محمد رحا
ابتداء من سنة 2003 إلى بعد اعتقالي نهجت السلطات في هذا البلد (المغرب) سياسة ما يسمى “الضربة الإستباقية” مع الجهاديين، فاعتقلت المئات منهم بعدة دعاوى ومبررات لتودعهم في النهاية السجن سنوات وعقود طويلة.
وأعتقد بحكم قرائن ومؤشرات كثيرة أن هدف هذه الإعتقالات لم تكن فقط لإرضاء بعض الدول الغربية والإحتياطات الأمنية أو لضرب المد الإسلامي السياسي، وإنما كانت كذلك تهدف إلى برمجة الجهاديين والتأثير عليهم فكريا، بناء على ما استفادوه من تجارب في مصر والسعودية والجزائر وغيرهم مع هذا التيار.
ومن الميزات المهمة في هذا السجن الذي كنت مأسورا فيه، أنه سجن احتياطي يدخله كل المعتقلين الإسلاميين الجدد، فيبقون فيه إلى أن تتم محاكمتهم ليتم بعدها توزيعهم على سجون أخرى. ومكوثي في هذا السجن فترة وجيزة ساعدني على تأمل هذه الفوارق بين أنوع المعتقلين الجدد وملاحظة أفكارهم.
فعند مرور كل بضعة أشهر أو بضعة أسابيع كنا نسمع عن إعتقال خلية جديدة من الجهاديين في أخبار الراديو، فلا تمر إلا أيام حتى يتم إدخال هؤلاء المعتقلين علينا داخل زنازننا، وهكذا دواليك، فدائما ما نستقبل المجموعات الجديدة ونحتك بهم ونسألهم عن أخبار الشارع والعالم، وكثيرا ما كان المعتقلون يتسابقون فيما بينهم لإسكان المعتقلين الجدد في زنازنهم ليسمعوا الجديد، وهكذا حتى تصبح المجموعة المعتقلة الجديدة جزءا من مجموع الجهاديين في السجن.
ومن خلال إستقرائي لتلك المجموعات الجهادية التي كانت تعقتل في تلك الفترة:
• وجدت أنهم كانوا حدثاء في هذا التيار الجهادي، ولم تصبهم لوثة “الغلو” حينها بعد.
• لم يكن لهم منهج راسخ وإنما كانت لهم القابلية للإصلاح والقابلية للإنحراف.
• غالبيتهم أراد الإلتحاق “بالجهاد” العراقي.
• أما من ناحية الفكر، فغالبيتهم كان يميل إلى شعارات القاعدة (شعارات فقط أما الفكر فلم يكن لهم اطلاع على أدبياتها).
ثم تقريبا في أواخر سنة 2006 أي بعدما بدأت الموجة العراقية المقدسية تفعل فعلها في الجهاديين، طلع صنف جديد من الجهاديين، لم يكن هذا الصنف من قبل موجودا بيننا، لا في السجن ولا بين غالبية الجهاديين أنحاء العالم إلا نادرا.
أثناء هذه الفترة أي تقريبا سنة 2006 إعتقلت السلطات خلية جهادية مختلفة عن الجهاديين السابقين، وأدخلوهم علينا السجن لينقلب السجن كليا رأسا على عقب، بسبب ما أحدثوه في السجن من مشاكل عديدة لا تعد ولا تحصى، ثم تلى إعتقال هذه المجموعة إعتقال مجموعات أخرى من الخلايا المشابهة لها في الفكر، وهذا كان يدل أن هؤلاء الذين بدؤوا يتوافدون علينا من المعتقلين الجهاديين الجدد ما هم إلا نموذجا مصغرا من الجيل الجهادي الجديد الذي بدأ ينموا خارج السجن أنحاء العالم…(يتبع)
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9869