لاح في الأفق طيف الدكتور عصام العريان كما لاحت قبله أطياف قيادات جماعة الإخوان المسلمين، قد تآكله الإهمال الطبي، كما حاق بمن سبقوه في محنة السجن من رموز الجماعة أمثال المرشد السابق/الراحل محمد مهدي عاكف الذي وافته المنية في سبتمبر 2017 بسبب الإهمال الطبي المتعمد في الوقت الذي صار جسده المنهك مرتعاً خصباً للأمراض، ثم مالبث أن لحق به لنفس السبب الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، في يونيو 2019 أثناء مثوله للمحاكمة، حيث تعمدت السلطات المصرية إهمال حالته الطبية إلى أن فارق الحياة إثر نوبة قلبية.
بنفس الطريقة، تماماً، توفي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور عصام العريان، عن عمر ناهز 66 عاماً، اليوم الخميس 13 أغسطس 2020، جراء تعرضه لأزمة قلبية داخل محبسه بسجن العقرب.
لم تكن، كما سبق الذكر، وفاة الدكتور العريان داخل سجون نظام عبد الفتاح السيسي الأولى من نوعها، إذ شهدت السنوات الماضية أحداث مشابهة سقط جراءها عشرات المعارضين ضحايا الإهمال الطبي الذي كشفت بعض المنظمات الحقوقية أنه بات منهجاً متعمداً لدى السلطات لتصفية قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ورموز ثورية.
لكن، ما يحز في النفس ويؤلم أشد الايلام محاولة البعض ممن يُحسب على تيارات معينة (يسارية، ليبرالية، علمانية…) إعادة كرّة الموت مراراً على رموز الجماعة بدافع أيديولوجي، سواءٌ تعلق الأمر بوصف المُخالف -المتوفى- بأوصاف قدحية لا تليق بحرمة الميت، أو بالشماتة في مماته نتيجة حقد أيديولوجي أعمى.
لا يمكن تصور أن دعاة الحرية والحق في الاختلاف، اليوم، ينصب بعضهم المشانق لأحد قيادات الحركة الإسلامية بعد أن وافته المنية تحت أي ذريعة، فالأصل أن يتم الاحتكام إلى الإنسانية أولا وأخيراً ك(مساحة مشتركة)، لا الركون إلى النزعة الأيديولوجية التي تعمي البصيرة، وتنزح بالشخص إلى السقوط في شرك ما يعيبه على مخالفيه.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الغريم الأيديولوجي (الإسلامي) لشماتة غريمه (الليبرالي)، فقد سبق وأن تم اعتبار “موت مرسي بتلك الطريقة علامة لحب ﷲ لمصر”، فيما اعتبرت كاتبة مقال موسوم ب”مهدي عاكف شماتة بشماتة وإرهابكم زيادة” أن خبر موت المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين “كالعيد كالخبر السعيد وإن جاء متأخراً كثيراً” وتستطرد ذات الكاتبة في نفس المقال المنشور على منصة الحوار المتمدن “فإنا في موتك وهلاكك يا مهدي عاكف شامتون”…ولم يكن عصام العريان بمنأى عن شماتة المعكسر العلماني حيث وُصف في البوابة نيوز كونه “خرج من السجن إلى القبر ليكون عبرة وعظة”.
في حقيقة الأمر، يبدو أن المعسكر الليبرالي/اليساري، لا يفوت فرصة من أجل الإنقضاض على الغريم الأيديولوجي والنيل من سمعة الإسلاميين ولو كانوا على فراش الموت.
ولا بأس، هنا، والمقام يستدعي ذلك، من التعريج على حياة عصام العريان في العمل العام التي قادته إلى غيابات السجون غير ما مرة، إذ انخرط العريان في العمل العام منذ التحاقه بصفوف الجماعة الإسلامية ابتداءً، ثم بصفوف جماعة الإخوان المسلمين انتهاءً.
ينتمي عصام العريان إلى ما يطلق عليه (جيل الصحوة الثانية) التي بدأت تقريباً في عام 1970، وقبل هذه الفترة بقليل أي إبان هزيمة 1967 ساعدت الأخيرة في انتشار المد الديني في مصر، خاصة، إثر استفزاز النشاط اليساري للحالة الإسلامية، الأخيرة التي كانت في السبعينات خليطاً من التيارات (المعتدلة والمتشددة).
