القرضاوي: فقيه أمة أم فقيه جماعة؟

نورالدين الحاتمي
2020-09-01T09:37:20+01:00
آراء ومواقف
نورالدين الحاتمي1 سبتمبر 2020آخر تحديث : الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 - 9:37 صباحًا
القرضاوي: فقيه أمة أم فقيه جماعة؟

نورالدين الحاتمي
لا شك أن “الشيخ” يوسف القرضاوي واحد من أشهر “العلماء” المسلمين اليوم، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، فأخباره تسير بها الركبان من كثرة اهتمام جماعته بها وبنشرها، ومعجبوه وأتباعه يجتهدون في ترويج عدد من الشهادات التي قيلت فيه، من قبل من يتقربون إليه أو يحسبون عليه، كقول بعضهم أنه فقيه الامة و الدنيا، وأنه مجتهد العصر، ومجتهد مطلق ، وغيرها من عبارات الإطراء والثناء التي نعرف كيف تجري و كيف يحظى بها صاحبها.

ولا شك أيضا أنه “فقيه” و كتبه تشهد له، ولولا ما في جعبته من المعارف، وما حصّل من “العلم” الشرعي، لما تأتى له أن يحظى بهذه الشهرة وهذا الاهتمام، وإن كان هذا غير كاف ليحظى بهما، فنحن نعرف، تماما، كيف تسير الأمور، وكيف تصنع الاسماء والاصنام . إن الأسلوب الذي يُصنع به نجوم السينما والتلفزيون هو عينه الاسلوب الذي تُصنع به شخصيات “الدعاة” و”الشيوخ”.

صحيح أنه حصل على جزء من شهرته بفضل كتاباته، التي كانت طيبة و جيدة في بدايتها، ولكن هذه الشهرة التي حظي بها، لم تكن أبدا بفعل تلك الكتابات والدروس فقط، فقد عُبّدت له الطريق، وتلقى دعما كبيرا وهائلا، وحُشد له جمع ممن قدمه للناس كإمام فريد، وإلا فإنه من المستحيل أن لا يكون هناك من هو أفقه منه و أعلم و أكثر اطلاعا على التراث الفقهي والشرعي الإسلامي. لقد حاز القرضاوي ما حاز من الشهرة بفعل الألة الإعلامية الجهنمية التي تقف وراءه و تدعمه، وتقدمه للناس باعتباره فقيههم وشيخهم و عالمهم، بل ومجتهدهم المطلق.

والقرضاوي واحد ممن يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فقد غلب ـ ويغلب ـ عليه الكبر والعجب، يظهر ذلك في الطريقة التي كتب بها سيرته، حيث أن القارئ يكاد يمل من ثنائه على نفسه ومدحه إياها، وإعجابه بصنيعه و إكباره لفعاله، وهو لا يمل من الحديث عن حسن استقبال الناس لكتبه و محاضراته، حتى أنه نقل في هذا الكتاب أن بعض مريديه زعموا أن زيارة قام بهاـ اي القرضاوي ـ إلى سوريا، يمكن عدها فتحا

ونحن هنا لسنا معنيين بما إذا كان القرضاوي هذا، فقيها وعالما حقيقة أم لا . نحن هنا معنيون فقط بالإجابة عن السؤال الوارد أعلاه: أي هل هو فقيه أُمّة كما يروج المغرضون، أم فقيه جماعته؟ كما نزعم نحن وكما يبدو لنا؟

إن القول أن القرضاوي فقيه أمة ومجتهد العصر ليس بريئا ، أي لا يخلو من غاية أو هدف، و ينبغي وضعه في سياقه وفي إطاره، فهذا القول فيه نوع من الإرهاب واضح وجلي، يُفترض أنه يُمارس على الناس، يتمثل ـ هذا الإرهاب ـ في محاولة فرض اختياراته واجتهاداته التي هي ـ عند التحقيق ـ ليست إلا ما يُطلب منه أو ما يؤمر به، حتى إذا صدر منه وعنه ما يعتبره عامة المسلمين منكرا و إثما، لم يجرأ أحد على الرد عليه وتسفيهه، لأنه فقيه الأمة ومجتهد العصر، ومن يقدر على الرد عليه؟ وهو من هو في العلم، وقد شهد له عدد من “الأحبار” و”الرهبان” الذين هم ـ في الحقيقة ـ ليسوا إلا افراد جماعته وطائفته.

إن الذين يرفعونه إلى المكانة المزعومة، ليسوا إلا أفراد جماعته، وهم دائما يتبادلون هذه الشهادات، كل منهم يشهد للآخر ويزكيه، و هذه الجماعات التي تتبادل هذه الشهادات، و تجعل من نفسها أسماء و أعلاما مهيبة ومخيفة، معتمدة في ذلك على قنواتها و أدواتها، هي عينها التي تُهاجَم من قبل غيرها من التنظيمات المخالفة لها، والتي تتبادل هي الأخرى الشهادات و تُروج لأسمائها “السلفية” و شخصياتها، في ماكينتها الإعلامية الخاصة بها، وهذا ما يجعل كل تلك الشهادات مجروحة ومردودة ومتروكة.

المهم أن القرضاوي ليس “شيخا” إلا على جماعته “التيار الإخواني” والفتاوى التي تصدر عنه لا تعنيهم إلا هم، أما باقي مكونات الأمة العربية والإسلامية فهي لا تحتفل به ولا تهتم بفتاويه.

