محمد رحا*
في أواخر سنة 2006 أي بعدما بدأت الموجة العراقية المقدسية تفعل فعلها في الجهاديين، طلع صنف جديد من الجهاديين، لم يكن هذا الصنف من قبل موجودا بيننا، لا في السجن ولا بين غالبية الجهاديين أنحاء العالم إلا نادرا.
أثناء هذه الفترة أي تقريبا سنة 2006 إعتقلت السلطات خلية جهادية مختلفة عن الجهاديين السابقين، وأدخلوهم علينا السجن لينقلب السجن كليا رأسا على عقب، بسبب ما أحدثوه في السجن من مشاكل عديدة لا تعد ولا تحصى، ثم تلى إعتقال هذه المجموعة إعتقال مجموعات أخرى من الخلايا المشابهة لها في الفكر، وهذا كان يدل أن هؤلاء الذين بدؤوا يتوافدون علينا من المعتقلين الجهاديين الجدد ما هم إلا نموذجا مصغرا من الجيل الجهادي الجديد الذي بدأ ينمو خارج السجن أنحاء العالم.
ما هي المشاكل التي أحدثتها هذه المجموعة الجهادية الفريدة ؟
لم تمر إلا أياما معدودة على دخول هذه المجموعة الجديدة السجن، حتى انقلب السجن رأسا على عقب، (كان عدد أفراد المجموعة ما يقرب ال50 فرد بينما كان بقية السجناء جهاديين أكثر من 300 سجين)، حسن الخطاب زعيم هذه المجموعة، لازال اليوم على فكره الخوارجي. والمفارقة العجيبة أن أصبح اليوم تقية من دعاة التراجعات رغم خروجه من السجن.
ذكرت لكم سابقا أننا كجهاديين في هذا السجن كنا متآلفين متحابين متحدين، تمثلنا جميعا لجنة واحدة، نصلي خلف بعضنا، وتمايزنا عن الغلاة التكفيريين منهجيا ومعيشيا كان واضحا متجذرا، إلا أن كل هذه الميزات تغيرت وانقلبت كليا لما أودعت هذه المجموعة السجن، ثم ازداد الأمر اتساعا عندما تلتها الإعتقالات على مر الشهور لمجموعات مشابهة لها في نفس الفكر والفساد.
هذه جملة من المواضيع التي أثارتها هذه المجموعة الجهادية بعد دخولها السجن، والتي بسببها انقلب وضع السجن والجهاديين:
ـ لا يجوز العذر بالجهل أو التأويل في أصل الدين، ومن يعذر بهما فهو منحرف ضال، حاله بين البدعة والكفر لحكمه على الكفار بالإسلام..
ـ المقدسي والزرقاوي هم أصح منهجا من القاعدة لقربهما من الدعوة النجدية.
ـ لا يجوز التحاكم إلى المحاكم الوضعية، ومن فعل أو أباح ذلك ولو للضرورة يكفر عينا.
ـ الإخوان المسلمون وفروعهم كفار بأعيانهم.
ـ الجماعات السلفية التقليدية “المرجئة” كفار لعدم تكفيرهم الحكام ولإعانتهم على “الموحدين”.
ـ الأصل في الشعوب الإسلام لكن من لا يعرف حقيقة لا إله إلا الله وشرطها النجدية ولا يكفر بالحاكم الفلاني والفلاني فليس بمسلم.
ـ أغلب الشعوب الإسلامية: عبدة قبور مشركين، جواسيس يحبون الحكام ويكرهون الشريعة.
ـ أئمة المساجد الرسميين أغلبهم كفار، لأنهم موظفون لدى الحكومة وأبواق لهم ويدعون للحاكم بالنصر والتمكين، لذا يجب هجرهم وهجر مساجدهم والشدة عليهم.
ـ مشايخ السلطان والدعاة الذين يبررون أفعال الحاكم كفار.
ـ الدعوة النجدية دعوة مقدسة لا ينتقدها إلا منحرف العقيدة.
ـ الدولة العثمانية دولة كافرة قبورية..
