الدكتور مصطفى كرين
يتساءل الكثيرون عن مغزى الاتصالات المكثفة مؤخرا بين المغرب وكل من الصين وروسيا وكما يقول إخواننا المصريين: ” اللي ما بيشوفش من الغربال يبقى أعمى ” ، ومن النظر عبر غربال أحداث الشرق الأوسط يبدو واضحاً أن القادم من الأيام سيكون صعبا جداً بالنسبة للمغرب.
ذلك أن عملية التطبيع التي دشنتها الإمارات وتبعتها فيها البحرين وقد تتلوها دول خليجية أخرى ، تؤشر لمرحلة ينطبق عليها المثل المغربي القائل : ” يلا شفتي صاحبك تيحسنو ليه فزك لحيتك ” ، أي إذا رأيتهم يحلقون لحية صديقك فعليك بتبليل لحيتك لأن الدور قادم عليك لا محالة.
فالتغييرات والأحداث الجارية بالمنطقة تؤكد أن دور المغرب في التعرض للضغوط بمختلف أنواعها ومستوياتها من أجل الانخراط الرسمي في هذه العملية ، قد أصبح مسألة وقت فقط ، وقد لا يكون هذا الوقت بالمتسع كفاية للقيام بالمناورات المطلوبة ، وخصوصا أن هذا أمر لا يستوي فيه المغرب ذو الماضي الامبراطوري القريب وذو الأربعة عشر قرنا من الحضارة ، مع الإمارات والبحرين اللتان لم تتما بعد نصف قرن من الوجود أو السعودية التي لا يتجاوز وجودها المائة سنة.
وإدراكًا من المغرب لصعوبة القادم من الأيام وفي مبادرة استباقية للإسقاطات المنتظرة للتشكيل الجديد لخريطة التحالفات المقبلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي العالم ، يأتي توجه المملكة نحو كل من الصين وروسيا عبر إحياء الشراكات الاستراتيجية وتعزيزها ، مسلحا بموقعه الجغرافي من جهة ومرجعيته السياسية والدينية من جهة أخرى وعمقه الإفريقي من جهة ثالثة ، وخصوصا في ظل عجز فرنسا عن مساندة المغرب بعد أن أصبحت بدورها عرضة للإهانة والإذلال من طرف تركيا في البحر الأبيض المتوسط .
ويندرج تحرك المغرب في سياق إحساسه بخطورة الوضع و إدراكه للارتفاع الوشيك للقيمة الاستراتيجية لدول شمال إفريقيا من جهة ومحور العراق وسوريا واليمن من جهة أخرى ، في ظل الفقدان التدريجي لدول الخليج لأية قيمة استراتيجية في المستقبل بعد فقدانها لورقة الضغط السياسي التي كانت لديها قبل التطبيع وفقدانها في نفس الوقت لاستقلالها وأهميتها الاقتصادية ، دون الحديث عن انهيار وضعها المرجعي على مستوى الدين الذي أصبح تحصيل حاصل.
ولكن مشكلة الدول المتبقية لحد الآن خارج دائرة التطبيع ، أي شمال إفريقيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان هي أنها تعاني من ثلاث آفات : الفقر وعدم الاستقرار السياسي ( باستثناء المغرب ) وعدم الانسجام بين مكوناتها عقائديا وسياسيا وثقافيا ( العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت التأثير الشيعي بينما الآخرون سنة ) مع العلم أن ما حدث لحد الآن سيقود مبدئيا إما إلى نهاية الإسلام السني واجتياح الإسلام الشيعي للعالم الإسلامي أو انبثاق إسلام سياسي جهادي داخلي أكثر تنظيما وأكثر عنفا ودموية )، ولكن هذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقا.
ويحدث كل هذا بينما تحتفظ أمريكا بنفوذها السياسي والاقتصادي بل وتقوم بتوسعته ليصبح على أبواب الصين وروسيا ، بما أنها أصبحت عرابا من حيث الشكل لمنطقة تمتد من الحدود الليبية المصرية غربا حتى الحدود الهندية الصينية شرقا.
ويقتضي حفاظ المغرب على استقلالية قراره وأراضيه في هذه المرحلة وضمان مستقبله ، أن يجد مظلة ودرعا واقيا من الضغوطات القادمة لا محالة مثل تسونامي سياسي وجيواستراتيجي ، وهذا ما يفسر إحياء المغرب لشراكاته الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا والاتصالات التي جرت على أعلى المستويات وبمواكبة إعلامية رسمية مهمة.
طبعا هناك العديد من فرص التعاون التي يمكن أن تنبني عليها العلاقات المغربية الصينية والمغربية الروسية ، وإذا كان الجزء الظاهر منها يتعلق بالتعاون في إطار محاربة كوفيد 19 ، فهناك احتمالات كبيرة جدا أن يكون قد تم التداول بشأن العديد من الملفات الأخرى الأكثر أهمية وذات البعد السياسي والاستراتيجي أثناء الاتصالات الهاتفية والمراسلات التي تمت على أعلى المستويات ، ولا شك أن الشهور القادمة ستكشف لنا عن بعضها.
بقي أن نقول أن السلوك الدبلوماسي الذي تبناه المغرب ، لا يعتبر موقفا سلبيا ولا قطيعة بأي شكل من الأشكال مع المعسكر الأوروبي والعراب الأمريكي بقدر ما هو سلوك دقيق وذكي جدا من أجل المتوقع والحفاظ على مسافة كافية للعمل والتحرك بحرية أكبر من الدول الأخرى ، بل يمكن القول أن ذلك سيمكن المغرب من التفاوض على شروط أفضل حول طبيعة العلاقات مع إسرائيل مستقبلا إن هو اضطر إلى ذلك.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10188