إعداد : محمد جناي
مقدمة:
يحظى التراث البحثي النفسي بالعديد من البحوث التي اهتمت بموضوع الأفكار النمطية ،لما لها من أهمية بالغة في فهم التفاعل النفسي الاجتماعي سواء بين الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات أو العلاقات الدولية. حيث تتخذ قوتها من صعوبة تجاهل أن الإنسان كيان نفسي اجتماعي لايمكننا دراسته بمعزل عن مدركاته وآرائه وتفاعلاته ومواقفه الشخصية المتبادلة بينهما وبين الآخرين، حيث يكون لمدركاته الذهنية دور كبير في تفاعله مع الآخرين.
وفي هذا الصدد يشير محمد خليل ،وطه المستكاوي أن سلوك الإنسان وأفعاله ليست نتيجة لمعرفته المباشرة بالعالم، ولكن نتيجة لصور كونها بنفسه أو أعطيت له عن هذا العالم . وهكذا فإننا لا نتفاعل مع العالم الحقيقي وإنما نتفاعل مع الصور التي كونها عن هذا العالم أي أننا نستجيب أو نتفاعل مع صور عن الشيء وليس مع الشيء الحقيقي نفسه[1].
ويعتبر كل من الموظفين الحكوميين [2] ، والمتعاملين معهم من الجمهور[3] جماعتين على جانب كبير من الأهمية حيث يمثلا شريحة ضخمة من أفراد المجتمع ، ومن ثم تسهم دراسة الأفكار النمطية المتبادلة في فهم سليم للتفاعل النفسي الاجتماعي بينهم.
أولا – مفهوم الأفكار النمطية :
و تتعدد التعريفات التي تصدت لتحديد معنى الأفكار النمطية ،ونعرض فيما يلي بعضا منها:
*تصور يتسم بالتصلب المفرط عن جماعة معينة ،يتم في ضوئه وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناءً على مجموعة من الخصائص المميزة .(معتز سيد عبد الله :1989).
*ويعرفها ستراكلاند بأنها : “وجهة نظر ثابتة عن مظهر جسدي أو شخصية أو سلوك مجموعة معينة من الأشخاص”.
*ويعرفها كل من هاميلتون ،وكرومب بأنها: أبنية عقلية تتضمن معارفنا، ومعتقداتنا ،وتوقعاتنا عن مجموعة اجتماعية . وتنشأ من خلال الخبرة الشخصية بالمجموعات وأعضائها ، بواسطة المعايير الاجتماعية ، ونزعة الناس إلى تنظيم وفهم عمليات تصنيف الناس. وتؤدي الصور الذهنية إلى عدد من النتائج لإدراكات الناس وأحكامهم على الآخرين ، إضافة إلى سلوكهم [4].
ونلاحظ هنا أنه تنوعت التعريفات التي سعت لتحديد مفهوم الأفكار النمطية مابين تعريفها بأنها وجهة نظر ثابتة أو بناء عقلي أو تفسير معكم ،أو اتجاه ؛إلا أنها رغم التنوع قد اتفقت على فكرة التعميم الزائد لصفات فردية على الجماعة-سواء الجماعة التي ينتمي لها الفرد أو أية جماعة أخرى-بشكل كلي.
ولقد أشارت نتائج العديد من الدراسات السابقة (دراسة ميدانية مقارنة ، استخدم فيها الباحث المنهج الوصفي وقام بدراسة عينة بلغت 568 فردا من المجتمع المصري) التي استهدفت دراسة النظام الإداري الحكومي ،والموظف النظامي ،والمواطن المتعامل معه إلى وجود عدد من المشكلات التي تعاني منها هذه الأطراف ،من قبيل : الفساد الإداري ،وأن نظام الوظيفة لايشجع على المبادأة، ويشجع تعقد الإجراءات والمساطر وسيادة الروتين ،وكذلك جمود القوانين وانخفاض الأجور ،بالإضافة إلى حكم المحسوبية ،والتحيز للأقارب ،والولاء لأفراد بذاتهم..
ثانيا-التوجهات النظرية في تفسير الأفكار النمطية:
ويوضح كل من هاميلتون ،وكرومب بأنه يوجد ثلاثة توجهات نظرية رئيسية توجه البحث لتفسير كيف ولماذا يتكون لدى الناس الأفكار النمطية ويستخدمونها؟, وهذه التوجهات هي التوجه السيكودينامي ،والتوجه الاجتماعي الثقافي،والتوجه المعرفي،ويعتمد البحث المعتمد على التوجه المعرفي ويرجع هذا إلى المبررات التالية :*يعتبر هذا التوجه أحد الاتجاهات النظرية والبحثية للاهتمام بدراسة أثر الأفكار النمطية على أشكال التفاعل المختلفة بين الجماعات.*لايمكن أن ننكر دور العمليات المعرفية ،وأثرها على كل من الوجدان والسلوك،ومن ثم تكون هي الأساس العميق لمايتبدى على السطح الخارجي من التفاعل الاجتماعي أو العلاقات الاجتماعية المتبادلة.
