الدكتور حمزة النهيري
يعتبر المنطق الأرسطي من العلوم اليونانية المقحمة في الثقافة الإسلامية، ومنذ بدايات الترجمة لكتب اليونان اتخذ علماء الاسلام منه مواقف متباينة فمنهم المحتفل به المعظم له، فهو يعصم الفكر عن غي الخطأ و يكشف عن دقيق الفهم المؤدي إلى النتائج الصحيحة والذي لايعرف المنطق لاثقة له بعلومه(رأي الغزالي) ، والرأي الثاني مزدر به شانئ له يرى أنه لاينتج نتائج يقينية، والقياس الفقهي أنتج منه(لايحتاجه الذكي ولايستفيد منه البليد) ، وقد ذكر المترجمون أن الامام الباقلاني المالكي من العلماء الذين نقدوا المنطق ورسالته في هذا الشأن مفقودة، وقد نقل لنا أبو حيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة مناظرة أبي سعيد السيرافي النحوي المعتزلي مع يونس بن متى المنطقي، وقد كان لي شرف إلقاء عرض عن هذه المناظرة بين طلبة ماستر علم العقائد والأديان حيث ظهر فيها يونس بن متى منهزما أمام تحريرات أبي سعيد السيرافي الذي قرر أن المنطق الارسطي هو نحو اليونان وأن النحو العربي هو منطق أهل الاسلام، فنحو كل لغة هو منطقها، وهذه المناظرة رآها الجابري الوثيقة التي أعلنت عن هزيمة العقل البرهاني أمام العقل البياني، كما رآها طه عبد الرحمن وثيقة لانتصار بيان البرهان وبرهان البيان في خارطة الفكر الاسلامي. فكان حاصل موقف المسلمين من المنطق الأرسطي يتمثل في( تحريمه ومنعه – جوازه وامتداحه- أو التوسط في دراسته لممارس الكتاب والسنة فلايخشى عليه من فساد عقيدته).
ولست أدري كيف يمكن للقواعد العقلية أن تفسد عقيدة المسلم وهي قواعد عقلية صرفة.. ، ولربما حملهم على هذا الكلام هو كون المنطق يعد مدخلا من مداخل الفلسفة التي قال أصحابها بما يخالف عقائد أهل الاسلام كالقول بقدم العالم وإنكار المعاد و بعث الأجساد. ولاشك أن نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي كان محل ثناء المنطقيين نذكر على سبيل المثال العلامة آل كاشف الغطا والعلامة طه عبد الرحمن، أما قول شانئي ابن تيمية كسعيد فودة بأنه لم يأت بجديد فهو قول متهافت كقوله إن الشيخ العلامة القرضاوي لم يدرس العقيدة في سنوات الأزهر (وهكذا تفعل الخصومات الشخصية تجاه العلماء فهي تعمي وتصم عن الانصاف والتكلم بعدل).
أين يكمن عمل ابن تيمية في كتابه الرد على المنطقيين الكبير.
يحتوي كتاب الرد على المنطقيين على بحثين وهما “الحد والتصور” و “القياس والتصديق”. وقد قام بنقد المقولات التالية:
فالتصور المطلوب لاينال إلا بالحد غير سديد، فوظيفة الحد عنده أنه يفيد العلوم بالتصورات.
قام ابن تيمية بنقد مقولة التصديق لاينال إلا بالقياس، والتصديق هو حصول صورة الشيء في الذهن مع الحكم عليه في الواقع(حصول النسبة الادراكية) ورأى ابن تيمية أن القياس يفيد العلم بالتصديقات.
قام ابن تيمية بنقد قولهم في الحد بأنه الجامع المانع. الجامع لكل أفراد المحدود والمانع لكل ماليس من المحدود أن يدخل فيه، فقرر رحمه الله مجموعة من التقريرات من بينها أنه لايوجد اتفاق بين الناس على حد معين. التعريف بالحد هو تعريف بمعاني ألفاظه ومفرداته.
قرر ابن تيمية أن اشتراط قياس أرسطو قضية كلية في إحدى مقدمتيه فرض لأن أساس الكلي هو الجزئي، كما أن اشتراط مقدمتين صغرى وكبرى هما محض تعسف وتحكم لأن الدليل قد يحتاج أحيانا إلى أكثر من مقدمتين.
وقد قام ابن تيمية بتشييد مجموعة من القواعد المنطقية نجملها في الأموى التالية:
1-وظيفة الحد كونه تفصيل للاسم يخدم التمييز بين الأسماء.
2-الوصول إلى الحد يكون عن طريق مطابقته للمحدود وتحققه معه في حالتي الاطراد والانعكاس.
3-يعتبر الحد كالاسم ينبه على تصور المحدود
4-قياس الأولى المذكور في قياسات القرءان منتج للمعرفة أكثر من القياس المنطقي، حيث الحكم المطلوب في الشيء أولى بالثبوت من الصورة المذكورة في الدليل الدال عليه.
تمثلت اجتهادات ابن تيمية في مجموعة من الاختيارات نشير إليها في بعض النقاط. ولابد أن نضع في اعتبارنا أن موقف ابن تيمية من منطق أرسطو قائم على أنه لا جديد فيه (لايحتاجه الذكي ولا ينتفع منه البليد) فالنتيجة المنطقية القياسية ليست إلا المصادرة على المطالب ليس غير.
1-الاختيار المنطقي القائم على ما هوحسي تجريبي
ومعنى ذلك أن بدهيات البرهان أساسها جزئي لاكلي، حسي تجريبي لا عقلي حيث تعتبر التجربة المصدر الأساس في عمليات البرهان، والبديهي مالايحتاج إلى مقدمات، فالعقل يتوصل إلى القضية الجزئية قبل الكلية، لأن الكلية تعداد لأفراد الجزئية، وبهذا يكون الكلي أمرا في الذهن لا وجود له في الخارج، فالخارج لايوجد إلا المحسوس المجرب.
2-الاختيار المنطقي القائم على مفهوم السببية ونظرية العلة.
وهي قائمة على ترافق العلة بالمعلوم ودورانها معه سلبا وإيجابا وهي عادة مركوزة في الذهن.. ، ولعل الفيلسوف هيوم يتفق مع هذه النظرية.
3-الاختيار الواقعي في البرهان
يرى ابن تيمية أن الحقائق الخارجية مستغنية عنا، غير تابعة لتصوراتنا بل التصورات تابعة لها. فالصور الخارجية مقدمة على الصور الذهنية.
4-الاختيار اللفظي الاسمي.
يرى ان تيمية أن الحد اللفظي هو أساس التصور وهو المحتاج إليه في تقرير العلوم، فوظيفة الحد قائمة على الاعتناء بالالفاظ والأسماء لا بالموجودات بما هي موجودات، فالأفراد والاسماء هي الحقائق الواقعة بخلاف الاجناس والانواع والماهيات فهي أمور صنعها الذهن بالقوة التخييلية و الحقائق تقوم بالمتعينات.
هذا باختصار أبرز معالم التجديد عند شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في علم المنطق وهو يحتاج إلى مزيد من البيان والتفصيل، حاولت تقريبها ليسهل تناولها بالدرس والمباحثة.
والله أعلم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8191