ابراهيم الوثيقي
عرفت منطقة سجلماسة أو مايعرف حاليا بمنطقة تافيلالت وبالتحديد “مدينة الريصاني” تاريخا عريقا بقيت عدة دراسات وأبحات اركيلوجية وسوسيولوجية وأنثروبلوجية من لدن العديد من الباحثين في مختلف التخصصات الأكاديمة والعلمية، ان جل هذه الدراسات توجهت للبحث والتنقيب عن المعالم الأثرية والمعمارية التي خلفها التراث المادي المحلي للمنطقة والمتمثلة في القصور والقصبات أساسا.
ما نود الحديث عنه نحن بصفتنا باحثين في مجال التراث الإسلامي، بمعهد الأثار والتراث بالرباط هو الوقوف عند الخصائص والمكونات المعمارية للقصور بعتبارها البنية الاجتماعية التي تظم الساكنة المحلية وبكونها حاملة نسق تاريخي أصيل يمزج بين ما هو تقليدي وما هو معاصر انه يجمع بين المراحل التاريخية التي تعطي للباحثين الجدد في هذا الموضوع معارف أولية تمكنهم من التعرف ومعرفة منطقة تافيلالت بكل مكوناتها الاجتماعية والجغرافية والتاريخية بل والانثروبلوجية الثقافية.
ينحصر التراث المعماري بين الأسوار العالية التي تتخللها الأبراج المرموقة للقصور فما ينتابنا ونحن نتأمل القصر من الخارج هي تلك الأسوار العالية التي بنيت بحكمة وإثقان وزخارف منمقة وألوان كألوان الحلي المزكرشة وأهم شيء بالنسبة للقصر بمنطقة تافيلالت هو تلك البوابة الشبيهة بمدخل القصور التي تعاقب عليها الأمراء والسلاطين في مختلف مراحل التاريخ، تلك المكانة العمرانية التي يحتلها القصر بمنطقة تافيلالت تحمل معها امجادا تاريخية تنبؤنا بان المنطقة بالفعل كانت مرتعا للأمراء وخاصة في فترة السعديين لما دخل العلويون المنطقة وعملوا على الاستقرار ببعض القصور وكل منهم كان يتولى إمارة القصر ويتم احترام أوامره ويحتكم إليه عند كل صغيرة وكبيرة وهذا زادهم مكانة وقوة في قصور بتلك الحلة التي لانظير لها في تاريخ المنطقة.
لقيت تافيلالت أوج ازدهارها عندما كانت سجلماسة تأخد الريادة الاقتصادية وخاصة التجارة التي خلفت عدة علاقات محلية وجهوية بل ودولية وكانت هذه التجارة تجعل من الساكنة المحلية تنفتح على عادات وتقاليد وثقافة أخرى مكنتها من صنع حضارتها والاستفادة من ثقافة الدول المجاورة التي دخلت معها في علاقات اقتصادية واجتماعية تحولت بعد حين الى بنى عمرانية وفئات اجتماعية مجتمعة في قصور بأسماء متنوعة ذات أدوار وخصائص تاريخية متعددة، تجدها في الغالب متكاملة مشكلة للوحدة والانصهار الاجتماعي للمجتمع الفيلالي الذي تشبع بخليط من المكونات الثقافية أهلته ليكون نقطة ازدهار وتحول تاريخي أصبح اليوم يعيد للقارئ النظرة التي كان لديه عن منطقة تافيلالت وخاصة مدينة الريصاني هذه الأخيرة للأسف التي تعد بؤرة الحضارة السجلماسية.
هاهي اليوم بدأت تغيب شيئا فشيئا من ذاكرة بعض المستكشفين والباحثين بل وحتى الدور الإعلامي الإقليمي والجهوي لم يعد يحتفي بها في مختلف المناسبات الوطنية والدينية بالشكل المطلوب.
ان اندثار بعض القصور وخاصة قصور مدينة الريصاني وانمحاء لهذا الإرث الحضاري الحافل بالموروث الثقافي المحلي الحامل للأثار المعمارية الخالدة يكاد اليوم يكون ظاهرة تاريخية واجتماعية او بمثابة حيف جارف على هذه المنشآت التي أصبحنا نجدها تستغل من لدن بعض السكان المحليين لقضاء حاجيات واغراض ومصالح ذاتية أو فئوية، والخطير في ذلك هو عندما تستغل من قبل المؤسسات المحلية وهيئة العمران التي كان من واجبها الحماية والصيانة لهذا التراث المعماري الذي يعد بمثابة كنز لايمنكننا عبر مراحل التاريخ وتوالي الأجيال ان نعيده لمكانته لكونه الوجه المشرق الذي يجعل الثقافات الأخرى لدى السياح الذين يعرفون المكونات الحقيقية والحقب التاريخية بل والأمجاد التي عمل القدماء على تخليدها وجعلها ثمرة وأمانة في يد الأجيال القادمة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9643