الدولة بأن حركة 20 فبراير “باقى ما مشات” في دلالة على التهديد بالالتحاق بها ، ومن ثم إحداث “الفتنة” على النحو الذي عرفته عدد من البلدان العربية التي مزقتها التنظيمات المتطرفة .
ج ــ مناهضة الحريات الفردية: كلما طُرحت مسألة الحريات الفردية إلا وتصدى البجيدي وأذرعه للجهات المطالبة بحمايتها عبر إلغاء عدد من نصوص القانون الجنائي .فالحريات الفردية بالنسبة للحزب ليست شرطا من شروط ممارسة الديمقراطية والحقوق التي تضمنها في شموليتها وكونيتها ، وإنما يعتبرون المطالبة باحترامها مؤامرة خارجية تستهدف المجتمع المغربي، وأن الدفاع عنها هو”دفاع عن شهوة فردية لمن لها مشكلة مع الحمل غير المرغوب فيه”. وزادت قوة مناهضة الحزب للحريات مع توليه رئاسة الحكومة حيث ذهب مصطفى الرميد لما كان وزيرا للعدل إلى التهديد بتقديم استقالته إذا تم إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب.
2 ــ مقاومة الإصلاح والتغيير من موقع قيادة الحكومة:
أ ــ مشروع القانون الجنائي الذي قدمه مصطفى الرميد وزير العدل والحريات حينها والذي يُشرْعِن قتل النساء والفتيات من طرف الأزواج والأقارب أي “جرائم الشرف” التي لا يميزها القانون الجنائي المغربي عن باقي جرائم القتل التي يشدد عقوبتها؛ بينما مشروع الرميد يخفض عقوبتها من الإعدام أو المؤبد إلى بضعة شهور موقوفة التنفيذ . بل جعل عقوبة “جريمة الشرف” أقل بكثير من عقوبة قتل بهيمة الجار. مشروع قانون يخرج المغرب من قائمة الدول المدنية العصرية ويعصف بكل ترسانته القانونية التي تناضل القوى الحية من أجل الارتقاء به .وآخر ما جادت به حكومة البيجيدي هو مشروع قانون “تكميم الأفواه” 20.22 والذي يعاقب بالسجن حتى الذين يعلنون معارضتهم للسلع إما لضررها الصحي أو البيئي أو لغلاء سعرها.وهذا أخطر انتكاسة حقوقية يعرفها المغرب منذ الاستقلال.
ب ــ التوظيف بالتعاقد الذي ابتدعته حكومة البيجيدي لضرب حق من حقوق المواطنة وواجب من واجبات الدولة التي ينص عليها الدستور.إنه تراجع خطير على مستوى الحقوق والحريات وواجبات الدولة تجاه المواطنين .فالبيجدي جعل الشعب في خدمة الدولة وليس العكس ، ثم جعل الدولة والشعب في خدمة المؤسسات المالية الدولية حين أغرق البلاد بالديون ورهن مستقبل الأجيال القادمة (بلغ حجم الديون 93% من الناتج الداخلي الخام) .
ج ــ التعريب ومناهضة التدريس باللغات الأجنبية: فحزب العدالة والتنمية ظل يعارض اعتماد الفرنسية واللغات الأجنبية لتدريس المواد العلمية بمبرر الدفاع عن الهوية ، مع العلم أن اللغات الأجنبية تفتح آفاق الدراسات العليا والبحث العلمي أمام التلاميذ والطلبة المغاربة . ومن المفارقات أن أبناء قيادات الحزب يدرسون باللغات الأجنبية سواء في المؤسسات الخاصة أو البعثات الأجنبية أو خارج المغرب .ففي الوقت الذي يسعى المغرب إلى تصحيح أخطائه وتداركها في مجال لغة التدريس، يخرج بنكيران بتصريحات يتوخى منها الضغط على رئيس الحكومة ونواب الحزب بالبرلمان لمعارضة القانون الإطار للتعليم. وبالفعل امتنع كافة نواب الحزب عن التصويت.
د ــ نظام التقاعد : إن أخطر انتكاسة تسببت فيها حكومة البيجيدي لعموم الموظفين هي ما سمي “بإصلاح نظام التقاعد” الذي أجهز على حقوق ومكتسبات هذه الفئة وسرق منها جزءا من العمر والجهد والرزق. وستكون الكارثة حقيقية خاصة بالنسبة للذين التحقوا بسلك التوظيف في سن متأخرة. بينما أقرت الحكومة نفسها بالتقاعد للبرلمانيين والوزراء مهما كانت مدة استوزارهم.