ويقوم التوجه المعرفي على أن المعتقدات عن العالم ،والآخرين ،وأنفسنا هي الأساس الذي يؤدي إلى التأثير في رؤية الأشياء والإحساس بها.وإذا كانت خاطئة فإن الإدراك والانفعال والسلوك سوف يتأثر بها بالضرورة أيضا.
ثالثا- الموظف الحكومي:
وعلى الرغم من أن مفهوم البيروقراطية لا يقتصر على الجهاز الحكومي للدولة إلا أنه يغلب على العديد من تعريفات البيروقراطية استخدام المصطلح لوصف الأداء الحكومي للدولة. من قبيل تعريف محمد شفيق غربال في الموسوعة العربية الميسرة وتعريف بودون وبوريكو في المعجم النقدي لعلم الاجتماع وكذلك تعريف ماير وغيرهم.
ونكتفي هنا بعرض تعريف ماير في الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية والسلوكية حيث يؤكد أن :للبيروقراطية معاني متعددة ،بعضها إيجابي،ومعظمها سلبي.ولقد قام عالم الاجتماع ماكس فيبر بصك مصطلح (البيروقراطية)،وتجسد البيروقراطية أمثلة عن السلطة المنطقية-القاتونية ، والتي تحت يدها جميع القرارات،ماعدا القرارات التنفيذية ،وتقوم على قواعد راسخة ،وثابتة طوال الوقت،ويميل علماء السياسة إلى الاعتقاد بأن البيروقراطية تحكم بواسطة موظفي المكاتب الذين يعملون داخل المنظمة. ويغلب على أرائهم الأكاديمية وصف البيروقراطية بأنها إدارة حكومية غير فعالة وغير ديموقراطية.
وفي حقيقة الأمر تستوقفنا العديد من نقاط التعليق على الثرات البحثي السابق (الدراسة الميدانية المشار إليها في المقدمة )، يمكن أن نوضحها على النحو التالي:
* من الخلل النظر إلى أن الموظف النظامي هو أساس جميع المشكلات في الجهاز الإداري الحكومي ولكنه ليس وحده العنصر المسبب لمشكلاته.
*نجد الموظف الحكومي يرى الجمهور بصورة إيجابية لأنه هو الوسيلة التي من خلالها يصل الموظف إلى تحقيق فوائد شتى تعوضه عن قصور أداء الجهاز الإداري الحكومي من حيث ضعف الأجور والتعويضات وغيرها ؛حيث يعتبر الجمهور مصدر دخل مادي ومعنوي إضافي للموظف يعالج أوجه قصور الجهاز الإداري الحكومي ،من خلال المدح المبالغ فيه ،والرشاوى ،والإكراميات، والهدايا،ومن ثم ،يبدو منطقيا أن يرى الموظف الحكومي الجمهور بصورة إيجابية ،وأما الصفات التي يراها الجمهور في الموظف الحكومي ونذكر فيما يلي أهم الصفات السلبية وهي :المراوغة -الانتهازية-اللامبالاة-الكسل-التعصب-الإهمال-الكذب-السطرة-المباهاة-المكر -الطمع-العنف-الاتكالية…
وإذا كان يغلب على رؤية الموظف الحكومي الجمهور رؤية إيجابية في مجملها،والأمر على العكس تماما في رؤية الجمهور إلى الموظف الحكومي كما أشرنا سابقا.
وفي الختام :
دائما نتحدث عن وجود نوعين من الفساد في الوظيفة العمومية ،نوع يتعلق بصغار الموظفين والمتمثل في تسريع الإجراءات بشكل مخالف أو عدم القيام بها،والنوع الآخر يتعلق بكبار الموظفين والذي يتصل بعملية صنع القرار في الجهة الحكومية حيث يتكتل ممارسو الفساد على شكل مجموعات متضامنة داخل الهرم التنظيمي قد تشمل المستويات الإدارية العليا (مافيا).
ــــــــــــــــــــــ
[1]: صورة الذات والآخر دراسات في التفاعل الاجتماعي الجزء الأول الصراع العربي الإسرائيلي.صفحة 17-18 دار الحريري القاهرة(2004).
[2]:هو الموظف الذي يتعامل مع جمهور المواطنين،ويعمل في الجهاز الإداري الحكومي .
[3]:هو المواطن الذي يؤدي الموظف الحكومي له خدمات من الجهاز الإداري الحكومي في القطاعات الحكومية.
[4]:د طلعت باشا حكيم ،الأفكار النمطية المتبادلة بين الموظف الحكومي والجمهور -دراسة ميدانية مقارنة- مجلة علم النفس العدد (120) يناير -فبراير-مارس2019
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8261