لم يكن عصام العريان -الشاب- ليحيد عن زملائه في كلية الطب ممن تأثروا بشكل واضح بأفكار الحركة الإسلامية المعاصرة، حيث أسهم إلى جانب كل من عبد المنعم أبو الفتوح، إبراهيم الزعفراني، محيي عيسى…، في إثراء الحراك الدعوي بداية كأمير للجماعة الإسلامية بالقاهرة، ما مكّنه من تثبيت جذوره في النشاط الجامعي إبان فترة سماح الرئيس السادات لأعضاء الجماعة الإسلامية بالعمل الطلابي، الأمر الذي أهله لأن يكون مسؤولا عن اتحاد الطلاب في جامعة القاهرة، كما انتخب رئيساً لطلاب الجامعات المصرية.
إلا أن انخراطه سنة 1974 في صفوف جماعة الإخوان المسلمين سيكون علامة فارقة، حيث ساعده التحاقه بالتيار الإخواني على الدخول للعمل العام من أوسع أبوابه، حيث انتُخب عضواً بمجلس إدارة نقابة أطباء مصر التي تضم 120 ألف طبيب عام 1986، وشغل بها عدة مواقع قيادية أبرزها موقع الأمين العام المساعد لعدة سنوات في ظل سيطرة أعضاء الجماعة على معظم فروع النقابة.
ونظراً لما كان يتمتع به من نشاط رشحته الجماعة ليمثلها داخل مجلس الشعب المصري في الانتخابات التي جرت عام 1987 ليصبح عضواً بالبرلمان عن دائرة إمبابة بالجيزة (مسقط رأسه) في الفترة البرلمانية من 1987 وحتى 1990.
تعرض عصام العريان منذ منذ انخراطه في العمل العام للاعتقال غير ما مرة، البداية كانت قبيل اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، حيث اعتقل لمدة عام واحد فقط، من بداية سبتمبر عام 1981م حتى نهاية أغسطس عام 1982م، فيما تم الإفراج عنه ضمن قرارات العفو الرئاسي التي أصدرها مبارك عقب توليه السلطة.
المرة الثانية للاعتقال كانت عام 1995 وذلك بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، حيث قضى عقوبة مطولة في ذلك الوقت استمرت 5 سنوات تقريباً، حتى عام 2000 بناء على قرارات المحكام العسكرية التي أصدرت ضده حكما بالأشغال الشاقة.
وفي عام 2005 واجه الاعتقال الثالث في تاريخه، لمدة خمسة أشهر، للتهمة ذاتها، من مايو حتى أكتوبر من نفس العام، وفي صبيحة 18 مايو 2006 اعتقل مرة رابعة على خلفية مشاركته في التظاهرات المناصرة للقضاة بالقاهرة، وتم تجديد حبسه لفترات متعددة حتى تم الإفراج عنه يوم 10 ديسمبر من نفس العام.
واجه الاعتقال مرة خامسة في يوليو 2007 بسبب مشاركته في بعض التظاهرات التي أثارت حفيظة النظام آنذاك لكن تم الإفراج عنه في أكتوبر من العام ذاته، ليجد نفسه خلف جدران السجون مرة أخرى قبيل جمعة الغضب في 28 يناير 2011.
أما المرة السادسة والأخيرة التي تعرض فيها العريان للاعتقال فكانت في 30 أكتوبر 2013 في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي الذي تم في يونيو/حزيران من نفس العام، حيث ألقت أجهزة الأمن المصرية، القبض عليه من داخل شقته بالتجمع الخامس بالقاهرة، فيما أشارت بعض الروايات إلى تسليم نفسه للداخلية.
لم يكن الإهمال الطبي الذي نال من عصام العريان إلى أن وافته المنية، الخميس 13 أغسطس 2020، شيئاً جديداً فقد لاحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين من أيام جمال عبد الناصر بغية الإلقاء بها في براثن الموت البطيء عن طريق الإهمال الطبي الذي بات الأداة الأسرع والأنجز للتخلص من المعارضين، عبر تصفية “ناعمة” لإسكات أصوات تُعتبر في عين النظام نشاز وتهدد كيانه، الشيء الذي جعل من الإهمال الطبي أداة للسلطة لتصفية المعتقلين ببطء خلف جدران السجون.
لئن كانت الميتة الأولى على يد النظام المصري بسبب المحاكمات غير العادلة جراء عدم تسريع الحكم عليه براءة أو إدانة، ومسؤولية التلكؤ في علاجه تقع على عاتق النظام المذكور، فإن الميتة الثانية التي حاقت بالدكتور عصام العريان أشد وأنكى ذلك أنها تنهش فيه شماتة بموته بدافع أيديولوجي دونما مراعاة لحرمته ك(ميت).
العنوان من اختيار الموقع
بقلم أحمد المهداوي
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9428