فبعد أيام من دخول مجموعة الخطاب السجن فتحوا الجدال حول هذه المواضيع السابقة، وحاولوا فرض غلوهم على المعتقلين بعدة وسائل، وما من زنزانة إلا ونوقشت فيها هذه المواضيع إلى درجة الملل.
وقد ألف الجهاديون الغلاة من جهتهم عدة رسائل لنشر ضلالهم بين السجناء، إحداها ألفت من قبل زعيم هذه المجموعة “الخطاب”، وكانت الرسالة بعنوان ” نصب المنجنيق على من تحاكم كافر وزنديق ” – “القاعدة ما لها وما عليها” ورسائل أخرى تافهة نسيت عناوينها، وأدخلوا في هذه الفترة عشرات المطويات التي تدعم نهجهم، ومن جهة أخرى ألف “طلبة العلم” من الجهاديين “المعتدلين” بعض الرسائل للرد عليهم وأدخلوا بعض الكتب التي تدعم أفكارهم.
ولقد كان الشيخ حسن الكتاني آنذاك معتقلا معنا في نفس الحي، إلا أن إدارة السجن كانت قد عزلته عن بقية المعتقلين في زنزانة منفصلة، ومع ذلك كان يلتقي الجهاديين ويتبادل معهم أطراف الحديث ويناقشهم ويدرس بعضهم الفقه المالكي والأصول وغير ذلك من العلوم الشرعية عبر النافذة فقط أثناء وقت فسحته.
وقد أوذي الشيخ كثيرا من طرف هؤلاء الجهاديين الجدد، فمنهم من سبه وكفره بسبب مؤلفاته وردوده عليهم.. وكتب حسن الكتاني في خضم هذه النقاشات ثلاثة كتب ردا على ما أثاره هؤلاء الغلاة،
وعناوين الكتب التي ألفها في هذا السجن: الأجوبة الزكية على الأسئلة الوفية (أجوبة على أسئلة أحد المعتقلين)، نظرات في الدعوة النجدية (ردا على التكفيريين)، مباحث في العذر بالجهل وإقامة الحجة (ردا على زعيم خلية أنصار المهدي، وهو – الخطاب – زعيم المجموعة التي حدثتكم عنها).
أثناء مطالعتي لكتب ومطويات هؤلاء الجهاديين الغلاة والتي كانت منتشرة في السجن، وجدت أنهم يعتمدون في الأساس على فرقة الدعوة النجدية والمتمذهبين بهذه الدعوة ككتب المقدسي والخضير وابن باز وآخرين..
والجدير بالذكر هنا أن التيار التكفيري الذي كان معنا في السجن (أشرت اليهم سابقا كانوا يسمونهم بالمسلمين الجدد) كانوا كذلك يعتمدون على نفس كتب الدعوة النجدية وبعض كتب المقدسي: ككتاب ملة ابراهيم وحكم العساكر – وميراث الأنبياء لأبي عمر الكويتي، فيعتمدون على هذه الكتب في تكفير الشعوب وتكفير كل الجماعات الاسلامية.
وإن اقتصار تيار الجهاديين الجدد وتيار التكفيريين على كتب الدعوة النجدية جعلهما يشعران بتقارب منهجي أدى فيما بعد إلى اندماجهما حركيا في السجن سنة 2007، ثم ظهر الاندماج تنظيميا مرة ثانية تحت راية داعش الخلافة سنة 2013، وهذا ما سأثبته لكم لاحقا.
فما طرحه الجهاديون الجدد آنذاك – من أفكار – في السجن على الملأ بكل جرأة وقوة هو نفس ما كان يؤمن به المسلمون الجدد (التكفيريون) ويخفونه – والخلاف بينهما بسيط -، فعبر دخول الجهاديين الجدد التيار الجهادي انكسر الجدار الفاصل كليا بين الجهاديين والتكفيريين، ليس فقط في هذا السجن، وإنما كانت هذه أمارة على ما بدأ يحصل خارجه..
*محمد رحا، جهادي سابق، ومواطن بلجيكي من أصل مغربي، قضى في السجن عشر سنوات بتهمة تزعم “جماعة التوحيد والجهاد قي المغرب”
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10146