خَفَضَ الإسلام للمرأة جناح الذل من الرحمة وشملها في جميع تشريعاته بعطف كريم، ورعاية ورحمة، وسما بها إلى منزلة رفيعة لم تصل إليها أية شريعة من شرائع العالم قديمة وحديثة، وساوى بينها وبين الرجل في معظم شؤون الحياة، ولن يفرق بينهما إلا حيث تدعو إلى هذه التفرقة كطبيعة كل من الجنسين، أو مراعاة الصالح العام، وصالح الأسرة، وصالح المرأة نفسها.
إن الإسلام لم ينظر إلى المرأة على حدة، وإنما اعتبرها كالرجل تماما، فكانت آياته دائما تذكر المؤمنين والمؤمنات رغم الظروف البيئية التي نزل فيها القران، ولكنه من الله الذي خلق ولا يعبأ للبشر فيحابيهم في تشريعه.
إن الرسول كان يهتم بأل بيته، وكان خير مثل للزوج يصدر في معاملاته للمرأة عن إنسانية رحيمة ومعرفة بصيرة بطبيعة المرأة وما يدور في نفسها، وعدالة تصل إلى أقصى ما يستطيع الإنسان إن يعدل فيه، فكان في بعض الأحيان يرى ما لا يحب من المرأة في كلمة أو طعام أو نحوهما فلا يتضجر ولا يتأفف، ولا يتحدث اتجاه المرأة بكلمة نابية، وإنما يعامل المرأة بوجه سمح باش وفى غاية من التلطف.
وكان عليه الصلاة والسلام يشارك المرأة من أل بيته الحديث والمزاح والابتسامة العذبة حتى يملآ نفوسهن رضي، علاوة على ذالك كان يساعد في أعمال البيت ولا يترفع عن خدمة نفسه، فكان يخيط ثوبه ويخصف نعله حتى لا يثقل على أهل بيته، إن معاملاته صلى الله عليه وسلم للمرأة كانت قائمة على المودة والرحمة لا على العنف والقسوة، فضلا عن صون كرامتها والحفاظ على حقوقها والدعوة إلى استقلال شخصيتها ودعم مركزها الإنساني، لا كما يروج له بعض دعاة التغريب أو زيف بعض الفكر الغربي ورمى الإسلام بما ليس فيه من إهدار كرامة المرأة وهضم حقوقها المعنوية والأدبية والزوجية والمالية، فهي في الإسلام ذات شخصية مستقلة لها حريتها في كامل تصرفها في مالها وأمورها.
هكذا كانت معاملاته صلى الله عليه وسلم في بيته مثلا يحتذى، وقدوة وقتنا الحاضر لكل وزج ولكل أسرة تحرص إن ترفرف عليها السعادة والطمأنينة.
إن المرأة لم تحض في حقوقها كاملة لا في الشرق السائر في طريق النمو، ولا في الغرب المتحضر.
إن من أهداف الإسلام العليا بناء مجتمع إسلامي يكون فيه لكل من الرجل والمرأة دور متكامل في عملية البناء والتنمية، وما أعطى الإسلام المرأة حققوها كاملة على أساس ينسجم مع شخصيتها وقدراتها وكفالتها، وتطلعاتها ودورها الرئيسي في الحياة، وقد تضافرت نصوص الوحي المتلو القران الكريم وغير المتلو السنة النبوية المطهرة على وحدة الأمة بعناصرها (الرجل والمرأة) الحيوية فلكل من الرجل والمرأة شخصيته ومكانته في المجتمع الإسلامي.
علينا أن نقر جميعا أن عقولنا يشوبها كثير من الشوائب التي تشوه صورة المرأة وتحول دون إنصافها، وتقديرها، وعلينا أن ننصف الإسلام أيضا مما ألصقناه به من تهم وأفكار بخصوص المرأة ووضعيتها في الإسلام، كما ينبغي علينا إن نطور رؤيتنا المستقبلية لوضع المرأة وحقوقها والارتقاء بها في مجتمعنا وأن ندعو جهارا إلى احترامها في جميع المجالات قصد الإصلاح الاجتماعي ورفض العنف الذي ما زالت تعانى منه المرأة في بعض البيئات، ومنه العنف المنزلي والاستغلال الجنسي والتصور الإباحي والاتجار بالمرأة في كثير من المجتمعات العالمية التي تمتهن المرأة وكرامتها وتنكر حقوقها الشرعية وهى أمور منكرة دخيلة لا علاقة للإسلام بها، كما إن الإسلام حمل المرأة رسالة اجتماعية وجعل لها دورا فعالا واضحا داخل المجتمع الإسلامي وليس فقط داخل أسرتها الصغيرة.
حيث يأمر سبحانه وتعالى في الآية الكريمة – وهو الأعلم منا – كلا من الرجل والمرأة في تأدية دورهما الاجتماعي وهو القيام بواجب الدعوة وإصلاح المجتمع وهو الأمر بالمعرف والنهى عن المنكر بين الناس جميعا رجالا ونساء، ولم يخص المرأة بمجال محدود فقط فيما يخص بأمور النساء والأولاد كما ترسخ في أذهاننا، بل جعل المجال أمامها واسعا مفتوحا مثلها مثل الرجل، مثلما جاء في الآية الكريمة “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله”..
وحتى يمكن للمرأة إن تؤدى دورها الاجتماعي الذي حدده لها الإسلام يجب على المجتمع ا إن يوفر لها الاحترام اللائق لها ويفسح لها المجال في أماكن العبادة ومجالس العلم والمجالس النيابية ومجالس القضاء، وقد تحقق لها الكثير من هذه الأهداف حيث أتيح للمرأة المغربية إن تتبوأ مكانة مرموقة في المجالس العلمية المغربية في ربوع المملكة الشريفة وان تزاول عملها العلمي والدعوى والإصلاحي باقتدار وبمهنية عالية يشهد لها به القاصي والداني وكل من يتمتع ببصر وبصيرة، وغيرها من المهام الأخرى لا يتسع المجال لذكرها..
وعلينا جميعا دعاة ووسائل إعلام ومؤسسات تعليمية ومدنية الدعوة إلى تعزيز دور المرأة الايجابي ورفض جميع إشكال استغلال المرأة وتحقير شخصيتها وامتهانا لكرامتها أو تحييد أو انتقاص من دورها الشرعي في مجتمعنا المغربي الفاضل أدام الله عزه وفضله.
وخير ما يمكن إن نذكر به أنفسنا جميعا والناس في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص النساء، وكفى المرأة المسلمة شرفا إن أوصى رسول الإنسانية محمد ابن عبد الله بها في سنته الشريفة حيث قال:
“استوصوا بالنساء خيرا” و”وخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” و”النساء شقائق الرجال”.
إن المرأة هي نصف المجتمع وجزء مهم في العملية الدينية والتربوية والتنموية والتعليمية، وبناء المجتمع السليم الواعي إلى جانب النصف الآخر عزيزة النفس كريمة العيش قوية الإيمان بربها لا تمايز بينهما ولا تفاضل إلا بالتقوى والعمل الصالح.
إن المرأة منذ فجر تاريخ الإسلام الناصع عاشت واقعا مضيئا وتركت بصمات واضحة المعالم في التاريخ الإسلامي ولعبت ادوار كثيرة وكبيرة في نصرة الإسلام وتحملت في سبيله ما تحمله الرجل على حد سواء.
وكما قال الشاعر العربي:
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
أولاد عبد الله مرزوق
أستاذ التعليم العالي بالجامعة الحرة بأمستردام
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=729