هـ ــ التراجع عن حقوق الطفل كما تنص عليها المواثيق الدولية :إذ صادقت حكومة العثماني على مشروع قانون رقم 58.19 ، ويتعلق بالمصادقة على “عهد حقوق الطفل في الإسلام” والغاية من المشروع هي الالتفاف على الحقوق والمواثيق الدولية التي صادق المغرب ووقع عليها قصد إفراغها من مضمونها كما أفرغت بنود عدة من الدستور . تلك هي إستراتيجية حزب العدالة والتنمية التي تستهدف أسس الدولة المدنية تنفيذا لإستراتيجية الأسلمة.
و ــ التراجع في مؤشر الفساد ، فالإصلاح معناه إحداث نقلة نوعية على مستوى ترتيب المغرب في مؤشر إدراك الفساد حيث احتل سنة 2019 الرتبة 80 بعد أن فقد سبع مراتب في عام واحد .وبحسب جمعية “ترانسبرانسي المغرب”،فإن متوسط النقط التي حصل عليها المغرب خلال ثماني سنوات هو 38,75 كنقطة. وهذا يعني”غياب أي تغيير نحو محاربة الفساد، والاستمرار والركود في منطقة الفساد النسقي”.فشعار محاربة الفساد الذي خاض به الحزب حملته الانتخابية سرعان من دكّه شعار “عفا الله عما سلف”. وهذا الوضع عبر عنه 74 في المائة من المغاربة الذين شملهم استجواب ترانسبرانسي واعتبروا أن الحكومة تقوم بعمل سيء في ما يخص مكافحة الفساد، بزيادة 10 نقاط مقارنة بسنة 2015 حيث كانت نسبتهم 64 في المائة.
ز ــ مؤشر التقدم الاجتماعي: حين قررت حكومة البيجيدي تحرير أسعار الوقود ورفع الدعم عن المواد الأساسية، بررت قرارها بالسعي إلى توفير وتجويد الخدمات الاجتماعية . إلا أن الملايير التي وفرتها الحكومة وتلك التي اقترضت لم يكن لها أي تأثير إيجابي على تحسن الأوضاع والخدمات ؛ بل تراجع المغرب في مؤشر التقدم الاجتماعي من المرتبة الـ76 في 2018 إلى المركز الـ82 عالمياً في 2019.
وفي مؤشر النظافة والماء الصادر عن مؤسسة “سوشيال بروجرس إمبيراتيف” الأمريكية ؛وهو المؤشر الذي يقيس الحق في الحصول على الماء الصالح للشرب والوصول إلى المرافق الصحية الأساسية على الأقل، حل المغرب على المرتبة الـ94 عالميا من أصل 149 دولة. وكان المغرب قد احتل المرتبة الـ87 عالميا في ترتيب الأنظمة الصحية العالمية الذي يصدره معهد لغاتوم البريطاني لسنة 2016، والذي يقيم جودة القطاع الصحي في 150 دولة.
وفي أحدث تقرير نشرته مجلة سيو وردر سنة 2019 ، وأعده موقع نومبيو المختص في الأبحاث وتصنيف الدول، بحسب كلفة وظروف العيش فيها،احتل المغرب الرتبة 89 ضمن 89 دولة.
ح ــ مؤشر الحريات : تجمع الهيآت الحقوقية في المغرب على تراجع الحريات بشكل كبير منذ رئاسة البيجيدي للحكومة .ونفس الحقيقة تشير إليها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية . ففي تقرير سنوي نشرته مؤسسة “فريدم هاوس” الأمريكية ، يشير إلى تراجع ملحوظ للحريات خلال عام 2019 حيث احتل المغرب المرتبة 143 عالمياً. ولم يتغير تصنيف المغرب على سلّم احترام الحريات الفردية ، حيث سبقت مؤسسة “ليجاتوم” البريطانية أن أصدرت ، سنة 2014، تقريرا صنّف المغرب في المرتبة 113 عالميا من أصل 142 دولة.
إذن ، ما هي المكتسبات التي حققها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة منذ 2012 ؟ وما هي أوجه الإصلاح أو التغيير التي حققها لفائدة الوطن والشعب ؟ لن يختلف اثنان عن كون البيجيدي أجهز على قطاع الصحة وشجع “الرقاة” على نشر الخرافة واستغلال الفقر والجهل المنتشران في المجتمع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9753