أما التيار السلفي، الذي يقول عن نفسه أنه امتداد لمدرسة الحديث و أهله، فإن “أشياخه” لا يعترفون للقرضاوي بعلم أو فقه، وهم ينصحون أتباعهم بعدم الأخذ عنه، وذلك لأنه، عندهم، لا يفقه في الحديث شيئا كما يقول أبو إسحاق الحويني، ولأن كل ما جعبته حسب الألباني شيء من الفقه التقليدي، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع، بل إن الألباني هذا، يقول أنه مع ضعف بضاعته في علم الحديث إلا أنه يُضعف الحديث و يصححه حسب هواه، وهو لا يتقيد بأصول هذا العلم و قواعده، وإن كان الألباني نفسه على هذه الحال، و يرتكب نفس ما يعيبه عليه. القرضاوي عند هذا التيار مردود عليه، غير موثوق بعلمه، مما يؤكد أنه ساقط الاعتبار عندهم.

و أما التيار” السلفي الجهادي” فأمر الشيخ يوسف عندهم منته ومحسوم، و قد وضع نفسه بما أصدر من الفتاوى الخطيرة في موضع خارج دائرة الإسلام كما يرى بعض شيوخ هذا التيار، و قد كتب أبو بصير الطرطوسي رادا عليه مُكفّرا له ومخرجا له عن الملة، وعقد مقارنة بينه وبين بلعام بن باعوراء وقال ما معناه ان بلعام هذا أقل خبثا و ضررا منه أي من القرضاوي، وذلك في معرض تناوله و نقضه لفتوى كان أصدرها بُعيد غزو أمريكا الصليبية لأفغانستان المسلمة، تتعلق بالمنتسبين من المسلمين إلى الجيش الامريكي حول ما إذا كان من الممكن لهم أن يشاركوا إخوانهم من الجيش الامريكي في غزو بلاد المسلمين وقتلهم، لأن عدم مشاركتهم وامتناعهم سيكون من شأنه ان يعرضهم للشك في ولائهم لوطنهم، ومن ثم قد يؤثر على مستقبلهم الوظيفي، ولأنه رجل يؤسس لفقه التيسير وهو مسكون به دائما، و لأن التيسير عنده هو أن يبحث للناس عن الرخص بدليلها، فقد أجابهم إلى ما طلبوا و اجتهد لهم ، فأفتى بأنه لا باس بذلك طالما أن نياتهم أنهم ينتصرون للحق، ويبحثون عن الإرهابيين قصد تقديمهم للعدالة أو كما قال، والحال أن اي واحد من المسلمين لا يستطيع أن يقول هذا أو يقتنع به، بل لا يستطيع حتى أن يفكر فيه. وللحقيقة، فإن الاجتهاد كما هو عند “الشيخ” يوسف لم يعد له أي معنى، فقد مسخه وشوهه.

وكان قبل هذا، قد ذهب إلى افغانستان في زيارة هي الاولى له إليها، ليمنع حركة طالبان من هدم صنم “بوذا” الأمر الذي جر عليه نقمة المسلمين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.

ثم إنه وبعد أن هلك بابا الفاتيكان دعا له بالرحمة جزاء ما قدمه لخدمة دينه النصراني، وسأل الله أن يخلف هذا البابا بأخر، يسعى هو الآخر في خدمة الديانة النصرانية أو كما قال، الأمر الذي فتح عليه نار جهنم وجر عليه حملة من الانتقادات الشديدة والقاسية. وكل هذا يُعد عند “الشيخ” يوسف اجتهادا منه، والحق أن الاجتهاد بالطريقة التي ينهجها هذا الرجل لا يمكن اعتباره إلا اجتهادا ضد الإسلام، ولذلك فقد أفُقُده معناه وصيره ممسوخا و مشوها ، بل ربما كان الاجتهاد الذي تورط فيه الرجل من أهم أسباب رقة التدين عند المنتسبين إلى تياره وهشاشته، ومن أخطر معاول هدم الحدود الفاصلة بين الإسلاميين وبين غيرهم، فلم تبق للإسلاميين “شخصيتهم” الصلبة، التي عُرفوا بها و حافظوا عليها، إلى أن هيمن “الشيخ” على المشهد “الصحوي” فأفسدها.

إن الفتاوى التي يتحمل وزرها “الشيخ” يوسف، والتي لا يقبل بها عوام المسلمين فضلا عن شيوخهم، تجعل كونه فقيه الأمة محل جدل و شك. ”الشيخ” القرضاوي ليس فقيه أمة، و فتاواه لا تعني أحدا من أفراد الأمة، وإنما تعنيه هو فقط ومن يتخذونه دليلا لهم وإماما من تيار “الإخوان” وجماعتهم، وهذا ما عنيناه بالقول أنه فقيه جماعته وتياره، ومعلوم أن الجماعة هنا لا يمكن أن تعني الأمة وأنها ليست إلا واحدة من جماعات المسلمين، وهو الموضوع الذي حسمته الجماعات “الإسلامية” منذ عقود، حيث هناك إشكال مطروح يتعلق بالجماعات المتناثرة على الساحة، و التي كان يظن بعض عناصرها أن جماعته هي جماعة المسلمين، وليست فقط جماعة من المسلمين، وقد أُجيب عن هذا السؤال، في وقته، بالقول أن كل جماعة من تلك الجماعات ليست إلا جماعة من المسلمين، وليست هي جماعة المسلمين . وهذا ما يسمح هنا بالقول ان القرضاوي ليس فقيه أمة كما يروج المغرضون، وإنما هو فقيه و شيخ جماعته وتياره.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.